ولئن يعد الوعي المواطني ونمط التفكير والتصرف،والثقافة السائدة في المجتمع، فهي في المحصلة ، المحدد لمصادر التلوث ومآلاته.
لكل ذلك سنزاوج في هذه الإضاءة بين عرض المشكل البيئي العام المرتبط بالتلوث، وبين أحد مداخل الحل، القائم على التربية والتنشئة، في بعض العناصر الكبرى والتفاصيل.
يشمل مصطلح تلوث البيئة أو التلوث البيئي خمسة أنواع أساسية، هي: تلوث الهواء وتلوث الماء و تلوث التربة والتلوث الضوئي والتلوث الضوضائي، وهناك إحصائيات تشير إلى أن أكثر من 200 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم معرضون لمخاطر التلوث.
ومن مظاهر هذا التلوث نشير لتلوث الهواء ويقصد به التلوث الناتج عن وجود جسيمات ومواد كيميائية بالهواء، تكون أحيانًا في شكل قطرات سائلة أو غازات، أو في شكل جزيئات صلبة، مما يتسبب في تضرر الكائنات الحية المتواجدة في تلك البيئة، حيث يؤدي تلوث الهواء إلى عدة مشاكل صحية للإنسان، إلى جانب بعض المشاكل البيئية مثل الاحتباس الحراري، ويحدث لعدة أسباب بعضها صناعية بفعل البشر مثل الانبعاثات الصادرة من السيارات، والطائرات، المصانع وبعضها طبيعي مثل الدخان الناتج عن حرائق الغابات والرماد الناتج عن البراكين.
وللحد من تلوث الهواء يجب الاعتماد على وسائل نقل عامة لتقليل عوادم السيارات وتوفير استهلاك الطاقة في المنازل والمؤسسات واستخدام منظفات ومواد طلاء آمنة بيئيًا كلما أمكن ذلك.
ويتمثل تلوّث الماء في إلحاق أضرار بالماء تؤثر بالسلب على جودته، ويمثل تهديدًا لحياة الإنسان وسلامة البيئة، ويحدث تلوث الماء عندما تتلوث الأنهار، أو البحيرات، أو المحيطات وحتى المياه الجوفية بأية ملوثات، سواءً كانت كائنات دقيقة مثل البكتيريا، أو كيماويات، وتتعدد أنواع تلوث الماء حسب أنواع المسطحات المائية التي يتم تلويثها.
ولتقليل تلوث الماء يجب تقليل كميات المواد المستخدمة في إبادة الحشرات وكذلك تقليل الأسمدة الكيماوية، حفظ مواد التنظيف والمواد الكيميائية داخل عبوات محكمة الإغلاق، وعدم إلقاء النفايات بالأنهار والمصادر الأخرى للمياه، وفحص السيارة دوريًا للاطمئنان على عدم وجود أية تسريبات قد تتسبب في تلوث الماء، وإصلاح أي تسريبات إن وجدت.
أما تلوث التربةفيقصد به دخول مواد ضارة إلى التربة، وبالتالي تقل جودتها مما يؤثر سلبًا على صحة وسلامة الكائنات الحية المتواجدة فيها، ويحدث تلوث التربة لعدة أسباب مختلفة، منها إزالة الغابات، أو تسرب بعض الكيماويات الزراعية إليها، أو ري التربة بماء ملوث، أو بسبب الغبار الملوث الذي يستقر على الأرض، ويتسبب تلوث التربة في فقد خصوبة التربة، وكذلك التغيرات المناخية، كما أنه يؤثر سلبًا في صحة الإنسان، وهناك عدة ممارسات قد تساعد على تقليل تلوث التربة، مثل:
الحرص على إحياء الغابات وإعادة زراعتها لمنع تآكل التربة.
منع الرعي الجائر.
تربية بعض أنواع الكائنات الدقيقة في التربة الملوثة لتكسير تحليل الملوثات، مما يساهم في استعادة توازن التربة.
اعتماد منتجات قابلة للتحلل، كالاستعانة بالكرتون للتغليف، لسهولة تحللها في التربة وقت التخلص منها.
تقليل استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية.
ينضاف لهذه المظاهر، التلوّث الضوضائي
ويقصد به وصول الأصوات إلى مستوى ضار، وهذه الأصوات قد تكون بسبب مصادر ميكانيكية مثل السيارات، والطائرات، إلى غير ذلك من الآلات، وقد يكون مصدرها الإنسان نفسه كالموسيقى الصاخبة، والتلوث الضوضائي يسبب مشاكل صحية عديدة للإنسان، فعلى المدى البعيد يسبب إلى الإصابة بطنين الأذن، وقد يتسبب في فقدان السمع جزئيًا أو كليًا، وأحيانًا يتسبب التعرض المفاجئ إلى دفعة عالية من الضوضاء إلى تمزق وثقب طبلة الأذن، وقد يسبب التلوث الضوضائي عدة مشاكل صحية منها مثلًا الصداع، وارتفاع ضغط الدم ولتقليل التلوث الضوضائي يمكن اللجوء لبعض الأمور، مثل:
محاولة تقليل كمية الضوضاء التي يتعرض لها الفرد، وذلك عن طريق وضع الحواجز والعوازل التي تمنع وصول الضوضاء للمنزل، مثلًا يمكن الاستعانة بالنوافذ ذات الزجاج مزدوج الطبقات.
الاستعاضة بالأصوات ذات التأثير الإيجابي بدلاً من الأصوات المسببة للإجهاد، وذلك عن طريق الاستعانة ببعض الأجهزة التي تصدر أصوات صحية تساهم في تقليل حدة أصوات الضوضاء.
ممارسة رياضة التأمل وتمارين التنفس لعلاج الإجهاد الذي يؤدي إليه التلوث الضوضائي.
ويشكل التلوث الضوئي تلوث الضوء الذي تعانيه البيئة أو الضوء المُفرط الصادر من مصادر صناعية، ويتسبب الارتفاع في نسبة التلوث الضوئي إلى آثار سلبية عديدة مثل: حجب أو منع ضوء النجوم من السطوع ليلًا في السماء، وتعطيل أو إيقاف عمل نظم البيئة المختلفة التي تتمثل في الحياة الليلية البرية بكل ما فيها من حيوانات ونباتات، وإهدار الطاقة، إلى جانب تأثيراته الضارة على صحة الإنسان، وتعارضه مع البحوث والدراسات الفلكيّة، وينقسم التلوث الضوئي إلى أقسام أو أنواع رئيسية، وهي:
توهج السماء: وهذا المصطلح يقصد به الوهج الذي يستطيع الشخص رؤيته من ارتفاعات عالية ومناطق بعيدة في عرض السماء، وخاصةً في المناطق السكنية.
الوهج: ويحدث بسبب الإضاءة الغير محمية، ويتسبب في الإضرار بصحة الإنسان وخاصةً كبار السن، حيث يتسبب في الإصابة بحالة تسمى تباين الرؤية.
التعدي الضوئي: وهذا المصطلح يعني تسلل الإضاءة الغير مرغوب فيها إلى المباني من خلال النوافذ مثلًا، مما يتسبب في إزعاج الأفراد، وإصابتهم بالعديد من المشكلات الصحية أهمها اضطرابات النوم.
ويرى الدكتور الياس الشويريإن أية إجراءات تتخذ لحماية البيئة والمحافظة عليها ومواجهة مشكلاتها، ينبغي أن تبدأ بالإنسان باعتباره المسؤول عن ظهور هذه المشكلات. والأساس في هذا الشأن يرجع الى تربية الإنسان نفسه تربية بيئية يفهم من خلالها أسس التفاعل الصحيح مع بيئته، ويقتنع بأهمية المحافظة عليها ويسلك السلوك البيئي المناسب تجاهها، ولن يتم ذلك إلا من خلال المؤسسات التربوية المختلفة التي تهتم بتنمية ميوله ومعارفه واتجاهاته نحو بيئته.
الحديث عن المستقبل في قضايا البيئة، ليس رجماً بالغيب، بل المستقبل نتيجة اتجاهات وقوى وتقنيات أساسية موجودة الآن، ومعرفتنا فيها لا شك تعطينا فهماً أكثر وضوحاً للحقائق والمحدودات الراهنة.
ومن الخطأ والخطر الاعتماد على مجرد استقراء الماضي والوضع القائم في رسم صورة المستقبل، بل إن توقع الوضع المستقبلي يتطلب وعياً وفهماً لتطور المتغيرات؛ وما قد يفاجئ العلم والتكنولوجيا العالم بها.
ويقع على المؤسسات التربوية والتعليمية عبء التفكير العلمي في تقييمها لمشكلات البيئة الحالية، وفي تخطيطها المستقبلي لحماية البيئة.
وإذا كان من أهداف التربية، تهيئة أفراد قادرين على تحمل المسؤولية تجاه أنفسهم وتجاه وطنهم، فإن المواطنية الحقة تفرض على كل إنسان يعيش عصره، مسؤوليات تجاه البيئة التي يعيش فيها، وتزداد هذه المسؤولية كلما ازدادت أهمية مركزه الاجتماعي، وهنا يبرز دور المربي، باني الأجيال.
دور المدرسة في مجال التربية البيئية والوعي البيئي
تحتل المدرسة مكانة هامة في مجال تنمية الوعي البيئي بحيث تعكس الحاجات الاجتماعية للبيئة، وتحاول إكساب الطلاب العادات السليمة والاتجاهات والقيم التي تحقق حماية البيئة والمحافظة عليها وصيانتها. ودور الطلاب في حماية البيئة يبدأ من حمايتهم لمدرستهم، ما يتطلب مجموعة من الممارسات اليومية مثل، المحافظة على نظافة المدرسة وصيانة مرافقها، والنهوض بها والحفاظ على البيئة المجاورة لها.
وفي هذه الحالات جميعها ينبغي أن يكون تعليم المعرفة والمهارات والاتجاهات عملية متكاملة. ومن نماذج التربية البيئية التي يمكن أن يدور حولها بعض النشاطات في مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي مثلاً، وحدات تتخذ عناوين ومواضيع تدور حول «دور المدرسة»، «التخلص من النفايات»، و «ما هو أحسن نوع من الوقود». وعندما يرتبط التعليم بالعمل والنشاط في هذه الوحدات، يكتسب الطلاب مهارات نظرية وعملية تبقى معهم ويستخدمونها في حياتهم تجاه البيئة.
وينبغي أن تسهم المدرسة في تزويد التلاميذ الأساليب التي يحتاجون إليها في دراستهم البيئية، وتعلّمهم كيفية اتخاذ قرارات مناسبة بشأنها، وذلك عن طريق اشتراك المعلمين والطلاب في عملية تحليل البيئة التي يعيشون فيها، وتحليل الاتجاهات الاجتماعية والثقافية والأنشطة الاقتصادية التي تؤثر فيها وفيهم، ومن خلال ذلك يمكن للطلاب أن يتحكموا في أساليب الاستخدام العلمية التي سوف يمارسونها أو يحتاجون إليها من أجل تحسين طبيعة البيئة التي يعيشون فيها.
تسعى المدرسة إلى تنمية الوعي البيئي لدى التلاميذ، ما يسهم في تحقيق صالح أفراد المجتمع ورفع مستويات معيشتهم من ناحية، وفي حماية وصيانة البيئة من ناحية أخرى.
واجب المعلم تجاه تلوث البيئة
للتربية البيئية مجالات واسعة ومتعددة، لذلك على المعلم أن يكون مستعداً للتعامل مع المواقف المختلفة والمتغيرة، وعليه أن يخطط لعمله ويجعل تخطيطه مرناً يتسع للمواقف المتغيرة.
وإذا أخذنا قضية تلوّث البيئة كنموذج، فإن واجب المعلم حيال هذه القضية يمكن اختصاره بما يلي:
- إثارة اهتمامات التلاميذ نحو بيئتهم باختيار مواضيع وظواهر وقضايا تحفزهم على دراستها والمشاركة في حلها.
- تنظيم التلاميذ في مجموعات عمل وفقاً لظروف كل منهم، على أن تتكامل الأدوار في النهاية.
- تنظيم زيارات لمواقع معينة والوقوف على كل ما يتعلق بها.
- إعداد المطبوعات اللازمة لتوجيه التلاميذ، من خرائط مناسبة وجداول وإحصائيات... إلخ.
- اتخاذ الترتيبات اللازمة لدعوة متحدثين متخصصين من البيئة المحيطة، مثل المهندس الزراعي ومهندس المباني أو مسؤول الكهرباء أو رجل الأمن... إلخ.
- الاهتمام بصفة خاصة بتدريب التلاميذ على التفكير العلمي السليم في حل ما يواجههم من مشكلات بيئية وإكسابهم المهارات وتنمية قدراتهم الابتكارية.
- التركيز على ترشيد السلوك البيئي للتلاميذ فرادى وجماعات.
فالمعلم يعد العامل الأساس في نجاح التربية البيئية وتحقيقها لأهدافها، ونموذجاً بسلوكه لطلابه يقتدون به ويقلدونه في أثناء تفاعلهم مع بيئتهم. كما أن إلمام المعلم بقضايا البيئة بجوانبها كافة، يمكنه من توصيلها لتلاميذه بصورة مبسطة وشيقة. لذلك يعتمد إدخال التربية البيئية في برامج التعليم بمراحله المختلفة، على المعلمين الأكفياء المؤهلين الذين يمكنهم تنفيذ هذه البرامج. ولن يتحقق ذلك إلا بتضمين برامج إعداد المعلم بكليات التربية مواضيع في التربية البيئية يدرسها الطلاب على اختلاف اختصاصاتهم، بحيث يعمل فريق المعلمين بتوافق وتكامل على زيادة وعي المتعلمين لقضايا البيئة وضرورة الحفاظ على مقوماتها.
دور الأطفال في حماية البيئة
من خلال التعليم البيئي المنظم، يمكن للأطفال أن يؤدوا دوراً فعّالاً في حماية البيئة التي يعيشون فيها (منزل، مدرسة، حي، حديقة، بستان، غابة...) وتحسينها. فعندما يدركون هذا الدور ويشعرون بمسؤوليتهم تجاهه، تكون مشاركتهم في النشاطات المتنوعة داخل الصف وخارجه بدافع ذاتي وطوعي، يحثهم في ذلك حبهم لبيئتهم ومعرفتهم بأهمية عناصرها.
إن إدراك حقيقة المشكلات البيئية، والتأثيرات المترتبة عليها، تفتح الوعي على ضرورة المساهمة في حلها، وتحرض الطفل على الاضطلاع بدوره في المحافظة على بيئته وسلامتها. ويتمثل هذا الدور في المشاركة الفعالة في تنفيذ المهام الفردية والجماعية (بما يتلاءم مع عمره وقدراته) كما يتمثل في السلوك اليومي للطفل. ومن المجالات والنشاطات التي يمكن من خلالها أن يؤدي الطفل دوراً في حماية البيئة، ما يلي:
النظافة:
- اهتمام الطفل بنظافة جسمه وملابسه وحاجاته والمحافظة عليها.
- الاهتمام بنظافة البيت والمدرسة والأماكن العامة.
- وضع القمامة والأوساخ في الأماكن المخصصة لها مهما كانت صغيرة.
- المحافظة على نظافة مصادر المياه كالينابيع والأنهر والبحيرات، وعدم رمي الفضلات فيها.
- المشاركة في لجان النظافة التي تقام على مستوى الصف والمدرسة - إذا وجدت - علماً اننا نشجع كل المؤسسات التربوية والتعليمية على تشكيل هكذا لجان.
- المشاركة في الحملات الإعلامية المدرسية، من خلال منابر الإبداع والمجلات والإذاعة والمعارض.
التشجير:
- قيام الأطفال بزراعة الأشجار والنباتات والورود في حديقة البيت والمدرسة وريّها والاهتمام بها.
- المساهمة في عيد الشجرة بمشاركة الأهل.
- التعرف على أنواع الأشجار والنباتات والورود الموجودة وطرق العناية بها.
- المشاركة في إنشاء غابات خاصة بالأطفال ورعايتها من قبلهم.
- المشاركة في معارض النباتات والورود.
- المشاركة في المسابقات بين الفصول والمدارس ومنابر الإبداع المتعلقة بالبيئة.
حماية ثروات البيئة من التلوّث:
- المحافظة على أشجار الغابات، وعدم إشعال الحرائق فيها.
- إلقاء القمامة والفضلات في الأماكن المخصصة لها، وعدم إلقائها في مياه الينابيع والأنهر والبحيرات والبحار.
- الابتعاد عن التسلية بإطلاق المفرقعات في المناسبات العامة وغيرها.
- استعمال المياه النظيفة.
- استعمال الصابون بدل الكيماويات الأخرى عند غسل اليدين.
- المشاركة في توزيع النشرات والملصقات التي توضح أخطار التلوث على الثروات الطبيعية.
كي لا نندم
أخيراً إن الإنسان العربي والتونسي تحديدا مدعو الآن، أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة النظر في كيفية تعامله مع البيئة، وإلى التخطيط السليم لاستغلال مواردها، والتفكير في العواقب المحتملة لاستغلال الموارد الطبيعية استغلالاً غير علمي. كذلك لا بد من دراسة الأخطار الناتجة عن المخلفات الصناعية وعن احتراق الوقود، والاستعمال المتزايد للمبيدات الكيميائية والملوثات الأخرى، كما ان الانسان مدعو إلى التفكير في مصير الغلاف الحيوي (أي طبقة الهواء والماء والطبقة السطحية من القشرة الأرضية) الذي تتركز فيه الحياة.
مما لا شك فيه أن التخطيط العلمي السليم مطلوب في لبنان أكثر منه في البلدان الأخرى، نظراً الى أن الموارد الطبيعية في بلادنا تعرضت لفترة طويلة من الاستغلال غير المنظم الذي نتج عنه تدمير الجزء الأعظم من الغابات والمراعي الطبيعية، وانقراض الكثير من الأنواع الحيوانية، أو انخفاض أعدادها انخفاضاً بالغاً.
سبل الخلاص الجميل..مداخل وتفاصيل
- بقلم سليمان بن يوسف
- 10:30 03/05/2021
- 1037 عدد المشاهدات
تعد مشكلات التلوث من أبرز مسببات الكآبة والمخاطر المنغصة لحياة البشر والمؤثرة سلبا على نوعية الحياة وجودتها .