استضاف النادي الثقافي الطاهر الحداد، أول أمس، لقاء فكريا لتقديم وتوقيع النسخة العربية لكتاب « بورقيبة والمسألة الديمقراطية 1956 - 1963» للجامعية نورة البورصالي والذي توّلى تعريبه من الفرنسية الصحفي والكاتب المقيم بمدريد محمد عبد الكافي. وعلى هامش هذا اللقاء، كان لـ«المغرب» مع صاحبة الأثر الحوار التالي:
• كتاب «بورقيبة والمسألة الديمقراطية» ينشر للمرة الثالثة بعد ترجمته إلى العربية، فهل خضع هذا الأثر إلى تعديلات في نسخته الجديدة؟ ولماذا هذا الإصرار على طرح مقاربة بورقيبة وعلاقته بالديمقراطية؟
فعلا، لقد أضفت في النسخة المعربّة الكثير من الأحداث والوقائع والاستشهادات... فكلما قرأنا التاريخ كلما عثرنا على أشياء جديدة. كما تتمثل الإضافة أيضا في هذا الكتاب في إدراج مقدمة تحت عنوان «الانتقال الديمقراطي :هل هي عودة البورقيبية؟» فبعد انتخابات 2014 ووصول الباجي قائد السبسي إلى سدّة الحكم لاحظنا مؤشرات لمحاولة العودة إلى البورقيبية، فكان السؤال: هل عودة البورقيبية اليوم تخدم تونس ومستقبلها؟ وفي الحقيقة كان هدفي من خلال كتاب «بورقيبة والمسألة الديمقراطية» التحذير ولفت النظر بالأدّلة والبراهين إلى أن التجربة البورقيبية لم تكن يوما مثالا لا لتونس ولا للبلدان الإسلامية والعربية... فالرئيس بورقيبة لم يكن مثاليا في تعامله مع معارضيه والمخالفين لفكره ... وإن كنا نعترف بأن بورقيبة لعب دورا هاما في بناء الدولة الحديثة ومؤسساتها وفي الارتقاء بقطاعات الصحة والتربية والتعليم وفي الانتصار لحقوق المرأة... فمن الواجب التذكير بأن بورقيبة على المستوى السياسي لم يكن أنموذجا يحتذى به ولهذا يجب أن لا يعيد التاريخ نفسه ولابد من التعلم من دروس التاريخ.
• لماذا اخترت أن تتناولي بالدرس والتحليل تجربة الحكم البورقيبي بالاقتصار على الفترة الممتدة ما بين سنوات 1956 و1963؟
تمثل سنة 1956 حدثا وطنيا جللا ألا وهو استقلال البلاد التونسية والانطلاق في بناء الدولة الوطنية. ولهذا أردت أن أبحث في أسس بناء الدولة الحديثة على المستوى السياسي وطريقة التعامل مع الآخر والطرف المقابل خصوصا أن تونس في ذلك الوقت كانت بلاد ديمقراطية أو على الأقل تتوفر على مقوّمات الديمقراطية من تعدد الأحزاب والمنظمات وحرية الصحافة... ولكن للأسف أضاعت تونس فرصة أن تكون قدوة للبلدان العربية والإسلامية مباشرة بعد الاستقلال !
من جهة أخرى، توقفت عند سنة 1963 باعتبارها السنة التي لحقت محاولة الانقلاب على النظام البورقيبي سنة 1962. وهو الحدث الذي استغله بورقيبة لإلغاء تعدد الجمعيات والأحزاب وحرية الصحافة... كما انتهز بورقيبة هذا الظرف الحرج بدعوى منع المس من هيبة واستقرار الدولة فقام بتصفية حساباته مع كل معارضيه وأدخل البلاد في سلسلة من المحاكمات... ومنذ ذلك الوقت أصبحت تونس بلد الحزب الواحد والدولة الحزب.فبورقيبة لم يكن ديمقراطيا بل كان سلطويا ولا يقبل بوجود خصم أمامه أو منافس في مواجهته... ولنا في كل هذه المعطيات الواقعية والسوابق التاريخية ما يجعلنا نتخوّف ونحذّر من عودة البورقيبية كنموذج سياسي للحكم في تونس ما بعد الثورة.
• قلت بأن كتاب «بورقيبة والمسألة الديمقراطية» جمع بين عمل الصحفي وعمل المؤرخ، فما هي المراجع التي اعتمدتها في كتابة هذا الأثر؟
عديدة هي المراجع ومختلفة هي المصادر التي اعتمدتها في وضع هذا الكتاب، فإلى جانب المراجع الغربية والتونسية قمت بحديث مع مؤرخين تونسيين حول عدد من مواضيع الكتاب وأيضا جمعت شهادات حيّة لعائلات ضحايا التعذيب البورقيبي كما أجريت حوارات مع بعض الوزراء والمسؤولين السياسيين في عهد بورقيبة... وحاولت أن أكون موضوعية ومحايدة قدر الإمكان في نقل حقبات مظلمة من الحكم البورقيبي سادها التعذيب والملاحقة والإعدام... حتّى لا ننساق في ذاكرة النسيان !
• ألاّ ترين أنه من المستغرب بعض الشيء أن تكتب امرأة عن بورقيبة بمثل ما كتبت وهو المؤمن بحريتها والمنتصر لحقوقها...؟
هذا صحيح وأذكر أنه عند صدور هذا الكتاب لأول مرة في النسخة الفرنسية تعرضت للنقد حيث قيل كيف لامرأة أن تكتب عن بورقيبة بهذه الطريقة وهو الذي حرّرها..؟ فكان ردي بالقول: بما أن بورقيبة قد دعانا إلى العقلانية فإن النقد هو أيضا صفة بورقيبية... !
لم يكن يهمنّي عند تأليف الأثر سوى الحديث عن شخصية بورقيبة السياسية والتطرق إلى كيفية تعامله مع المسألة الديمقراطية. وقد لا يعجب كتابي هذا كل الناس خصوصا من البورقبيين ولكن من واجبي كمواطنة وككاتبة أن أنقل الحقيقة وفصول التاريخ كما جاءت دون تحريف أو تزييف.
• كيف تقرئين الواقع التونسي اليوم بكل وجوهه السياسية والاقتصادية والثقافية ...؟
ما يخيفني اليوم هو أننّا سجناء بين مشروعين: مشروع ينادي بعودة البورقيبية من جهة، ومشروع ينادي به الإسلاميون من جهة أخرى...ولكن ليس من أجل هذه المشاريع اندلعت الثورة في تونس وللأسف تم حصر الثورة في هروب بن علي وتداول الأحزاب على السلطة... ولهذا يجب تجنب هذا الانزلاق وتصحيح المسار نحو انتقال ديمقراطي وحداثي حقيقي.
اقتصاديا ، الوضع صعب ودقيق خصوصا وأن الليبرالية عادت لاحتلال المشهد بقوّة وأن سياسة التداين تفاقمت في غياب منوال اقتصادي جديد ومنسجم بتحولات المرحلة.
أما على المستوى الثقافي فالثورة الثقافية لم تحدث بعد في تونس ولهذا لابد من التعجيل في إحداث هذا التغيير الجذري في المجال الثقافي فدون قاعدة فكرية لا يمكن أن يكتمل نحت المسار الديمقراطي ... ولكن أولي أمرنا أوغلوا في إهمال الثقافة وتجاهلوا دورها الاستراتيجي والحيوي وهو ما ترجمته الميزانية الهزيلة المرصودة لوزارة الشؤون الثقافية وهو ما يستوجب وعيا عميقا وبعد نظر في التعامل مع المسألة الثقافية من طرف المؤتمنين على تونس من أجل خير هذا البلد اليوم وغدا...
كتاب «بورقيبة والمسألة الديمقراطية» في سطور
كتاب «بورقيبة والمسألة الديمقراطية» يجمع سلسلة من المقالات التي كتبتها الصحفية والباحثة نورة البورصالي بمناسبة خمسينية استقلال تونس (1956 – 2006 ) ونشرتها المجلة الأسبوعية « حقائق » في الثلاثي الثاني من عام 2006 واستكملتها عام 2008 للطبعة الأولى من هذا المؤلف، ثم لطبعة ثانية ظهرت في مارس 2012 وأثرتها بنصوص « كان يصعب عليها نشرها في عام 2006 وفق قولها.
ويشتمل هذا المؤلف على خمسة أقسام مدعمة باستجوابات وشهادات حيّة استعرضت فيها الكاتبة الانتخابات الأولى بتونس المستقلة والتي رسّخت ما أسمته بـ»الديمقراطيّة السلطوية » ، مرورا بفترة الكفاح المسلح والفلاقة، و »ترويض المنظمات الوطنية والمجتمع »، و »السلطة الفردية وحرية الصحافة » وصولا إلى « مؤامرة ديسمبر 1962 وتركيز نظام الحزب الواحد».