بشعوبها المُلونّة و«الصّافية»- وإن لا صفاء في أي شيء - بخُرافاتها ودياناتها وأحْلام نومها وهواجس يقْظتها بأشعارها ورواياتها وضروب سَرْدياتها ...
(2)
للمياه - مثلا - دُورها ودَوراتها كما للسياسة في استعمالها المفْسود الفاسد عُوّارها وعَوْراتها. من أدقّ تسميات السادة «فقهاء اللغة» أنهم اسندوا أسماء الأماكن للوظيفة التي تضطلع بها تلك الأماكن فتحدثوا عن بيت «التغوّط» و«فسحة النّفايات» و«بيت الخلاء»... و «مراح المُستراح» و«بيت الراحة» «لتسمية ذلك المكان الذي لا أحد يمكن له أن ينوبَ أحدا فيه ..«ليَسْتَبّل» له وعِوضا عنه.
«ساح السياسة» أصْبَح فضاء للتغوّط اللّغوي لا غير, والمبارزة بالبُرازِ اللغوي... مع احترامي للحرائر والأحرار الصّادقين والصّادقات ..المدافعين والمدافعات عن فكرة العدل والحرية مُعلّقة التونسيين والتونسيات الأبديّة, وإن أنا أعلم ما علّمنا تاريخ الثورات أنّه ثمّة من الخلق من يَسْتَـطيبون عُبوديتهم بفِعل العَادة كما يَسْتطيب سِواهم كراسيهم... الهزازة والرّهازة ولا يعْترفون بالجميل الإستحقاقي للشباب الثوري التونسي- مثلا - الذي حَرّرَهُم من الظلم والمذّلة ...
(3)
لا أحدَ من الكائنات السياسية «البوست ثورية» الصّائتة أو الصّامتة كائن من كان وكائن من يكون, «يحْكُم» الآن تونس أو حتى يملك الحدّ الأدنى من كفاءة «تصريف» ما بقي من «صَرْف الدولة التونسية» ليملك أهليَة القول أنه «يملك مفاتيح تونس» هو لوحده أو بمعيّة واحدٍ وحيدٍ من «المُتذاكين» على التونسيين سواه.
(4)
«ثورة» فعلها «الشباب التونسي» و«اُسْتفعل فيها» بالمعنى القبيح الأقبح «الشيّاب» الذين فقدوا رشدهم . ولا شيء غير ذلك . ما أبلغ مُعجم الشارع, أكبر شاعر حكيم, حين هِجاءٍ جارحٍ إذ تحدّث منذ القديم عن متلازمة:
« الشيْب والعيْب» - دون عنصرية عمرية ... أو جهويّة أو سواها.
(5)
« شيوخ الردّة » أرادوا غلق أبواب «ثورة تونسية» لم يشاركوا فيها أصلا بعد أن «تورّكوا» قياما وقعودا على أرائكها ... توهّموا أنّهم يمْلكون مفاتيح ...غلق أبوابها.
(6)
متى سوف يدرك «الهؤلاء» جميعا, أن الحروب الأهلية مُعلّمٌ عنيفٌ للحقيقةِ.
وأنّ الشعب التونسي « يلينُ لمعذّبيه حينَا وحينًا يُخليهم وقوفا على رِجْلٍ واحدةٍ».
أما مسألة الحديث عن «الرّكوب على الأحداث» الجارية فَهُم عينهم ايّاهم قد سبقوا وركبوا قبل أن يركب سواهم ... على الأحداث التي جرت ... وهذه من تلك ... أليس كذلك ..؟
ومنْ قَبْلُ ومنْ بعْدُ هذا « حديثُ خُرافة يا أم عَمرو»...
(7)
مزيدٌ من المزايدَةِ, مزيدٌ من «فضائل» الثورة التونسيّة التي جَعلناها جميعا - رُعاتها ورَعاعهَا- وكل بأسْبابه وتعِلاّته, جعلناها « آيْروفاجيّة - بُنوفاجيّة» بالوُعود المَكْذوبة للبطون الخاويَة - ما أفقر هؤلاء الأثرياء الذين عندنا وما أجْوعهم . مزيد من فُنون اُبْتلاع اُلْهَواء ... سوف نَنْتَـصِر للوراء... غير أنّه دائما تبقى لُمَعٌ في الأفق ... كما التي أبهجتني بكل «نرجسية» هذا الصّباح...
(8)
شكرا للفتى اُلْتّونسي الجميل والنّبيل «لطفي» وتحية تليق بالقامة والمقام وبعْدُ: رسالتك وصلت وهي في المكان الذي يليق بمقامـِـها عندي, هي في شِغاف القلب.
يا حبيبي الجميل ... شكرا لك مرّة أخرى على ما صادفني منك هذا الصباح الوسيم... رغم كل شيء... لا تحزن . «المعْنى من كل شيء مـِحْنَته» كما تقول حكمة العرب القديمة ونحن لها كيف ما كانت الحال و الأحْوال. اني على يقين أن تونس سوف تـنْهض أرضا وشعبا بحرائرها وأحرارها وإن بمشقّة ... نحن في مَسيس الحاجة إلى «ارادة الحياة». صبرا ومُصابرة ومجالدَة للمِحَنِ التي لا تُكْسِر غير ذوي «النفوس الواهية» الـمُدْمنَة نذالة وطَمعا ..كتب حكيم أندلسي اسمه عثمان - كما يقول ابن حزم الاندلسي في كتابه «مداواة النّفوس», كتبَ على باب داره:
«يا عُثمان لا تَطْمَـــــــعْ»..
إن جُرعة من «الزّهد المرح» ولو خفيفة من شأنها أن تحصّن الذوات الحائرة من اُلْسّقوط... في العدميّة القاتلة أو « اُلْلاّمبالاة» التي يُديــنها الأحْرار من عظماء الإنسانية من مثل انطونيو جرامشي العظيم , وتمنحها الشرط الرئيس للحرية . دمت حرا ... ولعلنا بخير ولا ندري يا حبيبي الوسيم .
وشكرا موصولا على رسالتك مرة أُخرى التي أردتُ أن أثبّتها عندي لوجه التاريخ . ما أعظم أنفس الذين يعترفون» بالجميل « حتى وإنْ هو من باب الواجب ..
(9)
أستاذي المحترم, لي من العمر ما يناهز الخمسين وأقر بان بصماتك في صفحات حياتي كانت ولازالت لها من المكان تأثير يستحيل محوه وإن كنت لا أريد محوه.كنت شابا يافعا اتلمس طريقا في أدغال هذا العصر علنيَ أبصر نهايتها إلا اني والتقائي بك سيدي أصْطدم بعالم كنت أجهله. كانت صدمة قوية لكنها وقائية رجَت كل ما كنت أومن به أو كلّ ما انساق عقلي وتقبَله.ارتجَ ما بداخلي ارتجاجا يصوّب ويعدّل كل أفكاري وقَناعاتي.لقد أحدثت سيدي فوضى رتبت ما بداخلي من تناسق وسكينة وتناغم أو لنقُل من منظار الحاضر سُباتا يغلب عليه الانصياع وتقبَل كل ما يأتيك من الآخر دون تثبّت أو تشكيك. سيدي, أعترف لك ولي نفسي بأنك صاحب «الفوضى الخلاَقة» ليس بمعنى «كوندوليسا رايس» ولكن بمعناك انت وفلسفتك انت.»بفوضاك» بتُّ أولا إنسانا وثانيا واعيا وثالثا مَسؤولا...
لك مني كل التقدير والاحترام وخاصة محبّتي
(10)
الآن وأنا أعِدّ أعْضائي للسّفر أخَذْت أتصفّح كتاب « فلسفة صُغرى لتجاوز الأزمات» (لكاترين رونبارت) كتبته بشكل «حِكمي» على مَدار عدد أيام السنة بروح تفاؤلية . صادف أن كانت حكمة يوم 27 أفريل قد ورَدَت بعد سؤال :
« الخُضوع أو التــمرد؟ والإجابة: «التشاؤم انما هو علامة عـَجْــز وخضوعٍ للأحداث واُلْتفاؤل إنما دليل الجرأة والتمرّد في لمواجهة الأخطار».
(11)
فلتَكن تونس مُتفائلة في مواجهة الخَطر وإنْ هو التشاؤم العميقُ أكثر فاعليّة للشّعوب من التفاؤل السّاذَج أحيانا ودائما . لستُ متشائما وإن هي الروح منّي حزينة ... ربما لأني اُسْتعْجلتُ بعضَ فرحٍ جماعي في هذا المشترك الأرضي التونسي.
سلامٌ ..سَلاما إنْ أمْكن اُلْسّلْم ..أيها «الآيْروفاجيّون», أيّــها «البُــنوفاجيّون». كتبتُ منذ سنواتٍ أسوة بالحكيم الأندلسي على باب داري: «يا سليم لا تطمع» فتحرّرْت... فشكرا لشيخ الأندلس وألف رحمة لروحه ما طلعت شمس وما غربت...