في العرض الأول لفيلم «زيزو» للمخرج فريد بوغدير: من «عصفور سطح» إلى «عطر الربيع» تغيّرت تونس ولـم يتغيّر بوغدير !

بعد 20 سنة من الغياب، عاد فريد بوغدير إلى الإخراج السينمائي ، وبعد «عصفور سطح» وفي «صيف حلق الوادي» اكتملت «ثلاثية « الأفلام الروائية الطويلة في مسيرة بوغدير السينمائية بفيلم «زيزو». هذا الفيلم الكوميدي المزدوج الإنتاج (تونسي –فرنسي) تم عرضه يوم أمس لأوّل

مرة في تونس في عرض خاص بالإعلام بالمعهد الفرنسي بتونس في انتظار نزوله إلى القاعات يوم 25 سبتمبر الجاري في كل من تونس العاصمة وسوسة وبنزرت، وقريبا في صفاقس ونابل ...

من الصحراء إلى العاصمة، ومن الرّيف إلى المدينة، كانت رحلة «عزيز» أو «زيزو» بحثا عن عمل ومورد رزق، إلا أن هذه العاصمة لم تكن جنّة وردية ولا مدينة فاضلة بالنسبة إلى «زيزو» الشاب الساذج حدّ البلاهة والمغفل حدّ الحماقة ... فكانت مغامرة المشقة والعناء في مدينة تعج بشتّى ضروب التحيّل وأصناف الانتهازية إلى أن تحدث المفاجآة ويصير هذا الشاب البليد بطلا وطنيا رغما عنه في صدفة لا تتكرر مرتيّن !

«الحيّ» و»السطح»... وفريد بوغدير
بعد 20 سنة لم يتغير كثيرا فريد بوغدير، ومن «عصفور سطح» سنة 1996 إلى «زيزو» في 2016 بقيت عدسة بوغدير وفيّة إلى ملامح عامة لم تتبدل بالرغم من مرور السنين واختلاف الزمان والمكان ... ومرّة أخرى ينال «الحيّ» مكانة مميزة في أفلام فريد بوغدير، فبعد حيّ «الحلفاوين» في «عصفور سطح» شاء المخرج أن يكون حيّ «سيدي بوسعيد» مسرحا للأحداث التي توّلدت عن قصّة حب نشأت بين «زيزو» وفتاة حبيسة أحد منازل الحي من قبل أحد مجرمي النظام الحاكم... وهنا يطفو «السطح» مجدّدا إلى سطح الأحداث فبطل الفيلم الجديد «زيزو» انتهج منوال «عصفور سطح» في القفز والنّط فوق السطوح لتقصي أخبار حبيبته المسجونة في منزل تحرسه جنود وأقفال من حديد ... هذا الحيّز المكاني باعتباره فضاء عمل «زيزو» المختص في تركيب اللاقطات الهوائية، أتاح للبطل اكتشاف ما يدور في كواليس البيوت من فوق السطوح، فبدا المجتمع التونسي بانوراما من العقليات والشخصيات والمستويات الفكرية والاجتماعية...

وفي إطار مكاني مهم في أحداث الفيلم، تجوّلت كاميرا فريد بوغدير بين دكاكين سوق «منصف باي» أين نزل البطل أول مرّة عند حلوله بالعاصمة ليبدأ من هناك حياته الجديدة كعامل في تثبيت الهوائيات التلفزية فوق السطوح . وفي «منصف باي» برزت أولى علامات التمرد على النظام الجائر من خلال رفض تجار السوق مزيد الخضوع لجشع «الطرابلسية» المتحكمين في شبكات تزويد محلاتهم بالبضاعة «المضروبة» ...فأصبحوا من المغضوب عليهم إلى أن تهب نسائم ثورة علقت عليها آمال عريضة وأحلام كبيرة...

«عطر الربيع» وبطولة الثورة المزعومة
كانت شخصية « زيزو» الساذجة مطمعا لاستقطاب كل من «التجمعيين» والسلفيين» إلا أن مصير بطل الفيلم كان واحدا من قبل كلتا الجماعتين، حيث كان الضرب والتعنيف في انتظاره بسبب حماقات ارتكبها دون قصد منه وهو لا يعي أصلا ايديولوجيا الجماعة التي انخرط فيها دون تفكير وبكل بلاهة !

وإن تدور أحداث فيلم «زيزو» سنة 2010، في فترة فاصلة ما بين الثورة التونسية وما بعدها، فقد تحوّل الشاب الساذج «زيزو» في نهاية الفيلم بفضل محاولته تخليص حبيبته من سجنها إلى بطل وطني يرفع فوق الأعناق فقط لأنه حاول الهروب من بوليس النظام بالطبع عن طريق صديقه «السطح»... وفي صورة كاريكاتورية تشبث «زيزو» بالصورة الضخمة للرئيس المعلقة على الجدار الخارجي وهو ينزل إلى الأرض فتمزقت صورة الحاكم الجبّار وصار هذا الشاب الأبله بطلا دون اختيار منه!

سينما بوغدير والخصوصية التونسية
على الخط الفاصل بين التراجيديا والكوميديا، شاء المخرج فريد بوغدير أن يضع فيلمه الجديد «زيزو» على سكة السينما الكوميدية في طابع مرح مشحون بدلالات سياسية واجتماعية واقتصادية ومهووسا بقضايا البلاد والعباد ...إلا أن هذه الكوميديا كانت من النوع الرومانسي الذي انتهى في الأخير على خاتمة «وردية» ونهاية «سعيدة»... وفي هذا السياق يقول المخرج فريد بوغدير:» ذائقتي الشخصية لا تميل الى السينما النخبوية، التي تأثرت بها في بداياتي و أبقى أحترم فيها الاكتشافات الشكلية والتجريبية ولكني وبكلّ تواضع أميل أكثر إلى الحكاية والخرافة الشعبية المكتوبة أو السينمائية. اذ أن علماء الاجتماع ومن بينهم التونسي عبد الوهاب بو حديبة كشفوا عن أهمية الحكاية والخرافة في تكوين الخاصية الثقافية التونسية. وأنا أبقى عاشقا للروح التونسية، ويمكن أن أكون متفائلا ولكن ورغم ما خضع له الشعب التونسي في السنوات الأخيرة يبقى نتاج آلاف السنين من ثقافة تطغى فيها الحكمة والاتفاق السلمي على العنف ليبقى بذلك الشعب التونسي من أروع الشعوب .أعلم أنّ هذا قد يبدو ذاتيا ولكن هو هكذا بالنسبة لي!»

على مشهد احتضان العاشق الولهان لحبيته عايشة بعد تحرير أسرها، اختار المخرج فريد بوغدير أن يسدل ستار النهاية على فيلمه الجديد «زيزو». ولكن لا أحد بإمكانه أن يجزم ما الذي قصده المخرج بأن يغيب مشهد الحبيبان في نهاية الفيلم ليعلو صوت الرجل «المتدين» الذي نهى الحبيبين عن العناق متوّعدا بالقول: «عيب...عيب ... ها توّا نتلهاو بيكم» ؟!

الجذاذة الفنية لفيلم «زيزو»
«زيزو» هو فيلم كوميدي من إخراج وتأليف فريد بوغدير، وحوار توفيق الجبالي .ويلعب أحداث هذا الفيلم الذي يمتد على 99 دقيقة كل من : زياد العيادي وسارة الحناشي وفاطمة بن سعيدان وزياد التواتي ووجيهة الجندوبي وتوفيق البحري وعائشة بن أحمد وإكرام عزوز وجمال ساسي وعبد المنعم شويات وعيسى الحراث ووسيلة داري و ريم الوادي والشاذلي العرفاوي ورمزي سليم ومحمد علي دمق ومنى شطورو وصبري الجندوبي...

«زيزو»... والمفارقات العجيبة !
راهن فريد بوغدير على وجه جديد في عالم الشاشة الكبيرة فاختار أن يسند بطولة فيلمه الجديد إلى الممثل زياد عياّدي (في دور زيزو) الذي اكتشفه المخرج على خشبة تدريبات مسرح «التياترو» ... إلاّ أن بوغدير حشر هذه الشخصية في مفارقة غريبة إذ أن هذا البطل صاحب التعليم الجامعي (بكالوريا + 2) بدا ساذجا إلى أبعد الحدود وجاهلا بأبسط الأشياء والمفاهيم فهو لا يعلم من يكون «الشيخ الإمام» أو «كارل ماركس» ولا يدرك حتى السياق الاجتماعي والسياسي الذي كان يعيش فيه ... وكأن قدماه لم تطأ مدارج الثانوية ورحاب الجامعة !

وفي تناقض آخر، لم يكن لسان شخصية «زيزو» المنحدرة من أعماق الجنوب التونسي وفيّا إلى اللهجة الريفية منذ أوّل مشهد في الفيلم والبطل يغادر الصحراء التونسية نحو العاصمة. ولم تظهر ملامح الشاب الريفي سوى في لباس «قروي» ومظلة من السعف ...و ربما لم تبرز هذه الشخصية «الجنوبية» إلا من خلال بعض مشاهد الشهامة ونبل الأخلاق التي امتزجت بالسذاجة والغباء في عيون أهل العاصمة، ونمط الحياة في العاصمة وسلوكيات الناس في العاصمة!

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115