«يوم 16 فيفري 2017 توصّلت مؤسّسة المسرح الوطني بمحضر تنبيه من «المجلس النّقابي الوطنيّ للأئمة وإطارات المساجد» المنضوي تحت المنظمة التونسيّة للشغل في شخص ممثلها ،ينبّه علينا بضرورة رفع المعلّقة الإشهاريّة للعمل الكوريغرافي «ألهاكم التكاثر» بإعتبار أنّ العنوان فيه مساس بالمقدّسات الدينية وأنّ قدسيّة القرآن خطّ أحمر...
إتّصلتُ بسلطة الإشراف عن طريق وزير الشؤون الثقافة وأعلمته بالتنبيه ثمّ تبادلت معه الرأي في هذه الظروف الصعبة.
ثمّ اتّصلت بنجيب خلف الله كاتب العمل الكوريغرافي ومخرجهُ وأخبرته ثمّ طلبت منه موقفه، فاختار حجب العنوان (ولا تغييره) فاحترمت قراره رغم أنّني ومن معي لم نكن مقتنعين بهذا القرار لإبتعاده عن اقتناعاتنا في التصدّي لكلّ ما يهدّدُ الحرّيات عموما والفنّية منها خصوصا.
صباح الجمعة 17 فيفري لولا تدخّل الأمن الّذي أخبرنا باحتمال تعرّض قاعة الفنّ الرابع للاحتجاج وربّما للهجوم عليها إثر صلاة الجمعة لكانت الكارثة.
صحيح أنّ قرار حجب العنوان قرار خطير.
فلماذا أخذتُه ؟
في أوج حمّى الأزمة ليس من السّهل التفاوض مع المسألة الدينيّة في مثل هذه الظروف.
القرارات المبدئيّة المتعلّقة بالرّقابة السّياسية والأخلاقيّة أيسر بكثير من القرارات المتعلّقة بالدّين وبالتأويلات و التحرّيات والإختلافات والقراءات فيه (وهي تستدعي اليوم أكثر من ذي قبل تحاورا وطنيّا فيها لقطع الطريق للمتطرفين المُصرّين على المواجهة العنيفة، أعداء الحرّيات والمسيّسين للدّين)
المسألة الدينيّة معقّدة ورهاناتها كبيرة لا تُوَاجهُ بالتعنُّت والإصطدام بل بالتريّث والتحريّ والتشاور والتبصّر والتعقّل رغم أنّها لا تستهدف جوهر موضوع المسرحيّة ولا تمسّ بكلمة واحدة أو حركة واحدة من العمل.
لم يأمرني أحد بأيّ قرار.
أنا لا أؤمر.
أخذت قراري بمحضِ ضميري وتجربتي وضمير وتجربة من معي إلى أن يبتّ القضاء في القضيّة الإستعجاليّة الّتي رفعناها في هذه المسألة.
في الإنتظار ماذا كانت ردود فعل من يشاكسني شخصيّا من المزمجرين الغاضبين لو كنت رفضت حجب العنوان لاتهمت بتصفية مشاكلي الشخصيّة مع الدّين والمسيّسين له على حساب الفنّان.
وماذا كانت ردود فعل هؤلاء الغاضبين المزمجرين المدافعين أكثر منّا(وهذا معروف) على الحرّيات لو حَذفتُ العنوان بمفردي اعتباطا بعد ثلاثة أسابيع استشهار وبعد أسبوع من عروضه الأولى دون استشارة صاحب العمل لاتهمت بتسليط الرقابة على فنّان و لكان السخط والشّتم أقوى وأعنف.
في الواقع اعتقادي أنّ هناك محاولة شرسة مبرمجة لإحباط مشروع فنّي حيّ تقدّمي متقدّم وحداثي يبني لمستقبل تونس ينافس أو يهدّد مشروعا رجعيّا إن لم نقل ظلاميّا يختفي وراء الدين والمقدّسات ويسعى إلى غلق أجنحته على المشروع التربوّي والعلميّ والثقافيّ كلّه في بلادنا ويُرجعها إلى العصر الحجريّ.
وهناك في نفس الوقت من المثقّفين والفنّانين «الأحرار» من يريدون إحباط هذا المشروع وكأنّ أصحابه لم يؤسّسوا ولم يطوّروا خطابات وجماليات تقدّمت وإرتقت بالفنّ الرابع عبر العقود وكأنّهم أضحوا «مجرميّ حرب» يجب التخلّص منهم وإبادتهم بكلّ الوسائل وما أسهل الإنتقاد وإعطاء الدروس !
الّذين يريدون التّعللّ بالدّين والأخلاق لعرض ثقافة رجعيّة متخلّفة هم لا يمثّلون إلا أقلّ بكثير من نصف الشعب التونسي.
وهناك أقلّية من الأغلبيّة الشابّة والكهلة التقدّمية الحداثية مصرّون على التشكيك في المسرح الوطني وإنجازاته تكوينا وتشغيلا و إبداعا وتوزيعا وإصلاحا واشعاعا.
فنحن أمام كلّ هؤلاء ماضون بمشروعنا مؤمنون به بلا تردّد ولا ريب.