في شاشات السينما العربية وبطولات في المسلسلات المصرية ...وإن حدث وجمعتك صدفة ما بالفنان الكبير جميل راتب فإنك ستكتشف وراء صورة الرجل الذي أجاد لعب دور «الشرّير» شخصية مرحة ومتفائلة تؤمن بالغد الأجمل ...
وبمناسبة قدومه إلى تونس كضيف شرف في أيام قرطاج السينمائية، التقت «المغرب» الفنان المصري جميل راتب الذي لم يبخل علينا بالحديث وكرم الرد عن السؤال بالرغم من المرض العمر... فكانت السطور التالية:
• بعد أن زرتها كفنان وشاركت كممثل في عدد من أفلامها... ماذا تعني لك العودة إلى تونس كضيف شرف لمهرجان أيام قرطاج السينمائية ؟
في الحقيقة لم أكن أنتظر هذه الدعوة من مهرجان أيام قرطاج السينمائية، ولما تم استدعائي كضيف شرف في الدورة 27 من المهرجان كانت سعادتي كبيرة بالحضور إلى تونس، هذا البلد الذي أحبّه كثيرا ولديّ فيه أصدقاء وذكريات جميلة...
ولا زلت أذكر تفاصيل لقائي بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة عام 1964- على ما أذكر-الذي واكب عرض مسرحية «عطيل» التي كنت مشاركا فيها ولما انتهت المسرحية أعجب بأدائي ودعاني صحبة المخرج «علي بن عيّاد» للغداء عنده في القصر... كما أفتخر كثيرا بظهوري في عدد من الأفلام التونسية على غرار فيلم «صيف حلق الوادي» للمخرج فريد بوغدير وفيلم «شيشخان» لمحمود بن محمود ...
• بعد 50 سنة من السينما التونسية، أي انطباع يحمله الفنان جميل راتب عن واقع الفن السابع في تونس؟
أعتقد أن السينما التونسية تملك ميزة منفردة وخاصة بها بالمقارنة مع بقية البلدان العربية. فهي من جهة تتوّفر على شيء من البصمة الأوروبية في الصناعة السينمائية في استثمار جيّد لأبعاد الطرح السينمائي زمن الاحتلال الفرنسي ومن جهة أخرى فإن السينما التونسية حافظت على هويتها وخصوصيتها المحليّة حيث لا تغيب «الرائحة التونسية» عن جلّ الإنتاجات السينمائية لمختلف الأجيال من المخرجين.
وشخصيا، أتابع بشغف شديد أخبار السينما التونسية ويسعدني كثيرا مشاركتها في مهرجانات عالمية والفوز بجوائز مرموقة ... كما أبهرني فيلم «زهرة حلب» للمخرج التونسي رضا الباهي الذي شاهدته مؤخرا في افتتاح أيام قرطاج السينمائية لما احتواه من حرفية في انتقاء الموضوع وطرح المضمون بلغة سينمائية جميلة... وقد شدّني إلى هذا الفيلم أداء الممثلة الرائعة هند صبري التي نفتخر بها نحن المصريون كما تفتخرون أنتم «التوانسة» بها ...
• ما بين تونس ومصر، هل يرى الفنان جميل راتب أن ثورات «الربيع العربي» منحت للفن السابع جرأة أكبر في التعبير ومساحة حرية أوسع من الماضي في الطرح السينمائي؟
قد أستطيع القول أن ما يعرف بثورات الربيع العربي التي انطلقت شرارتها الأولى من تونس لتصل إلى مصر ساهمت في رفع منسوب الحريات في بداية هذه الثورات التي كانت مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية من أهم شعاراتها.ولكن مسار هذه الثورات اتخذ سيناريوهات مختلفة حسب طبيعة مجتمع كل بلد... وأنا أؤمن دائما بمقولة:» سنثور ونواصل الثورة إلى أن ننعم بالديمقراطية».
وباعتقادي أن مسؤولية الفنان في هذا الوضع الحرج الذي تمر به منطقة العالم العربي عموما تتمثل في لعب أدواره الثقافية والاجتماعية وتبنّي قضايا شعبه ..فأنا أؤمن بأن الفنان موقف أو لا يكون.
• إذا، كيف ينعكس هذا الالتزام بقضايا الشعب في شخصية وفنّ جميل راتب وهو المنحدر من أصول أرستقراطية؟
لا يعني لي الانتماء إلى أصول ارستقراطية شيئا على الإطلاق. وعندما سافرت إلى فرنسا لإكمال دراستي في الحقوق قررت أن أدرس التمثيل أيضا... وهناك، لم أترفع عن الاشتغال في مهن بسيطة حيث عملت في مقهى وفي سوق للخضار تواصلت مع وسط اجتماعي لم أكن أعرف شيئا عن معاناته وهو ما غيّر نظرتي إلى الحياة وعمّق نظرتي للمجتمع بمختلف فئاته...
كما أغبط نفسي كثيرا لقرابتي الأسرية بالمناضلة النسوية هدى شعراوي التي كانت عمة والدتي، حيث تأثرت بأفكارها التحررية ودفاعها عن حقوق المرأة وهو ما علّمني التسامح وقبول الاختلاف واحترام الأشخاص والديانات والأقليّات ...
• في عودة إلى البدايات ولحظات التمثيل الأولى، أي الرهانات كانت الأصعب بالنسبة إليك في شق طريق الفنّ؟
فعلا إنها البداية التي أرقتني وأتعبتني، فلم يكن من السهل عليّ أبدا إقناع عائلتي بدخول عالم الفن وهي العائلة الأرستقراطية والسياسية المرموقة ...وقتها الكل مانع بشدة دخولي إلى عالم التمثيل إلا أن لغة الترغيب والترهيب لم تثنيني عن قراري وتشبثت برغبتي في التمثيل إلى حين استسلام عائلتي للأمر الواقع...ولولا إصراري واستماتتي في الدفاع عن حلمي الأجمل لما كان يوجد اليوم ممثل اسمه جميل راتب !
• بعد هذا العمر الطويل من العطاء الفنّي، كيف ينظر جميل راتب بعين الرضا إلى مسيرة فنية ثرية ما بين المسرح والسينما والدراما ؟
أنا سعيد جدا بهذا المشوار الفنّي وأن أكون إلى اليوم معروفا في مصر وتونس وفرنسا والعالم العربي ... فهذا شرف كبير لي. (وأضاف هامسا في مزاح) أعتبر نفسي محظوظا للغاية لأن النجاح كان حليفي دائما فبالرغم من وجود ممثلين يفوقونني ربما أداء وحضورا إلا أن الحظ خانهم وسبقتهم أنا في الوصول إلى قلوب الجماهير، لهذا فمحبّة الناس لي هي أكبر ثروة غنمتها من الفنّ.
جميل راتب في مصّحة العيون
على إثر تعرضه إلى وعكة صحية ، تم نقل الفنان جميل راتب ليلة الثلاثاء غرة نوفمبر إلى إحدى المصحات الخاصة والمختصة في طب العيون ،أين تلقى الفحوصات اللازمة وسط حفاوة بالغة من الأطباء التونسيين ليعود بعدها في حالة جيدة إلى مقر إقامته بأحد نزل العاصمة أين يقيم صحبة مرافقه المصري. ومن المنتظر أن يغادر جميل راتب تونس إثر اختتام الدورة 27 لأيام قرطاج السينمائية.
جميل راتب في سطور
90 سنة هو عمر الفنان القدير جميل راتب الذي ولد في القاهرة من أب مصري وأم فرنسية، كل منهما ينتمي إلى أسرة غنية ومحافظة. في 19 من عمره دخل مدرسة الحقوق الفرنسية بمصر وبعد السنة الأولى سافر إلى باريس لإكمال دراسته. البداية الفنية لجميل راتب كانت في فرنسا من خلال خشبة المسرح، أما في مصر فكانت انطلاقة جميل راتب كممثل موهوب بمشاركته عام 1946 في بطولة الفيلم المصري «أنا الشرق» الذي قامت ببطولته الممثلة الفرنسية كلود جودار مع نخبة من نجوم السينما المصرية في ذلك الوقت.
وفي عالم الفن السابع، قدّم جميل راتب أكثر من 70 فيلما مصريا و7 أفلام فرنسية، و3 أفلام تونسية ...كما شارك في الفيلم الأمريكي الشهير «لورانس العرب».