أولى عروض تظاهرة 24 ساعة مسرح بالكاف: عرض récapitulaio لنوال اسكندراني: دينكم الموت وديني الجسد فأتركوا لي جسدي

افرض جناحيك وحلق بروحك عاليا، لا تخف من الجسد وأمنحه شحنة للتحليق و الانطلاق، الجسد ليس بعورة، الجسد وسيلة لقراءة تاريخ البشرية جسدك رمز للحياة فلا تقيده بالنواميس والعادات والخوف والعيب والحرام،

ارقص ثم ارقص، ارقص للفرحة وارقص للحزن و اجعل لكل فترة عمرية رقصتها و لكل حالة انسانية حركتها، هكذا ان الراقصين على الركح، انطلقوا وحلقوا بأجسادهم في اولى عروض تظاهرة 24 ساعة مسرح بالكاف.
العرض الاول كان «خلاصة» لنوال اسكندراني ، رقص وائل مرغني وسيرين الدوس وملاك الزوايدي، هو خلاصة نتاج عشرين عام من العمل والرقص، خلاصة سنين من الابداع على الركح كما قالت نوال اسكندراني التي توجهت برسالة الى الشباب العاشق للغة الجسد بالقول «ارقصوا وتمسكوا بالرقص متعة ومهنة فلن تواجهوا نفس الصعوبات التي عانيتها انا والجيل الاول، اليوم هناك امتيازات افضل رغم الصعوبات تمسكوا باحلامكم ان تكونوا راقصين فالرقص ابداع».

الجسد، حرية وسجن فرح وترح
جسدان متصلان، بل جسد واحد لثواني معدودات، ثم موسيقى صاخبة تفرق الجسدين، كل في جهة، ولكل وجهته، يتصلان وينفصلان، حب ففراق، عشق فانفصال، امل فيأس، سلم فحرب، شعر متطاير يعاند الرياح فحجاب يغطي الوجه، هدوء فحرب، جميعها لحظات عاشها المتفرج داخل قاعة العروض الكبرى بمركز الفنون الركحية والدرامية بالكاف، يحاول الجسدان الاتصال و لكن الحاجز البلوري الرهيف يفصلهما، والمقصود بالحاجز شاشة اقصى الركح تعرض بعض المشاهد من اعمال نوال اسكندراني القديمة، اخذت الفنانة من كل عمل بضعة ثواني وقامت بتركيب مميز فبدى الفيديو وكأنه صنع للحين، وقالت المخرجة ان العمل «récapitulaio» بمعناها اليوناني أو الفرنسي اي الخلاصة ارادتها ان تكون خلاصة عشرين عاما من الرقص وخلاصة عشرين عاما من تمارين الجسد... خلاصة عشرين عاما من اللعب على الركح ونقد ظواهر قديمة متجددة ولكن التونسي لم ينتبه لها ومن ذلك مسالة النقاب والحجاب التي ظهرت بعد الثورة تناولتها الفنانة في أحد أعمالها منذ 2003 والتفجير و غيرها من الظواهر التي شهدتها بلادنا الان تناولتها في 2005 فللفنان قدرة على الاستشراف كما قالت نوال اسكندراني.

استنتاج حصيلة عشرين عاما قبل الانطلاق من جديد، خلاصة جهد على الركح واعمال ناقدة للواقع واخرى تحلق بالرقص والجسد عاليا.

على الركح غاص مروان مرغني وسيرين الدوس في تفاصيل الجسد، عرياه نزعا عنه صفة المدنس و تعبدا في محرابه، الجسد شعلة ملتهبة للحياة والاندفاع ليس عورة تغطى وتخبئ، اذ اعتبر الجسد في الفكر المعاصر أحد الوسائل الأساسية لتعبير الذات عن تخارجها، إذ أنه عن طريق جسدي أفهم الغير، مثلما عن طريق جسدي أيضا أدرك الأشياء .

فالجسد هو ما يجعل الذات ذاتا ومو ضوعا في الوقت نفسه، كما أنه سيعير أداة الأنا في فرض أناها وتصوراتها في الخارج، بل وتغير شروط واقعها وأنساقه المختلفة لتستطيع مواجهة اشكالياتها المختلفة، من هنا ترتبط تعبيرية الجسد البشري بسلوك هذا الجسد نفسه وحركاته، ووظائفه، وبين الجنسية واللغة فهو إذن موطن المعني ومكان ولادته، كما أنه أداة الدلالة التي تخرج الذات من ذاتها وتضعها في عالم بين ذاتي تصبح فيه علاقة ورمز كما كتب محمد حيول في فلسفة الجسد.
على الركح جسدان منفصلان، موسيقى أمازيغية، صوت نقرات قوية على الة الباطري والشقاشق يعود صداه داخل القاعة، قرقعة كقرقعة الجسد حين يغضب أو ينتفض، على الشاشة اجساد تتساقط عارية لتسقط في بحر من الانوار، تتغير الموسيقى تصبح اقل حدة هادئة كنغم كمان، تقترب الاجساد يقلد الراقص «وائل مرغني» حركات المراة وتصبح «نسرين الدوس» هي الرجل، يتقلص الحاجز الضوئي لحين التحام الجسدين في مشهد التحام العاشقين وينخفضان تدريجيا لتنعكس صورة على الشاشة وكانهما غاصا في بحر من القبلات الشبقية، صورة وكأننا بعبيد ابن الابرص يقول:

إِذا ذُقتَ فاها قُلتَ طَعمُ مُدامَةٍ مُشَعشَعَةٍ تُرخي الإِزارَ قَديحُ‏
بِماءِ سَحابٍ في أَباريـقَ فِضَّةٍ لَها ثَمَنٌ في البايِعينَ رَبيــحُ‏

لقاء ففراق، مودة فجفاء تلك ميزة عرض «خلاصة» او «استنتاج» فكل انسان يولد لوحده، وان عشق و تماهى مع انسان اخر سيكمل طريقه لوحده تلك الخلاصة...

انا جسدي، فليسقطوا عني صكوك الغفران
ينتفض الجسد الخامد على الركح يتدحرج، يتحرك ينتفس بقوة يجري يحاول الفرار من مازق ما، تتسارع الخطوات والنقرات، ثم يرتفع صوت الموسيقى البدوية التونسية، يرقص الجسد، يتمايل يغازل النغمات ووسط النشوة يرتفع صوت الاذان فيتطهر ويركع الى خالقه وهو يرقص، وكاننا بابن الرومي يتساءل «أيهما أصدق في الطاعة؟ من أطاع الملك في الغيب أم من أطاعه في الحضور؟» ويمكن السؤال أيضا أيهما أصدق في الطاعة من يخاف الله سرا أم من يجهر بمحبته لله ودفاعه عنه بالقتل والذبح وقطع الرؤوس؟ ايهما اقرب الى الخالق من يعبده في سره أم من يقتل باسمه ويتقرب اليه بعدد اكبر من القرابين؟.

يحاول الجسد الفكاك من نواميس تكبله، من عادات تراه كافرا مرتدا لانه يرقص، تلجم صوته بقطع لسانه فيواصل رقصه ويناشده الاهه» مولاي، لا املك غير جسدي بعد ان قطعوا لساني، بالقلب ارى لا بالعين، بالروح اكتشف روحك، دلني اليك يا عشقي و يا كلّ كلّي» وكاننا بالجسد المنهك يشير الى اعداء الجسد الى الذين يرونه مدنسا وجب طمسه ان كان انثى فتغطى وان كان ذكرا فيهمل جسده حد الموت بتعلة انه يثير الفتنة والشهوة، على الركح ثار وائل مرغني بجسده على منظومة من النواميس والمعتقدات البالية و قدم صورة لجسد مبدع متحرر قابل للطيران ويرغب في التحليق والدوران في سماء الحرية.

أيها الراقصون، ما أنتم إلا قوس هبوط تنغمس به الروحُ في المادة، وقوس صعود تعود به الروحُ إلى بارئها، .كلنا الآن، خارج حدود الزمان والمكان، عدنا واحدًا، ايتها الموسيقى اصدحي فقد تم الوصال، و لتقرعي يا طبول فقيامتنا اليوم قامت « هكذا تحرر الجسد على الركح و حلق بجمهور الكاف الى عالم جميل تكون فيه الروح حرة والجسد ايضا ليظل الجسد البشري اكثر الاشكال جمالا وكمالا ولا يمكن ان نمل من رؤيته.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115