الدكتورة هالة الوردي لـ«المغرب»:نحن جاهلون بتاريخنا ولا نفرّق بين الحقيقة التاريخية و«الحقيقة الدينية»

• «أصبحنا رهائن لصورة مزّيفة للإسلام وللرسول..»
كثر الحديث عن كتاب «آخر أيام محمد» Les derniers jours de Muhammad، هنا وهناك، خاصّة وأنّ الكتاب لقي رواجا شاسعا في فرنسا ونفدت النسخ من مكتبات عدّة هناك ما يتطلّب القيام بطبعة ثانية حسب ما أفادتنا به كاتبته الدكتورة هالة الوردي،

التي حدّثتنا في حوارنا معها عن البعض من خفايا هذا المؤلف الذي استغرقت كتابته تقريبا ثلاث سنوات من البحث والتمحّص، كما حدّثتنا عن كيفية نشأة فكرة الكتاب، وأكّدت أنها قامت بعملية جمع ثم ألّفت ولم تأت بشيء من عندها، حتى تقرأ الماضي بعينها هي وتتمعّن فيه بعقلها هي...

• ما مردّ هذه الشجاعة أو الجرأة التي يمكن أن تتسلح بها أستاذة الحضارة والآداب الفرنسية كي تخوض في اختصاص بعيد عن اختصاصها؟
لا يوجد اختصاص اسمه الإسلاميات، هنالك الشريعة وأصول الدين، وكتابي ليس كتاب فقه، أبدا أنا لا أحلّل ولا أحرّم ولا أقول هذا مكروه ولا هذا منكر.. لا يوجد أي شيء من هذا القبيل، الذي قمت به ليس جرأة بل هو قراءة ثم كتابة، وهذه من أبسط الأشياء التي يمكن أن نقوم بها.. لم أشعر أنه يجب أن يكون لي تكوين ما حتى أكتب ما كتبت.. استعنت في بحثي هذا بكل التفاسير، من تفسير مجاهد إلى تفسير الطاهر ابن عاشور..

• «آخر أيام محمد» كيف انطلقت فكرة هذا الكتاب؟ وما هي الحاجة إلى هذا البحث في يومنا هذا؟
بدأت الفكرة عندما حدث الاعتداء على السفارة الأمريكية في تونس في سبتمبر 2012، على إثر بث فيلم «براءة الإسلام» على شبكة اليوتوب، و تسبّب هذا الفيلم في موت سفير أمريكا في بنغازي الليبية، وبعد يومين صارت مظاهرة في تونس حيث تهجّم بعض المسلمين على السفارة وعندما رأيت صور الهجوم على السفارة في ذلك اليوم.. قلت :» من هو محمد الذي ذهب هؤلاء للموت من أجله؟» عرفت وقتها أنّني ربما لا أعرف كثيرا عن الرسول .. وقتها رجعت إلى المصادر الأصلية، كسيرة ابن هشام، والمغازي والواقدي والكتب التي أسمع عنها، ولكن لم أتفرّغ يوما إلى قراءتها والتمعّن فيها.. وبدأت بالقراءة..أردت أن أفهم..

• لماذا لم تأت الفكرة مثلا، في ضربة الغريبة، أو في هجمات 11 سبتمبر؟
وقتها لأنّ صورة محمد هي التي مُسّت، هذه الصورة التي أحسستها عند المسلمين هي أكثر قداسة من الله أحيانا، عندما قرأت سيرة الرسول ، من خلال سيرة ابن كثير وابن هشام.. إلى غيره، الباحث يدرك أنه عندما يقرأ كتابا، فلا شكّ أنّ ذلك الكتاب يحمله لكتاب آخر وهكذا دواليك دون أن تشعر، وكأنّك دخلت في متاهة: تفتح بابا ليعترضك باب آخر تفتحه وتتقدّم شيئا فشيئا.. عندما بدأت الغوص في هذه المتاهات، لفتت نظري نهاية الرسول، تساءلت: كيف توفي الرسول؟ وما هي حكاية هذه الوصية التي منعوه من قولها قبل وفاته بأيام قليلة؟ استغربت كثيرا من حكايات كنت أعتقدها (حسب ثقافتي العامة) أنها من اختراع الشيعة فوجدتها في كتب السنة من الصحاح كمسلم والبخاري وابن أبي شيبة المصنّف وموطأ مالك .. احترت في أمّري حيث وجدت عدّة صيغ تسلّط الضوء على وفاة الرسول، تساءلت كيف سأنظّم هذه الصيغ؟ فأردت أن أكتبها كالقصّة وأضع فيها كل المعلومات أو الروايات التي وجدتها.. هكذا كانت فكرة الكتاب.. من أكثر المراجع التي استعملتها هي «القران الكريم»، وتفاسيره..

• ما الحاجة لهذا البحث في يومنا هذا؟
أعتقد أنّ كل قارئ يحدّد حاجته، فعندما أتكلّم عن شخصي، أقول أنّنا جاهلون بتاريخنا، ولا نفرّق بين الحقيقة التاريخية و»الحقيقة الدينية»، ونحن رهائن لصورة مزّيفة للإسلام وللرسول، وأنّ علاقتنا بالمقدّس عوض أن تعيننا كي نعيش حالة من السمو الأخلاقي، حوّلتنا إلى منحرفين..

• من خلال كتابك، لاحظنا أنّ هنالك العديد من الراويات المختلفة وأحيانا المتضاربة والتي تتناول نفس الحادثة التاريخية.. هل يحيلنا هذا على ضرورة إعادة التفكير وإعادة بناء الإرث الديني؟
لم أقرأ مختلف الروايات من خلال البعد الديني بل من خلال البعد التاريخي، وما تتضمّنه من معلومات، في الكتاب، حاولت قدر الإمكان أن أبيّن مختلف الراويات للقارئ.. هذا ما جعلني أقوم بمواجهة بين كتب الشيعة وكتب السنّة، ووجدتهم متوافقون في العديد من النقاط، وخاصة فيما يتعلّق بالأيام الأخيرة للرسول، وبعد ذلك ما يستطيع أن يقوم به الباحث هو التساؤل.. في غلاف الكتاب كتبت بين قوسين : «بحث في الموت الغامض للرسول».. مثلا لا أجيب في كتابي عن سؤال كيف توفي الرسول، لأنّ هنالك روايات مختلفة، هنالك من يقول أنّه سُمّم، وهنالك من يقول أنه توفي بذات الجنب.. بصفة عامة أنا قمت بعملية جمع ثم بعد ذلك ألّفت ولم آت بشيء من عندي، أردّت أن أرجع لمختلف الروايات التي يستعملها حتى المتشدّدون والإرهابيون والباحثون والمفكرون.. لأقرأها بعيني أنا وأتمعّن فيها بعقلي أنا..

• رأينا إحالتين للدكتور هشام جعيّط في كتابك؟
لا أقارن نفسي بمؤرخ كبير مثل هشام جعيّط، ولكن قمت بإحالتين له في كتابي، الأولى عندما قال بما معناه ، في كتابه «الفتنة الكبرى» على ما أذكر، بأنّ الرسول عندما توفي ترك خلفه دولة إسلامية قوّية مشعة على الجزيرة العربية موحّدة،، وعندما تحدّثت في الكتاب عن الدجالين، مثل مسيلمة الكذاب، وطلحة والأسود..قلت وقتها لم تكن الأمّة الإسلامية موحدة بالصورة التي ذكرها وصوّرها.. حسب رأيي عندما كان الرسول على فراش المرض، ذكر هؤلاء الدجالون إلا أنه توفي وبقيت هذه المشكلة (مشكلة الدجالين) لم تحلّ.. وهنالك حروب الردّة والدليل على هذا أنّ أبا بكر الصدّيق عندما استلم الخلافة قام بحروب الردّة على أساس أن هنالك حركة احتجاج سياسي على سلطة المدينة.. يعني أن الأمر لم يكن بالمثالية التي صوّرها الدكتور هشام جعيّط.. والإحالة الثانية، ناقشت أطروحته، التي ورد فيها أنّ اسم الرسول الكريم كان «قثم بن عبد الله».. قلت أن هذا لا يمكن أن يكون صحيحا وأثبتّ هذا بالرجوع إلى المصادر الإسلامية القديمة منها أنساب البلاذري..

• في خضم ما عاشته تونس في السنوات القليلة الماضية وخاصة في سنتي 2012، و2013، وما عاشه ويعيشه العالم العربي، كأنّ كتابك جاء كردّة فعل، على الهجمة الظلامية التي أرادت أن تطوّقنا، وكأنّك بكتابك هذا اقتحمت باب معقل تحتكره عادة القراءة المتشدّدة الواحدة؟
كما قلت لك في البداية الكتاب هو فعلا ردّة فعل، قرأت الكتب التي أسّست لصورة الرسول «المؤلهة» له فوجدتها مغايرة للسائد.. هنالك احتكار لتناول النصوص التقليدية، أو لنقل نصوص التقاليد الدينية، في مواصلة للصورة التي استعملتها (أنت) أنا لم أقتحم باب المعقل، بل فتحته فقط، وجعلت القارئ ينظر خلف الباب.. هذا ما أتمناه أن ينظر القارئ إلى الداخل.. إن تمادى في معانقة الصورة الأسطورية أو لم يتمادى، هذا يخصّه، وإنّ أراد أن يتعمّق أكثر ليحثّه كتابي كي يقرأ المزيد من الكتب القديمة فهذا ما أتمناه.. أي أريد من القارئ أن يقاسمني روعة الدهشة والاكتشاف.. ويواصل في التساؤل.. وهو ما يولّد فكرا نقديا ووعيا متيقظا ..

• لماذا إلا قلّة قليلة من الباحثين تطرّقوا لمثل ما تطرقت إليه في كتابك؟
لأنّ هنالك شعورا بالخوف، والخوف هو شعور إنساني، الناس تتحاشى بصفة عامة الخوض في مثل هذه المسائل والتاريخ الإسلامي يشهد على هذا، فالعديد من المفكرين وحتى من الفقهاء تم اضطهادهم أو قتلوا.. وأتفهّم هذا الخوف، والعديد من أصدقائي يسألني «ألا تخافين؟» الشعور بالخوف من خلال ما عشنا من كوارث أصبح تقريبا حالة عادية، حتى إن لم أكتب كتابا أستطيع أن أموت برصاص إرهابي مثل الأبرياء الذين طالتهم يد الغدر.. وكتابي هذا ليس إجراما... لكن هنالك مشكلة حقيقية، تبعاتها الواقع نفسه الذي نعيشه اليوم من تدهور وانحطاط وانحسار للقيم الإنسانية.. علينا أن نقرأ تاريخنا بعيوننا نحن ونتمعّن فيه بعقولنا نحن ولا نسلّم عقولنا لآخر يبحث مكاننا..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115