مهرجان المسرح الدولي في ابن رشيق: مسرحية «الجدار» لمحسن الأدب لنا الطفولة والمسرح والوطن

صامدون هم كحنظلة ناجي العلي، رافضون للخضوع والإذعان، يعشقون الارض والتراب ووطنهم، يولدون رجالا ويرضعون حب الوطن لا يعرفون طعم الهزيمة والاستسلام ارادتهم صلبة ورغبتهم في المقاومة متجددة ان سألوا عن المستقبل واليأس يجيبون

«اتحدى، لا يا مستقبل، سأعود بعزم ويقين، وسأمسح عن أمي الدمعة واعطيها في يدها سكينا، وارد الى خالي روحه وأعلق على كتفه مدفعا ،أهديه الامل الوضاء ، أملي أن نرجع يوما للأرض المحبوبة أرضي للزهر النابت للورد، ماعادت ترهبني القوة، فالقوة يملكها زندي» كما غنى الشيخ امام في ذكرى الميلاد العشرين.

في دار الثقافة ابن رشيق كانت الاغنية محور مسرحية «الجدار» في عرضها قبل الأول عمل للمخرج محسن الادب ونص لسوسن الذوادي، «الجدار» هو عمل للأطفال مميز جمع الممثلين والعرائس في مراوحة بينهما تكشف عن حب مجموعة «الحب للمجنون» للمسرح والطفل، مسرحية من تمثيل سوسن الذوادي و هاجر قديد وتحريك عرائس وليد عبد السلام وايمان العظيمي و عزالدين مبعوج وبلال الجلاصي.

علموا أطفالكم منذ البداية ان الوطن مقدّس
حجرة في الركن الايمن كتب فوقها حنظلة ناجي العلي، صورة لفتاة ترمي الحجارة، موسيقى حزينة هادئة تشد الأطفال دميتان مرميتان على الركح، اولى بحجم طفلة في عمر الست سنوات واخرى دمية صغيرة وكانها لعبة تلك الفتاة، يشتعل الضوء وترتفع الموسيقى ويسمع الحضور صوتا لحركات مريبة وحين يفتح الضوء يجد ان هناك جدارا قد بني،في اشارة الى الجدار العازل الذي قسم الضفة الغربية عن القدس الموسيقى القوية وكانها صوت ازيز الرصاص لقتل من يرفض العمل والأصوات المريبة لمن سرقوا الارض ويريدون تجزئتها في الظلام لا الخوف.

حكاية مسرحية «الجدار» هي قصة ثلاثة أطفال فلسطينيين يرغبون في تجاوز الجدار العازل للدخول إلى القدس قصد زيارة المدينة واسترجاع دمية صديقتهم رام ، ولكنهم عجزوا عن ذلك رغم محاولاتهم المتعددة. في الأثناء يتعرفون على عجوز تُساعد واحدا منهم فقط على دخول القدس للعلاج لأنها لم تتمكن من استخراج تصاريح عبور لبقية الأطفال، لكن الطفلة رام تُصرُّ على اقتحام الجدار دون تصريح و الدخول إلى القدس بمفردها واسترجاع دميتها مُعرّضة حياتها للخطر...

المشهد الثاني، طفلان صغيران يلعبان الكرة خليل وكريم، دميتان في الحجم الطبيعي لطفل عمره خمس سنوات، العروسة حجمها يقلق المنحرك لانها تتطلب تركيزا عاليا أكثر من العروسة الصغيرة، المحركان وليد عبد السلام وبلال الجلاصي نقلا أحاسيسهما الى العروسة وضحكا ولعبا تماما كطفلين صغيرين يستمتعان بكرة القدم، في الركن صديقتهم “رام” عروسة تحركها المبدعة ايمان عبد العظيم صغيرة حزينة لان دميتها خلف الجدار العازل وتريد الدخول الى القدس فقط لإيجاد دميتها.

تدخل عجوز “هاجر قديد” الى الركح، تفتك الكرة وتطرد الصغار يتهمونها بالقسوة والعنف لأنها تريد حرمانهم من بضعة الامتار التي تركها المحتل، تتواصل الاحداث ليعرف الصغار ان تلك العجوز ليست بسيئة ولا قاسية وانما تنتمي المقاومة ولا تريد التعلق بالأطفال كي لا تشعر بافتقادهم كما تفتقد ابناءها الشهداء.

الفنانة هاجر قديد ابدعت في اداء دور العجوز، هي شابة في مقتبل العمر ومبدعة مازالت تسير بخطى حثيثة في سلم النجاح وجدها الاطفال على الركح عجوز تمشي بصعوبة وتتحرك ببطء شعرها ابيض وصوتها اجش، فصدقوا انها حقا عجوز لحد قول احدهم بعد نهاية العرض «ماما ما لها العجوز اصبحت صغيرة؟ كيفاش؟» وما استغراب الطفل الا دليل على نجاح الممثلة في ايصال رسالتها وتقمص دورها.

تتواصل المشاهد وترتفع الموسيقى مرة اخرى بعنف، وتتحرك القطع والحواجز والجدران ليفهم المتفرج ان نسبة الاستيطان توسعت والجدار بات يحتل اكثر من السابق، حينها يجلس الصغار ويتناقشون سرا وهم يرسمون شعارات الحرية على الجدار، حينها يقول كريم “تمنيت لو تصبح الاقلام رصاصا كلما كتبنا حفر الجدار حينها نصل الى القدس” و تجيبه “رام” “اتمنى ان الممحاة تكون قدرتها خارقة وكلما محونا الكلام محي معه الجدار” ، طيلة الساعة يستمتع الصغار بنقاش الاطفال، فالاطفال كانوا جدا منتبهين للحوار بين العرائس وتناسوا ان هناك محركين هم من يحركون العروسة وهم من يتحدثون ، حتى شخصية العجوز نجدها تخاطب العروسة لا الممثل، ساعة من الحديث عن فلسطين، عن الحرية، عن الارض المغتصبة، حوار بلغة عربية بسيطة يفمهما الاطفال حضرت فيها الضحكة والسخرية التي ادخلت بعض الحبور على الصغار والنص وكان بالمخرج يقول ان وسط الظلمة هناك شعاع ضوء ووسط الوجيعة نسرق البسمة.
مسرحية «الجدار» نهايتها كانت موجعة، فبعد خروج كريم من القدس، وعدم ايجاده لدمية رام، تحاول الاخيرة الدخول للبحث عن دميتها يهددها الجندي بالقتل فترفض التراجع الى ان يقتلها برصاصة غادرة ثم يطلب من الاطفال السكوت، وتسقط الطفلة لتعود الصورة كما البداية، صورة دورية ودائرية لما يحدث في فلسطين، فكل يوم هناك صغار يروون تراب ارضهم بدمائهم.

لنا الوطن والمسرح وممثلين صادقين لنبدع
«الجدار» مسرحية للمبدع المختلف محسن الادب، نص للثائرة سوسن الذوادي نص تحدث عن القضية الفلسطينيسة، قضية الامس واليوم، ساعة من النقاش عن الحياة والحرية مع نهاية موجعة ومبكية وهو اختيار من الكاتبة والمخرج ليعرف ا لطفل حقيقة ماحوله فالطفل اليوم وجب ان يعرف الحقائق التي يريدون اخفاءها ووجب ان يعرف معناة اترابه في فلسطين وشوقهم للحرية على حد تعبير مخرج العرض.
الجدار عن الجدار العازل ذاك الذي حاصر القدس وشرد متساكني الضفة الغربية وفصل بين ابناء العائلة الواحدة عن الالم والوطن والوجيعة تحدثت المسرحية وقدمت بطريقة مختلفة.
فيي مسرحية «الجدار»، فكرة الفصل كانت رمزية باعتماد الموسيقى التي ابدع فيها لطفي معاوية، موسيقى كانت ناطقة بالغضب والعنف واللين والهدوء، لكل مشهد موسيقاه ولكل حركة موسيقاها أيضا، زعيم الضوء والمؤثرات الضوئية

الهادي دوما ورياض التوتي هو الاخر ساهم في انجاح ملحمة الجدار، فاستطاع ان يظهر للكل شخصية العجوز والكوفية التي تلبسها والشعارات المناهضة للعنف والمطالبة بحرية فلسطين وبالضوء اخفى نصف وجه الجندي وجعله يتحرك في الظلام وكانه ولد من ظلام ليموت فيه اما اطفال فلسطين فهم دائما في عيون الشمس.

الجدار مسرحية من انتاج شركة الحب المجنون ولجمهور ابن رشيق قدما عملا مجمونا من حيث النص والسينوغرافيا، في العمل اعتمد المخرج على ممثلين جد مختلفين، المشاكس دائما وليد عبد السلام اضفى على شخصية الطفل كريم الكثير منه فبدى الطفل مشاكسا يبحث عن الشغب اينما كان محله حد ضرب الجندي بالحجارة وحين يسأله ان عرفه سابقا يجيب «اخضر وطويل...لا أعرفك و العنيد بلال الجلاصي المعروف بسرعة بدهيته أعطى لشخصية خليل بعضا منه فبدا الطفل ذكي ومتفرد يجد الحلول حين العجز، اما المتمردة ايمان العظيمي تلك الحالمة فأعطت لشخصية رام الكثير من الجرأة والقوة، وتميز عز الدين مبعوج «الضامر» فكانت شخصية الجندي ساذجة، فهو يخاف الكل ر غم حمله للسلاح.

الاختلاف في شخصيات محركي العرائس زاد مسرحية الجدار تميزا، ليكون العمل ثورة مسرحية في مسرح الطفل زادها ممثلون مبدعون ومخرج مختلف وصانع موسيقى فريد ونص جمله سلسة اتحدوا جميعهم ليصنعوا جدارا من الحب والجمال.

ورشة عروسة القفاز تنشطها ايمان العظيمي
انطلقت امس وضمن فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان تونس الدولي لمسرح الطفل ورشة بعنوان «عروسة القفاز» تنشطها الفنانة المبدعة ايمان العظيمي، ايمان العظيمي التي تميزت في صنع اقنعة المسرحية «الحدث» النجدة، وتميزت بصنع عرائــــس مسرحية «الجدار» وغيرها من الاعمال يجدها الاطفال معهم في وزرشة لصنع عرةوسة القفاز.

مجموعة من الصغار تحلقوا حول الفنانة والتزموا بالتعاليم كل يحلم بعروسة تكون مختلفة عن رفيقه، جميعهم امامهم الاوراق والاقلام وبعض القماش وكل مايمكن ان ي حتاجونه ليقضوا وقت ممتع مع العروسة، هم يضحكون حينا ويغنون حينا اخر ويستمتعون باوقاتهم، لتكون بذلك الورشة فرصة لتقارب الصغار وان يقرب لهم المنشط مفهوم العروسة تلك الدمية التي يرونها على الركح ترقص وتغني ولا يعرفون كيف، المبدعة ايمان العظيمي اثبتت في جل الاعمال التي اشرفت على صنع اقنعتها انها مبدعة ومتميزة وتسير بخطى حثيثة للنجاح.

معرض «العروسة» في بهو ابن ر شيق الفن يعدم النسيان
تزينت دار الثقافة ابن رشيق بعرائس عملاقة وأخرى اصغر حجما، وأصبحت العرائس محل اعجاب الاطفال بعضهم يداعبها وآخرون يلتقطون الصور التذكارية، في ابن رشيق هناك معرض لعملين مسرحيين ظلّتا في ذاكرة محبي المسرح، كلا العملين لمحسن الادب الاول مسرحية الذئب المحب التي تعود لعام 2009، والثانية «مدينة الخلد» للعام 2014، كلاهما عمل له مميزاته ولا يزال راسخا عند متابعي مسرح الطفل، زينت عرائسهما دار الثقافة لتخرج الجدران من صمتها.

الدورة الخامسة للمهرجان تخرج من فضاء دار الثقافة
لمسرح الطفل أهميته فهو الحاضن الاول للابداع والطفل التونسي بحاجة ماسة الى الابداع، بهذه الكلمة رحّب شكري لطيف مدير مهرجان مسرح الطفل بضيوف دار الثقافة ابن رشيق، لليوم الثالث على التوالي والجمهور جد غقير، القاعة في كل العروض مليئة، جمهور من الاطفال واوليائهم جميعهم جمهور وفي للمهرجان ولمسرح الطفل، دليل على حاجة الطفل الى المسرح وكل الفنون ليتنفس قليلا ويرتاح من وطأة الدروس.
المميز في هذه الدورة انها ستخرج من دار الثقافة وتذهب الى اطفال يحتاجون إلى الفن، صغار مستشفى الاطفال مستحقون لكل ابتسامة صادقة تنسيهم وجيعة المسكنات وسيضمن لهم المهرجان عروضا مسرحية تضحكهم وتنسيهم الامهم، بالاضافة الى اطفال SOS قمرت، فالمهرجان يريد ان يخرج من فضاء واحد لتوفير فرصة اكبر من المتعة فرهاننا اضحاك الطفل وادخال البهجة الى قلبه، لسنا «مهرجان تجاري» بل هدفنا الطفل لتوعيته وتثقيفه واعطائه حقه في الثقافة على حد تعبير المشرفين على التظاهرة.

كما قدم المهرجان في دورته الحالية عروضا تنشيطية يومية في الشارع، عروض واكبها المارة بعضهم يقف قليلا للمشاهدة والاخرون يلتقطون صورا ويمرون وجزء آخر فيرقص مع الدمى العملاقة ويشاكسها، الاحتفال في الشارع له جمهوره وله أيضا العديد من متابعيه، وتنشيط الشارع يمتص شغب الاطفال حينها يكونون اكثر هدوءا داخل القاعة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115