المعرفة من منظور إسلامي – المعرفة بين العقل والنقل – المعرفة في سياق التربية الفكرية – المعرفة في سياق الوحدة الثقافية عند الإمام الغزالي – التكامل المعرفي عند ابن خلدون
هذه الفصول يمكن اعتبارها أبوابا أو محاور كبرى لان كل واحد منها تضمن بدوره مجموعة من الفصول مسبوقة بتمهيد وبعضها ينتهي بخلاصة ويثبت للمراجع المستعملة
لقد كانت النظرية الإسلامية في المعرفة هي إحدى القضايا الكبرى التي تناولها الباحثون والعلماء بالبيان حتى أصبحت احد أهم المباحث العلمية في الثقافة الإسلامية وهو ما يعبر عنه بمبحث النظر الذي تصدر به في الغالب المؤلفات في العقيدة وعلم الكلام
فالإسلام أمر بالنظر لمعرفة الحقيقة وبيّن المنهج الذي يجب على الإنسان إتباعه للوصول إلى الحق من حيث المظان ومن حيث القنوات التي منها تتأتّى المعرفة ومن حيث الكيفيات التي تحصل بها والشروط الضرورية لذلك وهو ما من شانه أن يجعل المعرفة نظرية متكاملة
لقد كان سائدا عند مجيء الإسلام نمطان من المعرفة الأولى هي معرفة عقلية موغلة في التجريد ونعني بذلك نمط الفلسفة اليونانية والثانية هي معرفة اشراقية تقوم على تقوية الروح بالترّيض لحدّ بلوغ درجة من الصفاء من خلالها تنكشف الحقيقة. فلما جاء الإسلام جاء بنظرية تكاملية في المعرفة تقوم على تكامل العقل والحس والوحي في مغرفة الحق
فالمعرفة من الوجهة الإسلامية تشترك فيها المعارف التي تتواصل إليها عن طريق العقل والمعارف التي نعلمها عن طريق الشرع لذلك فان المحور الأساسي الذي انبتت عليه نظرية المعرفة عند الباحثين والعلماء هو المحور الذي عرف بقضية (العقل والنقل)... فالحس هو المنطلق الضروري لعملية المعرفة ثم يأتي العقل ليجول في المحصول الحسي ثم يأتي الوحي ليغطي المساحة المعرفية التي قصر دونها كل من الحس والعقل، الا انه لابد من الإشارة إلى أن الإسلام عمل على تحرير عقول الناس ممن عبودية السلطة الدينية ذلك أن الكهان والأحبار والمشائخ ومن شاكلهم في كل عصر كثيرا ما كانوا يعملون على السيطرة على عقول الناس وتوجيههم الوجهة التي يريدونها باسم الدين وهو ما يعتبر فسادا لذلك حذّر الإسلام تحذيرا شاملا من هذا الفساد فاسقط الكهانة وأبطل سلطة رجال الدين على الضمائر ونفى عنهم القدرة على التحريم والتحليل والإدانة
وقد تناول المؤلف مواقف العديد من الفرق الإسلامية من هذه المسالة وتوقف طويلا عند المعتزلة ليشير بعد ذلك إلى أن الثورة المنهجية الفكرية التي أحدثها القران الكريم لم تلبث بعد زمن ان تشهد ارتدادا في الكثير من عناصرها .وبتقدم الزمن وتسارع الانحدار الحضاري الإسلامي تفاقمت الأمراض المنهجية الفكرية فكان التعصب الذي معه تنتفي حرية الفكر ليصبح هذا الفكر موجها (فكر بغيرك) بما استقر في المذاهب مقيدا بما انتهى إليه السابقون ليصبح هناك اقتصار على الرأي الواحد دون منح الفرصة للمقارنة والنقد وهو ما أدى إلى الانحطاط الحضاري للأمة بأكملها، هذا الانحطاط يحرص اليوم – في القرن الواحد والعشرين- هؤلاء المستبدين بالرأي على أن يتواصل وهم يوهمون الآخر بأنهم يسعون إلى التغيير – تغيير الواقع المتردّي للأمة الإسلامية واللحاق بركاب الأمم المتقدمة
وهذا الوضع الفكري القائم على الردة والمفعم بالجهل والتخلف يعود استمراره في الأساس حسب د. عبد المجيد النجار إلى النظم التربوية التي تم اعتمادها في البلدان العربية الإسلامية حيث سعت كل بلاد إلى اعتماد نظام تربوي قائم على التلقين الذي تتقلص فيه كثيرا مساحة الحوار والنقد ودرءا للتفكير المنطقي الذي أساسه العقل والواقع وحتى المدارس الحديثة اليوم حسب محمد الطاهر بن عاشور في كتابه (أليس الصبح بقريب) تشكو من ازدواجية في النظر من شانها تشتيت الفكر وخلق اضطراب في منهجية التفكير فالعلوم القانونية تناقض العلوم الفقهية والعلوم الطبيعية تناقض العلوم العقدية و العلوم السياسية تناقض العلوم الأخلاقية وغيرها دون استفادة من النظم التربوية الحديثة.
الحقيقة أن هذا الكتاب مهم من حيث تناوله للمسائل بكثير من الروّية والتعمق على الرغم من أن فصول هذا الكتاب كانت بحوثا في الأصل قد تم اعتمادها في مناسبات مختلفة لذلك وجدنا بعضها يختم بقائمة المراجع والمصادر المعتمدة وبعضها يفتقر إلى ذلك .وقد كان على المؤلف أن يعمد في آخر الكتاب إلى وضع قائمة كاملة شاملة في المصادر والمراجع وتعريفا بأسماء الأعلام المعتمدة على غرار الغزالي وابن خلدون وابن عاشور وأفلاطون وأرسطو وغيرهم ولكن رغم ذلك يبقى كتاب (المعرفة في السياق الإسلامي )من أهم الكتب الجديرة بالقراءة اليوم خاصة في ظل ما أصبح يتهدد العالم العربي والإسلامي خاصة من تدهور وتحجر وتخلف على جميع المستويات