إلى السياسة خاضت سلمى بكار غمار الانتخابات ما بعد الثورة وفازت بمقعد في المجلس الوطني التأسيسي عن حزب «القطب الديمقراطي الحداثي» لتواصل نشاطها السياسي اليوم كقيادية في حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي ... وما بين صفة الفنانة ولقب السياسية كان حديث سلمى بكار مع «المغرب» كالآتي:
• متى يكون شريطك الجديد «الجايدة» جاهزا للعرض، وهل سيكون عرضه للجمهور في قاعات السينما أم سيتم تأجيل اكتشافه إلى موعد مهرجان أيام قرطاج السينمائية؟
بعد أن أنهينا تصوير مشاهد فيلم «الجايدة» انتقلنا مباشرة إلى المراحل التقنية التي تتطلب مدة زمنية لا بأس بها...لهذا من المنتظر أن يكون فيلم «الجايدة» جاهزا للعرض في أواخر شهر فيفري المقبل.ويتنزل الفيلم في سياق درامي -تاريخي حيث تدور أحداثه قبل الاستقلال وتحديدا في خمسينات القرن الماضي أين تجتمع أربع نساء في «دار جواد» بعد أن رفضن الخضوع والاستسلام لهيمنة الرجل... ولم نحسم أمرنا بعد في موعد عرض الفيلم أي هل سيتم إطلاقه في القاعات قريبا أم الاحتفاظ به للمشاركة في أيام قرطاج السينمائية أو مهرجانات أخرى عالمية، وهذا رهين الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على فيلم «الجايدة».
• لماذا اخترت أن يكون مشهد النهاية في فيلم «الجايدة» تحت قبة مجلس النواب بباردو في عودة إلى مداولات المجلس الوطني التأسيسي في وقت مضى؟
هذه العودة إلى مداولات المجلس التأسيسي بين سنتي 2012 و2013 وتحديدا إلى جلسة النقاش حول مرجعية الدستور الجديد لتكون «القفلة» أو مشهد النهاية في فيلم «الجايدة» أردت من ورائها ربط الماضي البعيد بالماضي القريب لاستخلاص العبرة والموعظة الحسنة... فالمرأة التي كانت تقاد إلى دار جواد في الخمسينات بدعوى الاستناد إلى أحكام تفاسير المذاهب الدينية، كانت مهددة بالمصير ذاته من الظلم والظلام لو نجح البعض في تمرير مرجعية الشريعة والدين في صياغة دستور الجمهورية الثانية ... وقد جاء هذا المزج بين هذين الزمنين المتباعدين في الفيلم بلغة سينمائية مرنة وسلسة ومستساغة...أليست السينما هي فن الممكن ؟!
• تشهد هذه الأيام حراكا سينمائيا للمطالبة بإعادة هيكلة مهرجان أيام قرطاج السينمائية شكلا ومضمون، فهل تساندين مطالب أهل الفن السابع؟
لا يسعني إلا أن أكون موافقة ومساندة لمطالب زملائي في المهنة، فلا يكفي أن ينتظم مهرجان أيام قرطاج السينمائية بصفة منتظمة سنويا بل لابد لهذا المهرجان العريق أن يتمتع بالحد الأدنى من مقومات النجاح على غرار مقرّ خاص وهيئة قارة وهيكل قانوني واضح إضافة إلى حفظ ذاكرة المهرجان من الضياع والاندثار ...أما أن تبقى الأيام على ما هي عليه من ارتجال وفوضى وضبابية فلا يمكن لها بأي حال من الأحوال التقدم على درب التميز والإشعاع .
• وعد وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين بأن تكون سنة 2017 سنة الإصلاحات الكبرى ...إلى أي مدى تثقين في هذه الوعود والالتزامات؟
لا يكفي أن يكون وزير الثقافة متحمسا للإصلاح وعازما على التغيير نحو الأفضل بل لابد أن ترافق هذه النيّة في الارتقاء بالوضع الثقافي إرادة سياسة حقيقية. ولكن للأسف الحكومة تتبنى موقفا متناقضا في علاقتها بالحقل الثقافي فمن جهة تؤكد في لغة خشبية أن الثقافة هي سلاح فعال لمواجهة التطرف والإرهاب ومن جهة أخرى لا تتوانى عن صرف ميزانية هزيلة لوزارة الشؤون الثقافية ! وأمام غياب الوعي الحقيقي والجاد بدور الثقافة في هذه المرحلة الدقيقة في تاريخ البلاد فإن محاولة النهوض بالقطاع تبقى قاصرة بسبب غياب الإمكانيات المادية الكافية. وما بين حلم وزراء الثقافة في الإقلاع بالمجال الثقافي والواقع المادي المرير هوّة سحيقة تعرقل الطموح ونيّة التغيير. ولهذا فإنّ الثقافة ليست فقط مجرد فن وخلق وإبداع ...بل هي جزء من سياسة الحكومة التي لابد لها من مراجعة نظرتها وموقفها من المسألة الثقافية.
• هل صحيح أن بروز جيل جديد من السينمائيين تفوّق في اقتناص الجوائز العالمية هو إعلان لنهاية جيل سلمى بكار؟
كلّي ترحيب وتشجيع للجيل الجديد من السينمائيين وقد ساهمت في صقل هذه المواهب السينمائية الشابة تدريسا وإنتاجا... ولكن هذا لا يعني انسحاب جيل سابق أو إقصاء جيل جديد بل لابد أن تتكامل كل الأجيال والرؤى والمدارس من أجل سينما تونسية متميزة ومختلفة. إن الفن لا يعترف بسن التقاعد والإبداع ليس رهين عمر معيّن فطالما أن الفنان لا يزال على قيد الحياة فهو في حلم متواصل وخلق مستمر ...
• بصفتك قيادية في حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، ما هو موقفك من عودة الإرهابيين إلى تونس خصوصا وقد أصدر حزبكم بيانا يدعو فيه إلى ردع الخطاب المبيض للإرهاب؟
نحن ضد عودة الإرهابيين من بؤر التوتر إلى تونس في نطاق إملاءات خارجية من الدول أو القوى الاقتصادية الكبرى بمنطق «بضاعتكم ردت إليكم» ...فمن أخطأ من الإرهابيين في حق وطن أو شعب فلا مانع أن يحاكم بقانون ذاك البلد. أما في حال ضرورة ترحيلهم فلابد للحكومة التونسية من محاسبتهم في إطار تفعيل قانون مكافحة الإرهاب وتطبيقه بكل صرامة ومن الاستعداد جيدا لحماية المجتمع من أشرارهم ووحشيتهم ...فمن أجرم في حق الإنسانية وذبح الناس بكل وحشية لا يمكن له محاولة خداعنا بإعلان التوبة بين عشية وضحاها ! ومن جهة أخرى فقد نبه حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي من خطورة استسهال الدعوة إلى تعديل الدستور لما يمكن أن يترتّب عنه من منزلقات وآثار سلبية على التأسيس الديمقراطي.
• بعد «الجايدة»، هل من حلم جديد للمخرجة سلمى بكار؟
نعم أحلم بإخراج فيلم عن اعتصام الرحيل بباردو في صيف 2013 بشخصيات نسائية طبعا وانطلاقا من زاوية تاريخية كما اعتدت ذلك طيلة مسيرتي الفنية...
دون مجاملة
• كيف تجتمع صفتا الفنانة والسياسية في شخصية سلمى بكار؟
أعتقد أن الحياة هي فن وسياسة...الفرق فقط في طريقة التعبير.
• ماذا أضافت لمسيرتك تجربة المجلس الوطني التأسيسي؟
كانت تجربة منعشة وممتعة ...دافعت فيها بكل قناعة عن مبادئ الدولة المدنية ومكتسبات الحداثة ... وتعلمت منها الصدق في القول والثبات على الموقف إلى النهاية.
• يقال إن السياسة لعبة قذرة... ومن العسير أن يسلم الشرفاء من قذارتها، ما تعليقك؟
ربما ترجعني هذه القولة إلى ذكرى أليمة وحادثة موجعة لا تزال توجعني إلى حد اليوم ...إنه ذاك اليوم الموّقع بالدم وزميلي وصديقي محمد البراهمي يغتال في وضح النهار...إنه الجرح الذي لم يندمل بعد !
• أين هي القوى الديمقراطية من الخارطة السياسية اليوم؟
للأسف يؤلمني جدا تشتت اليسار وتشرذم القوى الديمقراطية يوما بعد يوم...فبعد أن كنا أقلية في المجلس التأسيسي وكانوا هم الأغلبية انتصرنا عليهم في التمسك بأسس الدولة المدنية أما اليوم فالأصوات الديمقراطية مبعثرة ولا صدى لها !
• بالرغم مما كان ومما سيكون هل أنت متفائلة بتونس الغد؟
أحاول أن أبقى على تفاؤلي بالرغم من كل شيء...