توجه لطلب العلم مبكرا بتوجيهٍ من والده المحدث الثقة سعيد بن مسروق الثوري، حيث كان والده من أصحاب الإمام الشعبي، وبرعايةٍ وعنايةٍ من أمه التي كانت تقول له: «اذهب فاطلب العلم، حتى أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عدة عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة، فاتبعه وإلا فلا تتعنّ»، فنشأ نشأة صالحة، وتربى على حب طلب العلم والاشتغال به.
أفنى سفيان الثوري عمره في طلب العلم وبرع في الحديث، وحكى عن نفسه فقال: «لما أردت أن أطلب العلم قلت: يا رب لا بد لي من معيشة، ورأيت العلم يُدرس -أي يذهب ويندثر-، فقلت: أفرغ نفسي في طلبه، وسألت الله الكفاية»، وقال: «أنا في هذا الحديث منذ ستين سنة»، وقيل له: «إلى متى تطلب الحديث؟ قال: وأي خير أنا فيه خير من الحديث، فأصير إليه؟ إن الحديث خير علوم الدنيا».
رحل إلى الحجاز وزار بيت المقدس، وذهب إلى اليمن للقاء معمر بن راشد ليأخذ الحديث عنه، وكانت أسفاره ما بين طلب علم وتجارة وهرب من السلطان، وكان نابغة بحق؛ قال عنه الإمام الذهبي: «كان ينوه بذكره في صغره من أجل فرط ذكائه، وحفظه، وحدث وهو شاب».
سمع من: عمرو بن مرة، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور، وحصين، وأبيهسعيد بن مسروق، والأسود بن قيس، وجبلة بن سحيم، وزبيد بن الحارث، وزياد بن علاقة، وسعد بن إبراهيم، وأيوب، وخلق لا يحصون، وقيل إنه أخذ عن ستمائة شيخ، كبارهم الذين حدثوه عن: أبي هريرة وجرير بن عبد الله وابن عباس وأمثالهم، وعرض القرآن أربع مرات على الإمام القارئ حمزة الزيات.
وروى عنه: ابن عجلان وأبو حنيفة وابن جريج وابن إسحاق ومسعر - وهم من شيوخه -، وشعبة، ومالك، وابن المبارك، ويحيى، وابن وهب، وأمم لا يحصون، وبالغ ابن الجوزي فقال: «أخذ عنه أكثر من عشرين ألفاً».
مناقبه وثناء الأئمة عليه:
كان إماما عالما حافظا أثيراً، وكان يتوقد ذكاء، واشتهر في الحديث والفقه، وصار له مذهب متبوع فترة من الزمن، وأخرج له الأئمة الستة في دواوينهم.
قال عنه عبد الله بن المبارك: «كتبت عن ألف ومائة شيخ، فما كتبت عن أفضل من سفيان» يعني الثوري، وقال عنه الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: «شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه».
وقال عبد الرحمن بن مهدي: «رأى أبو إسحاق السبيعي سفيان الثوري مقبلا، فقال: «وآتيناه الحكم صبيا» مريم: 12»، وقال الإمام أحمد بن حنبل: «قال لي ابن عيينة: لن ترى بعينيك مثل سفيان الثوري حتى تموت»، وقال عنه أبو حاتم الرازي: «سفيان فقيه، حافظ، زاهد، إمام»، وقال الأوزاعي: «لو قيل لي اختر لهذه الأمة رجلاً يقوم فيها بكتاب الله وسنة نبيه لاخترت لهم سفيان الثوري».