بعد انتهائها، أيام قرطاج السينمائية على «صفيح ساخن»: ما بين الاستقالة والإقالة ما هي خفايا العلاقة بين المدير والوزير ؟

انتهت أيام قرطاج السينمائية بكل ما حملته من انتقادات وسقطات وإضاءات ... ولم ينته بعد الجدل حولها الذي خرج هذه المرة من سياق الشارع والوسط الثقافي ليصل إلى أروقة وزارة الشؤون الثقافية التي حاولت «التبرؤ» من مدير المهرجان و الأخطاء التي سجلتها الدورة 27

من الأيام لتعلن صراحة عن إقالة مدير الدورتين 26 و27 إبراهيم اللطيف. وبدوره عكس إبراهيم اللطيف «الهجوم» منددا بتحميله لوحده المسؤولية ومؤكدا أن استقالته كانت سابقة لقرار إقالته...
يبدو أن مناداة المدير إبراهيم اللطيف بضرورة استقلالية مهرجان أيام قرطاج السينمائية عن وزارة الشؤون الثقافية لم يمر مرور الكرام... كما يبدو أن هذه المحاولة للاستقلالية عن سلطة الإشراف كان ثمنها إضاعة بوصلة الاتجاه الصحيح والترنح ما بين واقع الارتباط بالوزارة والطموح الجارف في الخروج عن سلطتها ...

الوزارة تقيل المدير وتطالب بالتقريرين الأدبي والمالي
في بلاغ لها صادر يوم أمس، الاثنين 14 نوفمبر، أعلنت وزارة الشؤون الثقافية عن إقالة مدير أيام قرطاج السينمائية وطالبت بمدها بالتقريرين الأدبي والمالي لهذا المهرجان السينمائي في دورته الأخيرة .
وفي ما يلي نص البلاغ: «تعلم وزارة الشؤون الثقافية أنها تضع حدّا لتكليف السيد إبراهيم لطيف مدير الدورة 27 لأيام قرطاج السينمائية. وتدعو الهيئة المديرة لتقديم التقريرين المالي والأدبي للدورة المذكورة في أقرب الآجال إلى وزارة الإشراف».
وفي عودة سريعة إلى كواليس الدورة 27 من الأيام فيما يتصل بعلاقة وزير الشؤون الثقافية ومدير مهرجان أيام قرطاج السينمائية، يبدو أن العلاقة بين الطرفين لم تكن منذ البداية على أحسن ما يرام، إذ يبدو أن استماتة مدير الدورة إبراهيم اللطيف في «التحريض» على ضرورة استقالة المهرجان عن سلطة الإشراف جعلته «لا إراديا» أو «عن سابق رصد وإضمار» يحاول الخروج قدر الإمكان عن جلباب الوزارة ...وحتى حضور الوزير محمد زين العابدين في حفل افتتاح أيام قرطاج السينمائية كان «صامتا» إذ توّلى نيابة عنه رئيس الحكومة يوسف الشاهد الصعود إلى منّصة المهرجان ليتلو كلمة الافتتاح ...

ومن الافتتاح إلى الاختتام، لم تهدأ وتيرة الصراع الخفي ما بين الرَجُلين ،إذ تقمص وزير الشؤون الثقافية دور «رجل المطافئ» لإخماد «لهيب الحرائق» وإصلاح الهنّات التي اقترفها المدير إبراهيم اللطيف على غرار ترضية الوفد الجزائري وتوديع الفنانة الجزائرية»بهيّة راشدي» بالورود على أمل اللقاء الجديد في تكريم خاص للجزائر بمناسبة أيام قرطاج المسرحية وأيضا تكريم الفنان المصري جميل راتب والتصريح بالتكفل بخلاص الكلفة الإضافية لإقامته في تونس على خلفية خبر احتجازه في الفندق بسبب مصاريف إضافية لمرافقه ... وهكذا تصاعدت الأفعال وردود الأفعال المضادة إلى أن أعلنت أمس صراحة وزارة الشؤون الثقافية عن إقالة مدير المهرجان إبراهيم اللطيف ، الأمر الذي اعتبره اللطيف مغالطة للرأي العام مؤكدا أنه «هو من قدم استقالته أوّلا قبل أن يقيله الوزير»...

المدير: هل يعقل أن تأتي الإقالة بعد الاستقالة المُسبقة ؟!
« ليس لي أي مصلحة شخصية في ترسيخ استقلالية المهرجان عن سلطة الإشراف، ففي كل الأحوال سأتخلى عن إدارة أيام قرطاج السينمائية بعد الانتهاء من فعاليات الدورة 27 لأعود إلى الكاميرا والسينما والنشاط صلب مكوّنات المجتمع المدني... « هكذا صرح إبراهيم اللطيف بتاريخ 21 أوت 2016 في حوار لـ «المغرب» مؤكدا أنه عازم على الاستقالة لا محالة.

ويبدو أن إبراهيم اللطيف قد أعدّ نص استقالته من إدارة أيام قرطاج السينمائية لتقديمه إلى وزير الشؤون الثقافية بمجرد اختتام أيام قرطاج السينمائية في الجهات والانتهاء من فعاليات الدورة 27 للمهرجان ...وقد جاء في نصّ هذه الاستقالة ما يلي:»أود أن أعلن عن استقالتي

من الإشراف على أيام قرطاج السينمائية، هذه الدورة التي مثلت منعرجا للمهرجان بفعل ما تركته من أثار إيجابية لدى عامة الشعب وما خلفته من انتقادات لدى من لم يقبل نجاح هذه التظاهرة وانتقادا بناء من قبل من أراد لها أن تتطور أكثر وتصبح هيكلا قارا ومستقلا ، وكل هذا في تقديري يضيف إلى المهرجان الذي نما وتطور وأصبح محرجا للبعض ومريحا للبعض الآخر من محبي المهرجان والمولعين بالسينما...».

وبعد أن استعرض إبراهيم اللطيف في سطور نص الاستقالة المطوّل المكاسب التي حققتها إدارته للمهرجان على غرار «تأمين مصادر تمويل متعددة اعتمادا على علاقاتي مع رجال الأعمال الشرفاء والمشرفين على مؤسسات كبرى بالبلاد وخارجها « واقتحام فضاءات متنوعة وعديدة بالقاعات والسجون والجامعات والثكنات و16 جهة داخلية بالبلاد...» اختتم مدير الدورتين 26 و27 إعلان استقالته كما يلي:« حريّ بنا الإقرار بأن مفعول استقالتنا بدأ بعد انتهاء الدورة، لذلك سنواصل مهامنا إلى آخر يوم لإعداد تقاريرنا الأدبية والمالية الخاصة بالدورة كما سنسعى إلى دعم عمل الهيئة القادمة المشرفة على المهرجان وذلك إيمانا منا بالاستمرارية وبوجوب توفير أرشيف هام عن الدورتين اللتين أشرفت عليهما ومساندة لمن سيخلفنا في المهمة.كما سنعمل في إطار الشفافية والموضوعية على التحري في كل نقد وجه لنا وفي كل تهمة وجهت إلينا لكن نعدّ أنفسنا للمحاسبة رغم عدم مباشرتنا للمسائل.».

وردا عن مطالبة وزارة الشؤون الثقافية بتقديم التقريرين الأدبي والمالي في أقرب الآجال، صرّح المدير إبراهيم اللطيف لـ«المغرب» بالقول: «أولا أنا أستغرب عدم إعلامي بهذه الإقالة التي جاءت في الحقيقة بعد عزمي سابقا على تقديم استقالتي حتى قبل انطلاق الدورة 27 من الأيام ، وإن كنت أعترف بالفشل على المستوى التنظيمي فهذا لا يعني تجاهل النقاط المضيئة والإيجابيات التي حققها المهرجان... أما بالنسبة للتقريرين الأدبي والمالي فنحن على أتم الاستعداد لتقديمهما إلى سلطة الإشراف بعد الانتهاء منهما ومن حق الوزارة التدقيق في الحسابات لأن الأمر يتعلق بالمال العام... وشخصيا لا أخاف المحاسبة وإن كنت قد أكدت مرارا وتكرارا أن مهمتي هي فنية أساسا ولا صلاحيات لي على المستوى المالي...».

و في ختام حديثه لمّح إبراهيم اللطيف أن خلافه مع الوزير يعود إلى مخالفته في سياسته الثقافية قائلا:» ربما لم يستسغ الوزير معارضتي له في عدد من الخيارات الأحادية على غرار تظاهرة «مدن الفنون» فاستعجل إقالتي وأنا المستقيل أصلا ! وإن رغب الوزير فأنا على استعداد لمواجهته في إطار مناظرة أمام الجميع...».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115