وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين في حوار لـ«المغرب»: سنة 2017 ستكون سنة الإصلاحات الكبرى وسنة الثقافة بامتياز...

لم يعد منصب الوزير عنوانا للوجاهة الاجتماعية أو فاتحا للشهية بعد ثورة 14 جانفي ... وكم من الوزراء لاحقتهم سهام النقد والجلد فدفعوا ثمن الجلوس على الكرسي أو فضلوا الانسحاب والتخلي عن المهمة خشية مقصلة التغيير الحكومي أو تجنبا لتسديد فاتورة فشل سابق...

وليس كرسي وزارة الشؤون الثقافية ملفوفا بالحرير أو بمعزل عن مجهر التقييم والتدقيق في ظل وضع ثقافي يحتاج إلى التحريك والتغيير. وقد تعاقب على كرسى وزير الثقافة بعد الثورة سبعة وزراء كان آخرهم الدكتور محمد الزين العابدين الذي يتوّلى مسؤولية إدارة وزارة الشؤون الثقافية الآن. وعن فلسفته في تسيير دواليب الوزارة، وعن المشاريع والرؤى الثقافية التي يحمل والإصلاحات التي إليها يطمح ... تحدث وزير الشؤون الثقافية محمد الزين العابدين إلى «المغرب» في الحوار التالي:

• بداية، أيّة فلسفة وراء تغيير تسمية وزارتكم من وزارة الثقافة والمحافظة على التراث إلى وزارة الشؤون الثقافية ؟
في الحقيقة، هي عودة إلى التسمية الأولى للوزارة في عهد الأستاذ الشاذلي القليبي. واعتماد هذه التسمية يحيل إلى أن السياق العام لوزارة الشؤون الثقافية هو الاشتغال على دعم التنمية الثقافية والمهن والصناعات الثقافية ومصادر الإبداع... وفقا لإستراتيجية ثقافية مضبوطة. وعموما فإن الثقافة وحدها لا تكفي لتسيير وزارة الشؤون الثقافية التي تتطلب سياسة وإدارة وتخصّصا...

• جئتم ببرنامج «مدن الفنون» وراهنتم عليه في الانتصار للجهات ثقافيا، فهل من توضيح أكثر وتفصيل أدّق لأهداف هذا المشروع ومدى قدرته على تحقيق التنمية الثقافية وتغيير واقع الثقافة في الولايات الداخلية؟
إن تونس ،اليوم، في حاجة إلى مقاربة ثقافية جديدة تقطع تماما مع ما كان عليه الوضع الثقافي في السابق. وهذا هو الاعتبار الأساسي الذي انطلقت فيه حكومة الوحدة الوطنية بناء على مبدإ الإصلاح العام الذي يشمل كل القطاعات على غرار المجال الثقافي.
وتنفيذا لمبادئ الدستور واستجابة لمبدأ التمييز الإيجابي فمن حق الجهات علينا تطبيق اللامركزية الثقافية الحقيقية قصد تحويلها إلى أقطاب ثقافية تشع على بقية المناطق المجاورة لها وعلى مختلف ولايات الجمهوريّة. وفي اطار مشروع مدن الفنون سيتم دعم المبادرات لحوالي 200 جمعية ثقافية تنموية في مجال إحداث وبعث المشاريع الثقافية ذات القدرة التشغيلية مع اعتماد مبدإ التمييز الإيجابي للجهات الداخلية و للأحياء الشعبية.كما من المنتظر أن تكون «ساحات الفنون» مسرحا للممارسة الثقافية والأنشطة الثقافية في كل أسبوع وكل شهر وعلى امتداد السنة.

• تحدثتهم عن ضرورة الإصلاح الشامل والعميق، فما هي مفاتيحه وكيف ستكون تجلياته ؟
أولا، لابد أن يكون الإصلاح تشريعيا حتى يستند إلى منطق وحجّة القانون. وللأسف نحن نعاني من فراغ تشريعي كبير في جل المجالات والمهن الثقافية في ظل غياب أو ترهل النصوص القانونية والمرجعية التشريعية التي تتعلق بتسيير الفضاءات الثقافية وتنظيم المهرجانات وتسيير المتاحف والمؤسسات الثقافية وحماية الملكية الأدبية والفكرية وخصوصا تحسين الوضعية الاجتماعية الحرجة والهشة لأهل الفن والإبداع ... وكل هذه الثغرات القانونية تستوجب علينا التحرّك والسعي الدؤوب لمعالجتها وسدّ الفراغ حتى ننطلق في البناء على قاعدة صحيحة.

وعلى صعيد آخر، لابد من مراجعة أساليب عمل الإدارة للتقليص من البيروقراطية المملة ولتحفيز الهمم على مزيد البذل والعطاء ولدعم التواصل مع المبدعين والنقاد والوسطاء الثقافيين ...
ومن أولوياتنا أيضا تشجيع الشباب على مستوى المبادرة في بعث المشاريع الثقافية والانتصاب للحساب الخاص مما من شأنه أن يدعم مساهمتهم في عجلة التنمية وفي المسار الثقافي للبلاد.
كما إن المؤسسات الثقافية في حاجة إلى إعادة تأهيل شاملة على مستوى البنية التحتية والتجهيزات والموارد المالية والبشرية...وفي الحقيقة نحن أمام زخم كبير من الأولويات والإشكاليات والهنّات التي تقتضي إصلاحا جذريا وعميقا ونحن على درب الإصلاح سائرون وبالتغيير نحو الأفضل مؤمنون وعازمون ...

• وهل تف ميزانية الصفر فاصل بتنفيذ هذه المشاريع، وهل تكفي لتحقيق كل هذه الإصلاحات التّي تحدثتم عنها ؟
لا بد أوّلا ومنذ بداية الطريق أن نحدّد الأهداف ونرسم الغايات بوضوح ودقة، وبعدها يكون حسن التصرّف وترشيد النفقات أي تطويع هذه الميزانية لتحقيق هذه البرامج والمشاريع. صحيح أن الميزانية لا تفي بالحاجة لإنجاز هذه الأهداف الكميّة لكن لابد من التكيّف والتأقلم مع الموجود لبلوغ المنشود.

• يطلب منكم أهل المسرح وخصوصا أهل السينما توضيحا صريحا حول حقيقة عودة أيام قرطاج السينمائية والمسرحية إلى صيغتها القديمة مقابل المطالبة بالحفاظ على موعدها السنوي، فهل من كلمة حاسمة في هذا الموضوع؟
المسألة محسومة بالنسبة لنا ولكن أن تصدر هذه المواقف والبلاغات إلى حد الآن فهذا ناجم عن رغبة في الاستطراد ليس إلاّ، ومن جهتنا فقد رفعنا اللبس وأوضحنا أننا لا نتحدث عن إعادة أيام قرطاج المسرحية والسينمائية إلى صيغتها القديمة بل كنا نقصد مزيد نفاذ هذه التظاهرات الكبرى إلى الجهات وألا تكون حبيسة العاصمة فقط اعتمادا على قراءة جديدة تصل المركز بالولايات الداخلية حتى لا نقصي حق التونسيين في الثقافة بدعوى بعدهم الجغرافي عن المركز.
نعم لسنوية هذه التظاهرات لكن نعم أيضا لحق الجهات في الثقافة تنفيذا لمبدإ دستوري وليس من منطلق شعبوي كما قيل !

• أي مصير لتظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية وهي المهددة بالتعليق وإيقاف النشاط بسبب حجب وزارة المالية للميزانية المرصودة لهذه التظاهرة؟
أبدا لم تنقطع هذه التظاهرة، ومن المتوّقع أن وزارة المالية قد بعثت بمكتوب يوم أمس إلى الهيئة التنفيذية لتظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية يقر بالتزام وزارة المالية بصرف الاعتمادات المالية المرصودة للتظاهرة.ولكن من الأهم أن تكون برامج هذه التظاهرة في المستوى المطلوب وأن تليق بعاصمة الثقافة العربية وأن يتم ترشيد النفقات وحسن التصرف في الميزانية...ومن جهتها لم تدخر وزارة الشؤون الثقافية جهدا في دعم هذه التظاهرة التي انطلقت متأخرة في شهر جويلية بعد أن كان من المفروض أن تنطلق في شهر مارس، وكانت هذه الانطلاقة في ظروف حرجة ودقيقة. وقد كانت ولاية صفاقس هي أكثر ولاية زرتها وتابعت أنشطتها الثقافية في إطار تظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية.
وللإشارة فقد حاولت مع الوزير المصري حلمي النمنم أن يمنحنا وقتا
إضافيا لتسليم مشعل عاصمة الثقافة العربية إلى مدينة «الأقصر» باعتبار أن تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية قد تأخرت في الانطلاق لكنه رفض بسبب التزام وزارته أمام البرلمان والإعلام بتسلم المشعل في شهر مارس2017.

• هل ستكون سنة 2017، سنة الانطلاقة الفعلية لمدينة تونس الثقافية بعد طول تعثر وانتظار؟
نعم نأمل هذا ... بما في ذلك استغلال الأقطاب الثقافية من مسارح وقاعات السينما... ولكن لا بد من التوضيح أن تنفيذ المشروع يعود بدرجة أولى إلى وزارة التجهيز، ومن جهتنا، بدأنا في الاستعداد لافتتاح مدينة الثقافة وانطلقنا في إعداد النصوص القانونية الخاصة بمدينة الثقافة ونأمل أن تكون سنة 2017 سنة ثقافية بامتياز.

• قمتم بتغييرات وتسميات جديدة صلب وزارة الشؤون الثقافية، فهل يمكن أن نصف هذه الحركة بمحاولة «التطهير» أم إعادة الهيكلة ؟
في كل مرحلة من مراحل العمل الإداري لابد من الأخذ بعين الاعتبار الأهداف والاستراتيجيات والوسائل المتوفرة وأيضا الموارد المالية والبشرية التي تخدم هذه الغايات ... وإن كانت الوزارة تتوفر على الطاقات البشرية القادرة على أداء هذه المهام من اجل تحقيق الأهداف المرسومة ، فلا مانع من دعمها بكفاءات جديدة من اجل ديناميكية أكثر وحيوية اكبر وضخ دماء جديدة في شرايين الهيكل البشري لوزارة الشؤون الثقافية. وفي نهاية المطاف فإن المطلوب هو الانسجام والتناغم بين كل الطاقات الجديدة والقديمة والمتجددة.

• ما مدى حقيقة وقوفكم على شبهات فساد أو لنقل سوء تصرف مالي وإداري صلب وزارة الشؤون الثقافية؟
نحن نسعى إلى العمل في مناخ من الشفافية والنزاهة والوضوح... وصلب الوزارة هنالك تفقدية عامة تضطلع بمهمة التحقيق في شبهات الفساد أو مظاهر سوء التصرف لكنها تحتاج إلى تغيير في مرجعيتها القانونية حتى تشتغل في أريحية أكبر ... ومن جهتنا سيكون موقع البيانات المفتوحة وسيطا بيننا وبين الإعلام والرأي العام للاطلاع على كافة المعلومات المطلوبة.
كما سيكون لكل المسؤولين ورؤساء المصالح في وزارة الشؤون الثقافية موعدا دوريا كل شهر مع وسائل الإعلام للإجابة عن التساؤلات المطروحة ولإنارة الرأي العام من أجل مزيد الشفافية وخصوصا من أجل مزيد المقروئية لانجازات وزارة الشؤون الثقافية.

• من الثابت أن مقاومة الارهاب ليست خيارا عسكريا أو أمنيا فحسب بل ثقافيا أيضا، كيف يمكن لوزارة الشؤون الثقافية أن تلعب هذا الدور الوطني والاستراتيجي ؟
لا يمكن لوزارة الثقافة أن تلعب دور رجال المطافئ بل لابد أن يكون لها دور استباقي في التكوين والتأطير والتشجيع على الإبداع والتنشئة على الفكر والجمال والحياة ... حتى لا نجد أنفسنا في نهاية المطاف أمام ضرورة التدخل بعد فوات الآوان.
وأعتقد أن تكريس ثقافة القرب والتشجيع على الإبداع في كل حي وفي كل معتمدية وفي أعماق الجهات هو دور كل الوزارات تقريبا من أجل تظافر كل الجهود في صياغة مقاربة أفقية تحقق التنمية الثقافية وتقضي على آفات الإرهاب والإدمان والإجرام ...فأينما حلّت الثقافة اجتث الإرهاب .

• لا يزال قرار غلق المؤسسات الثقافية يومي السبت والأحد يثير الجدل ، فهل تملك سلطة الإشراف الحل ؟
هذا القرار صدر عن النقابة بعد ما استحالت طرق التفاوض مع الوزارة في الأشهر الفارطة ... ونحن بصدد التفاوض وتفعيل القوانين الأساسية التي تطالب بها النقابة على غرار القانون الأساسي للمنشطين الثقافيين و القانون الأساسي الخاص بالمكتبيين وغيرها من المطالب النقابية ...

وأعتقد انه إذا ما تمكنا من حلحلة هذه الأوضاع والاتفاق حول عدد من المطالب العالقة، فقد نصل إلى حلّ في خصوص عمل المؤسسات الثقافية يومي السبت والأحد.

• يعاني قطاع التراث من اشكاليات عديدة وعراقيل كبيرة... فما هي استعداداتكم لمعالجة الأمراض الخطيرة والمزمنة في هذا الميدان ؟
فعلا إن قطاع التراث يعاني من إشكاليات متراكمة ومعقدة كما أن الثروة الوطنية من التراث والآثار يطالها الإهمال وسوء الاستغلال ...وفي هذا السياق سيكون من أهداف مشروع «مدن الحضارات» تثمين التراث الوطني في بعديه المادي و اللامادي بوصفه رصيدا متنوعا متعددا يمكن اعتماده منطلقا للتجديد والإبتكار و المغامرة في أبعادها الإبداعية والتنموية.ويقوم مشروع «مدن الحضارات»على مصالحة المواطن مع تاريخه وذاكرته الجمعية ومع مصادر ثقافته بمختلف مكوناتها كما يرمي إلى كسر الهوة بين الموروث والمغامرة الإبداعية المحلية والإنسانية من جهة والمبادرة الاقتصادية من جهة أخرى بما فيها وضع التكنولوجيا واستخدامها في تثمين الموروث والترويج له .

• في كل ميادين الثقافة والإبداع من مسرح وسينما ورقص وفنون تشكيلية وكتاب ...هل ننتظر من وزير الشؤون الثقافية قرارات ثورية؟
بكل تأكيد فلا سبيل إلى اجترار وتكرار ما سبق أو ما وقعت تجربته... لابد من التجديد على مستوى النصوص القانونية، لابد من تفعيل رؤى جديدة... وفي كل القطاعات الإبداعية والمهن الثقافية ستكون النقلة النوعية .
دون مجاملة

• هل كنتم تنتظرون الحصول على منصب وزير للشؤون الثقافية؟
لا ...أبدا.

• كيف وجدتم العمل على رأس وزارة الشؤون الثقافية ؟
كله إشكاليات ونقائص... ولكني كلي تفاؤل بأن النجاح سيكون حليفنا.

• أكبر تحدي تواجهونه في تسيير دواليب الوزارة؟
صعوبة التنسيق مع الهياكل التي لها سلطة القرار مما يقتضي تجاوبا أكبر ومرونة أكثر في التصرف الإداري.

• سلاحكم في بلوغ أهدافكم؟
الجرأة، الأمل، العمل ثم العمل.

• هل انتم راضون عن أدائكم ؟
لا يمكني الحديث عن أدائي بل عن أداء المجموعة باعتباري فردا من فريق العمل صلب الوزارة الذي لم يدخر جهدا أو يضع وقتا من أجل تحقيق الهدف ...ولاشك أن القادم سيكون أفضل.

• هل يقلقك النقد ؟
تقلقني أخطائي ...وعلى العكس أشكر كل ما ينقدني أو ينتقدني لأنه يتيح لي مراجعة الذات وتقييم الخطوات...

وزير الشؤون الثقافية في سطور
تحصل محمد زين العابدين، وزير الشؤون الثقافية، على الأستاذية في الموسيقى من المعهد العالي للموسيقى بتونس وعلى الإجازة في علم اجتماع الثقافة والاتصال وشهادة الماجيستير في تاريخ وعلوم الموسيقى من جامعة السوربون وعلى الدكتوراة في تاريخ وعلوم الموسيقى من جامعة السوربون.

كما تحصّل محمد زين العابدين على الدكتوراة في علم الاجتماع السياسي والثقافي من جامعة السوربون سنة 1998 وعلى الدكتوراة في الجماليات والجغرافيا السياسية من نفس الجامعة سنة 2004.
شغل خطة خبير لدى اليونسكو ومدير للمعهد العالي للموسيقى بتونس والمعهد العالي للموسيقى بسوسة قبل أن يتولى منصب مدير مهرجان قرطاج الدولي سنة 2016.ولمحمد زين العابدين سلسلة إصدارات وبحوث علمية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115