عرض غنّايا لعبد الرحمان الشيخاوي في افتتاح الدورة الأولى لـ«زردة السينما»: بالغناء والجسد كتبوا التاريخ المنسي

هنا سيكافينيريا، مدينة الحب والفن والموسيقى، هنا تتجسد فينوس الهة الجمال في كل ربوع المدينة الواقفة فوق جبل الدير شامخة مبتهجة ملتحفة بغطاء الفن تنظر الى سهول «السرس» و «زنفور» و «الاربص» ، هنا اينما وليت وجهك

اعترضتك الفنون جميعها، فن العمارة، فن الغناء، فن الرقص وفن المسرح و اليوم تحتفي سيكافينيريا بالفن السابع وتعيش على وقع «زردة السينما» دورة وليدة هدفها نشر الفنون في جبال الكاف الجبال الشامخة والناطقة باسم الحب والحياة.

«زردة السينما» في دورتها الاولى كان افتتاحها موسيقيا، افتتاح اتحدت فيه الفنون وتماهت وتشابكت لتمتع الكل مع عرض «غنايا» لعبد الرحمان الشيخاوي، عرض هو نبش في الذاكرة، إحياء لأغان ربما نسي بعضها، حفر في ذاكرة قصص الحب والعشق والفروسية وتجسيد لملحمة حب على الركح بالغناء والجسد .

الطبلة صوت الالهة وفي غنايا كانت الهة للحب
«غنايا» عرض موسيقي أعاد للطبلة حضورها وسحرها، لم تكن أداة لتزيين المحفل و للصوت العالي بل الة رقيقة شاركت الشعراء حكاياتهم ونقلت أحاسيسهم، تارة يكون صوتها ضعيفا كهمسات عاشق يهامس حبيبته سرا وطورا تصبح قوية كثورة عشق مشتعلة تسكن نفس المرء حين يفقد من يحب.

ضوء يتوسط الركح، صوت لنقر الطبول خلف الستار، موسيقى الطبل التشويقية تدفعك للسؤال اين هم العازفون؟ يخرج سبعة فرسان، هذه المرة يمتطون صهوة الموسيقى وبتلك الالة الكبيرة يكتبون ملحمة الحب.
في «غنايا» الطبلة كانت سيدة المكان، قائدة الحرب و موجهة كل الفرسان، «غنايا» قصة حب تجسدت على الركح بالغناء والطبلة مع مراوحة موسيقية قادتها تلك الالة الحزينة الناي.

و يعتبر الطبل آلة قديمة فهو معروف منذ عام 6000 قبل الميلاد وكان للطبل أو لبعض أنواعه منزلة كبرى عند قدماء السومريين والبابليين في بيوت الحكمة وفي الهياكل الدينية وكان صوت الطبل الكبير بالاق يعني دعوة للإله لكي يفرض هيبته على سكان الأرض لكي يسمعوا صوته ويخشعوا لسماعه لأنه الملهم لسائر أعمال الخير والمبرات وكانوا يخصصون للطبل الكبير المقدس الذي لا يفارق الهيكل حارساً برتبة كاهن عظيم حتى أن لقب حارس الطبل المقدس، كذلك كان عازفو الطبل في عرض «غنايا» فرسان تهابهم بقية الالات، فرسان النغم والأغنية واللحن بطريقتهم المختلفة في العزف سطروا ملحمة حب وكسبوا معركة عاشق ينازل لاسترداد حبيبة يريدون تزويجها لاخر.
عازفو الطبلة في عرض «غنايا» كانوا العنصر الاساسي في العرض، اول المشاهخد كان رقصة راقصين محترفين على آلة الطبلة، ثم سبعة عازفين ظلوا طيلة العرض يوجهون المشاهد ويكتبون الملحمة، في «غنايا» الطبلة كانت صوت الالاه ترقص وتنعش تبكي و تدفعك حتما الى نشوة فنية منقطعة النظير.

غنايا،التراث، غنايا التجديد والامل
«الغنايا» حكاية عشق وحب قدمت بالأغاني، كلمات غزلية تذيب القلب و تنعش الروح صور شعرية مميزة عن المرأة تلك «صاحبة ّالوشام» و عيونها «ذبالة» المرأة الفارسة الأم والحبيبة رمز الأرض والخصوبة التي تغنى بها كل الشعراء، هي فينوس، هي الحياة، هي ملهمة الشعراء لها غنى الشيخاوي «لا من يجينا» و «غيم الغشوة» و و مجموعة من الاغاني التراثية المتغزلة بالمرأة واهميتها في حياة الإنسان تلك التي مشيتها كما مشية الغزال فوق النخوة.

على الركح كان الموعد مع نغمات كافية، نغمات جبلية نبعت من التراث ولدت من رحم جبال تأبى الخنوع و قدمها ابناء الكاف عاشقي الفن والتراث ابدعوا لان الإبداع هو ما يميز الانسان عن غيره من البشر و لأن التراث هو تاريخنا، حديث الماضي و المستقبل على حد تعبير عبد الرحمان الشيخاوي.

مدة العرض ساعتان يفتتح بصوت الناي الحزين وكانه ينبه الجميع ان هناك ملحمة ستحدث على الركح، ربما حزينة حزن موسيقى الناي وربما حكاية عاشق اقتلعت مشاعره من مكانها كما اقتلع الناي من موطنه، ثم الكلمة لعازفي الطبلة، فثلاث فنانات يلبسن الزي التقليدي بالوان زاهية تدخل الحبور على النفس، ثم يتوسط الفنان منذر الجبايلي الركح ويغني «غيم العشوة» اغنية البداية، اغنية عن الحب والفراق، ثم يدخل محمد بن سليمة مجسدا دور المتمرد، بعدها يكون حضور بقية الفنانين.

في غنايا لكل حركة رمزيتها، فالراقص لا يتحرك دون اضافة مشهدية على العرض، كذلك جميع الفنانين جميعهم يؤدون حركات وطريقة غنائهم ونظراتهم كلها تصب في خانة التميز وايصال صورة مخالفة فـ«غنايا» عرض تونسي راقص ولكنه يجعلك تركز جيدا لمحاولة معرفة خصوصيات كل حركة، في «غنايا» أبدع الممثل نبيه دلاعي في الرقص وكان مميزا لحركاته على الركح خصوصيتها شد انتباه المتفرج واعجابه.

«غنايا» عرض موسيقي مسرحي راقص اتحدت فيه كل عوالم الفرجة، عرض يمتع الاذن والعين والقلب، انتشى به الجمهور وضيوف زردة السينما، عرض تونسي الروح وكافي الهوى جبلي الانتماء وانساني الرسائل عرض له خصوصياته اذ اتحدت فيه عوالم الفرجة ويستحق ان يفتتح اكبر المهرجانات في تونس.

عن «غنايا» قال شهاب الجبالي هو عرض الأمل والمحافظة على الملفوظ السوسيولوجي، «غنّايا» كما يقول ستنزلافزكي «إن لم يأتك الجمهور فاذهب إليه»، غنّايا الإنغراس صلب الجماهير، مع كل أغنية و لحن وقرع طبل، يصدح صوت رفيقي بكل ألم وحب وشجن وأحاسيس مرهفة ، فيروي لنا من خلال الجسد والصوت و تناغم الايقاع مع الضوء والحركة ، أساطير لم تكتب ، ليروي لنا التاريخ كما يجب أن يكون، وبالجسد والغناء نقل التاريخ وقصص الحب الجبلية وامتعت جمهور الكاف.

ساعتان من الحب، ساعتان من الموسيقى بمختلف طبوعها، ساعتان من الفرجة ساعتان من غنايا ستجعلك حتما تطلب المزيد فالعرض لا تفيه مشاهدة واحدة حقه، عرض رحل بالجمهور الى اعلى جبال الكاف وزار عنابة في الجزائر وتجول في الاوراس ونقل بالطبلة والناي وحركات الراقصين وانين الفنانين واهات النغمات الموسيقية الكثير من قصص الحب الخالدة.
أشرف بلعربي مدير الدورة الاولى لزردة السينما.

دع أحلامك تنير مدينتك
اشار اشرف بلعربي مدير الدورة الاولى لزردة السينما انهم اجتمعوا «هنا في الكاف العالية لكتابة اسطر اخرى في ملحمة الثقافة في ربوع الكاف» فالكاف وجبالها نريدها دوما منارة للحب منارة للفن، ففي الكاف سيعش الفن والموسيقى والصورة والسينما، جبالنا هنا منبع للحياة وليست مكان يستوطنه الظلاميون ولا اعداء الحياة، على حد تعبيره، في تصريحه اضاف اشرف بلعربي ان الزردة اليوم لن تختلف عن الزردة التقليدية.
ففرسان الصورة وهم موجودين و الكاميرا ستكون مكان الحصان وبالكاميرا سيقدمون ملاحم عن الكاف وسيقدم المشاركون صورا جميلة ستبقى راسخة في الذاكرة عن الكاف لان سيكافينيريا هي مدينة للحب للفن للحياة هي مدينة كل الفنون.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115