حيث قبلن بالتعرّي والخضوع لخدعة الماكياج من أجل نقل صورة أصدق ما تكون عن جسد المرأة المُعنّف وكيانها المنكسر وكرامتها المشروخة...في رسالة إلى النساء المعنّفات بعدم الصمت والتنازل عن الحقوق بإخفاء جراح الروح وكدمات الجسد ...
فاطمة بن سعيدان، فاطمة عبادة، ريم البنّا، أميرة درويش، هناء شعشوع... كلّهن فنانات كانت معهن البداية، وكانت لديهن شجاعة الموقف وجرأة المغامرة في خوض التجربة ومساندة «حملة ورّي» من أجل الانتصار لحقوق المرأة والتنديد بالعنف المسلط على النساء بكل أشكاله وأنواعه ...
«ورّي» ...وكفى للعنف !
وراء الجدران وخلف الأسوار والأبواب المغلقة كثيرا ما تكون المرأة ضحيّة تعنيف وتعذيب... لكنها غالبا ما تدفن وجعها وانكسارها في قبر تنهداتها وتمسح عذاباتها وجراحها بأنهار دموعها دون شكوى أو تظلم دفاعا عن حقها وثأرا لكرامتها حيث تشير الإحصائيات إلى أن أكثـــر من 90 ٪ من النساء المعنّفات لم يقدمن على رفع شكاوى أو تظلمات لدى الهيئات والهياكل المختصة.
وفي هذا السياق، تندرج حملة «ورّي» قصد تشجيع النسوة المضطهدات ودفعهن لإدانة ظاهرة العنف وفضــح مرتكبيــها ومغتـصبي الكــرامة البشرية. وقد انخرطت في هذه الحملة ثلّة من الفنانات التونسيــــــــات وذلك بالسماح بنشر صورهن على مواقع التواصل الاجتماعي وأجسادهن مكشوفة بغاية إبراز آثار العنف والضرب المبّرح والاعتداء الوحشي ... وقد قام الفنان الفوتغرافي المحترف كريم كمّون بالتقاط الصور التي احتوت على قدر كبير من الإبداع الفنّي الناقل لهذه المعاناة الإنسانية.
صورة ... وصنصرة
وليست هذه المرّة الأولى التي يقوم فيها المصوّر كريم كمون بتصوير امرأة معنّفة وجسد مشوّه بالكدمات وآثار العنف والدماء بل سبق له في العام الفارط أن نشر صورة حقيقية لسيّدة كان جسدها الجريح والدامي أداة إدانة في وجه زوجها العنيف. وبمناسبة الحملة الدولية التي حملت عنوان «16 يوما لمناهضة العنف ضد النساء» قامت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بإعادة نشر هذه الصورة إلا أنه تم حجب الصفحة الرسمية للجمعية وحذف الصورة المنشورة. وفي المقابل، اعتبرت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أن ما قامت به إدارة فايسبوك يدخل في إطار تسليط الرقابة باسم الأخلاق وعدم الاهتمام بالمحتوى والغاية التي نشرت من أجلها الصورة وهو حصر أجساد النساء في مفهوم المتعة والفتنة وعدم الاهتمام بكمّ العنف المسلط عليهن وقطع الطريق أمام حملات التوعية والتشهير بظاهرة العنف المسلط عليهن.
وفي وقت لاحق تم إطلاق موقع «ورّي» على الشبكة العنكبوتية وصفحة «ورّي» على موقع التواصل الاجتماعي للتنديد بهذه الصنصرة ولإثبات أن العنف أخطر من التعرّي.
وفي تصريــح لـ«المغـــرب» أفاد المصوّر كريم كمّون أن حملة «ورّي»هدفها الدفع إلى الكلام وكسر حاجز الصمت لدى المرأة المعنّفة دفاعا عن ذاتها واستردادا لكرامتها خصوصا وأن العنف المسلط عليها من الممكن أن تنجر عنه عواقب نفسية وصحية وخيمة، مشيرا إلى أنه حرص على تصوير وضعيات مختلفة لعلامات العنف في جسد النساء انطلاقا من أحداث واقعية دون أن تكون خالية من اللمسة الفنية ....
مسرح وركح ... وصورة أقرب إلى الحقيقة
في ملامسة الخيط الرابط ما بين الواقع والخيال، كان لابد أن تكتمل مقوّمات الصورة وأن تتآلف مكوّنات المشهد. وقد استعان المصوّر الفوتغرافي المحترف كريم كمّون بشركة اتصالات «بانوراما» وبركح فضاء «التياترو» وبخبرة صبري عتروس في الإضاءة وببراعة ماكياج أنامل زينب عيّاشي ومريم زاهر وطبعا بصدق أداء فنانات مميّزات لينقل صورا مؤثرة ومستفزة وصادمة عن معاناة نساء يعشن بيننا وحولنا لكنّهن يصمتن عن وجعهن وسوط الجلاّد المسلّط على جسدهن...وهكذا أراد الفنّان كريم كمّون والفنانات الملتحقات بحملة «ورّي» دفع ضحايا العنف من النساء إلى الثأر لكرامتهن والتمسك بحقوقهن بدل التزام الصمت والإحساس بالقهر والألم ...