بيان صحفي صادر عن مؤسسة نيكولا هُولُو Nicolas Hulot (فرنسا).
كما لو أن جائحة الفيروس التاجي(كُورُونا) لم تكن كافية ، ها إننا نُطلق في تونس حملة مكافحة البعوض. " تَشرعُ وزارة الشؤون المحلية غدًا في تطبيق الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الحشرات في الـبلديات الـ 350 التي تعدّها البلاد التونسية (صحيفة لابريس بتاريخ 19 أفريل 2020 ).
يوم السبت 31 مايو 2020 ، على قناة التلفزة الوطنية 1 كان مدير حماية البيئة في وزارة الصحة يتحدث -وهو يكاد يختال عُجبا و خُيلاء- مُوضّحا أنه سيتم القضاء على البعوض بواسطة الطائرات! إنها لعَمري قمّةُ الحداثة فيما يبدو!.
وها إننا كما شأننا كلّ سنة ، وكأننا لم نستخلص العبر قط من الحملة السابقة ، للتخلص من البعوض وغيرها من "الوشواشة"، نكرر الأخطاءَ نفسَها !
وإذن فليس للبعوض وسائر المكوّرات* culicidés إلا أن تَلزم سُلوكا جيّدا . لقد تجهّز أعضاؤنا الأذكياء الماكرون في الخلية الدائمة لمكافحة الحشرات هذه المرة - فضلا عن السموم المُعتادة - بـ"تقنيات حديثة" (صحيفة لابريس التونسية بتاريخ 19 أفريل 2020) من قبيل منظومة إعلامية جغرافية والطائرات وحتى بزلّاجة hydroglisseur لمعالجة سبخة السيجومي! و يُهدّد ممثل بلدية تونس ، "البعوض الحضري والريفي" (كذا) معربا عن معرفة بعلم حشرات مُحيّنة ومن آخر طراز، باستعمال القوة الضاربة لمؤسسته القويّة المُوقَّرة.
• (علم الحيوان) أسرة حشرات من البعوض من درجة Diptera أي ذوات الجناحين ، ذات هوائيات طويلة ورقيقة، وأجنحة ذات قشور ، وإناث أجزاء الفم فيها طويلة كالخرطوم جامدة من صنف الواخز- الماص للبشر.
هل سنواصل في ارتكاب نفس الأخطاء دائما ؟
ولكن يجدر بنا أن نتوجه إليها بملاحظة مفادها أن أن بعوض المدينة أو بعوض الحقول قد وصل إلى هذه الكرة الأرضية قبل ملايين السنين من ظهور الإنسان منتصب قامة Homo erectus وقاوم ، على مر العصور ، البرد القارس السيبيري ، وشدة القيظ، والثورات البركانية ، والزلازل والفيروسات والعديد من الحيوانات المفترسة (من طيور الخُطاف ، وطيور السمامة ، والضفادع ، والخفافيش ، والسحالي ...) وأن المبيدات الحشرية الكيميائية التي تُواصل مدينتنا الطيبة تواصل رشّها وتذريتها على رؤوسها لن يكون لها من أثر سوى إثراء جيناتها بعوامل مُمانعة إضافية.
و الواقع ، أننا من خلال رش المبيدات الحشرية دون التصدّي لأصل المشكلة ومُعالجتها ، ننشئ بعوضا ذا قدرات خارقة، بعوضا فائق المُمانعة لن يزيد استخدام ترسانة السموم ضده إلا في إثراء الشركات الكيماوية متعددة الجنسيات ووُكلائها في البلاد التونسية.
ومع ذلك ، حَسْبُنا أن ندرك أنه من الضروري أولاً معالجة المياه الراكدة ، والبِرك ، و قنوات الصَّرف الصحيّ التي تفيض بما فيها ، وحاويات القمامة التي لم يتم تنظيفها قطّ والأودية التي لا يتم صيانتها للتخلص من جزء كبير من بعوض ”المكوّرات“ culicidés هذه التي تُمضي جزءً كبيرا من من حياتها في الماء ، في شكل يَرَقات larves .
كما لو أن الوباء لا يكفينا!
يحدثوننا عن المبالغ المالية التي تم حشدها ولكنهم لا يُمِدّوننا بقائمة تتضمن المبيدات الحشرية التي ستزيد في تلوث بيئتنا يوما بعد يوم بما لها من نتائج ،هي ويا للأسف ، نتائج هزيلة للغاية.
فهل من المعقول في هذه الفترة التي يعمّ فيها الوباء ، أن يُرْسِلوا مبيدات حشرية سامة صوب أجسامنا وطعامنا وبيئتنا؟ قد تكون هذه المُنتجات produits سامة في مواجهة التكاثر، مثلما يمكن أن تكون مُسَبّبة للسرطان (في البروستاتا والثدي، والجهاز اللمفاوي ...) ، أو متسببة في توليد الطفرات أوفي اضطرابات الغدد الصماء. كما يمكنها أن تقلل من الدفاعات المناعية للفئات السكانية ممن يشْكُون من الهشاشة.
فهل من الحكمة ، ونحن نواجه الوباء يتم تعريض الأطفال والنساء الحوامل والمُسِنّين والمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة (مثل السُكّرِيّ ، وارتفاع ضغط الدم ، وزيادة الوزن ...) لهذه المُرَكَّبَات السُّمّية؟ ذلك أن هذه المنتجات السُمّية وعديد من مُكوّنات مَحْلُولِها، عندما تقترن بجُزَيْئَات المَرْكَبَات والصناعات يمكن أن تؤدي إلى تفاقم صعوبات التنفس. ونحن نعلم علاوة على ذلك أن هذه المنتجات يمكن أن تُصيب الجنين في بطن أمه وأن تؤثر في دماغه ، مما يؤدي إلى أطفال يعانون من انخفاض في معدل الذكاء (اقرأ Tara Parker-Pope, The New York Times, 21 avril 2011). ففي تونس ، على سبيل المثال ، يُسمح باستخدام مبيد الكلوربيريفوس على الرغم من أن تأثيره في معدل ذكاء الأطفال مُوثق توثيقا جيدًا. (اقرأ قائمة المبيدات الحاصلة على موافقة وزارة الزراعة (تم تحديثها وتحديدها عَقِب اجتماع اللجنة بتاريخ 18 أكتوبر 2017). إن حماية الطفل أمر ضروري لا بدّ منه لا سيّما أن الفيروس التاجي كورونا يُسبب في الوقت الراهن أعراضا خطِرة - خاصةً للقلب - في هذه الفئة من الساكنة (لوموند ، 2 ماي 2020 ، ص 2).
قالت راشيل كارسون Rachel Carson ، عالمة الأحياء صاحبة كتاب "الربيع الصامت" ، إن "الحاجز الكيميائي للمبيدات عنيف غليظ مثل هراوة رجل الكهوف ، و أنه يعصفُ عصفا بنسيج الحياة الحميم . وهولا يصيبُ "نسيج الحياة الحميم" لدى البشر فحسب ، بل أيضًا لدى بقية الكائنات الحية وخاصة الأعداء الطبيعيين للبعوض مثل الطيور أو البرمائيات batraciens.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن خليّة اليقظة لدينا لا تتحدث عمّا تعتزم استخدامه من مبيدات حشرية للقضاء على البعوض. يُقال لنا فقط إنها مُدْرجة ضمن القائمة المعتَمَدة من قبل وزارة الزراعة (قائمة 18 أكتوبر 2017). وتتضمن هذه القائمة عددًا من مُبيدات الآفات الخطرة أو المحظورة في أماكن/ بلدان أخرى من العالم. حسْبُنا الاطلاع على القائمة التي وضعتها في مارس 2019 شبكةُ عمل المبيدات PAN للمنتجات " بالغة الخطورة " لإدراك أن عددًا من المبيدات المرخص لها في بلدنا تندرج ضمن هذه الفئة وهي (بروبينب Propineb، وغليفوسات Glyphosate وأملاحها، وميثيوكارب Methiocarb ، وفولبت Folpet، وباراكات Paraquat المعروف باسم دِيكْوَات Diquat، وفُوسْمِيت Phosmet ...)..
فكيف يمكن لمصالح الطوارئ ،من دون أن يكون لها سابق علم باسم المبيد ،أن تتعهد برعاية الأشخاصِ المسمُومين إذا لم تعرف ما إذا كان التسمُّم أوالتوعُّكُ ناجِما عن مُركّب عُضوي فسفوري organophosphoré أو عن مبيد يتضمن مادة الكَرْبَامَات carbamate (التي يوجد بالنسبة إليها ترياق مضاد مثبّط لعمل أنزيم الكولينستراز) أو عن مبيد كلوري عُضوي (لا يوجد له ترياق) أو عن أحد البيريثرويدات pyréthrinoïde (أوربما مستحلب دهني)؟
الطائرات ، مزيد من الطائرات؟
تقترح خليّة المراقبة في مكافحة البعوض استخدام الطائرات.
إذا استخدمنا طائرات رش المبيدات جوا في المناطق الحضرية ؟ فهل نكون قد قمنا بتقدير المخاطر حق قدرها؟
هل نسينا بعدُ مأساة 11 نوفمبر 2019 في سُكّرَة - الثانية في نفس العام - وتلك الطائرة التي تحطمت بالقرب من المنازل ، متسببة في هلاك الطيارالذي كان يقودها؟
منذ حادثة طائرة رشّ مبيدات الحشرات في 17 جوان 2009 في الشَّفّار (صفاقس) وهلاك الطيار ، جدّت مأساة أخرى في عام 2015 خلفت وفاة رجل في سيدي علي الحطاب في برج العامري. ثم حادثة شيخ الوديان (باجة) في 2017 و في 16 أفريل 2019 ، حادثة سيدي بورويس (سليانة). فهل استخلصنا الدُّروسَ والعِبر من ذلك؟ إلى أين وصلت التحقيقات بخصوص هذه الحوادث؟
في عام 2018 ، أطلقت وزارة الزراعة - بمساعدة إيطالية - مُناقصة لشراء 5 طائرات شراعية خفيفة للغاية مزودة بمحرك لرش للمبيدات ULM و 3 طائرات شراعية خفيفة للغاية مزودة بمحرك ULM متعددة المحاور مُخصَّصَة لمكافحة الجراد وليس لرش المبيدات من الجوّ بهدف مكافحة البعوض .
في فرنسا ، تفيد النصوص القانونية أنه: "يجب أن يكون إجراء رش المبيدات جوا في مجرى العادة " موضوع إعلام يقدّم للجمهور ولنقابات تربية النحل وذلك قبل المعالجة بـ 48 ساعة على الأقل ومن وضع معالم دالّة على الموقع balisage. فبالإضافة إلى ضرورة التعليق والعرض في بلدية المدينة ، هناك واجب إلزاميّ يتمثل في ذكر العلاج على قطعة الأرض المعنيّة نفسها.
وجدير بالملاحظة ، مع ذلك ، أن الرشَّ الجويَّ محظُور في فرنسا منذ عام 2009 على إثر صدور مبدإ توجيهي directive أوروبي وقانون في 13 جويلية 2010. ومع ذلك ، لا يزال بإمكان الولاة préfets منح بعض الإعفاءات "لفترة محدودة عندما لا يمكن السيطرة على خطر يهدد النباتات أو الحيوانات أو الصحة العامة بوسائل أخرى أو إذا كان لهذا النوع من الرشّ جوّا مزايا واضحة للصّحة والبيئة مقارنة باعتماد الرش الأرضيّ،وفقًا للأحكام التي تم وضعها بعد الاستماع إلى رأي اللجنة الاستشارية لحماية النباتات، وبعد إبلاغ لجنة الإدارة المسؤولة عن المخاطر البيئية والصحية والتكنولوجية. "
ومثلما نتبين، تعتبرالسلطات الفرنسية هذا النوع من الرش بواسطة الطائرة أو المروحية أو الطائرات الشراعية الخفيفة المزودة بمحرك ، عملا استثنائيا وفي جميع الحالات ، يُرخّص لخمس مبيدات حشرية لا غير أن تُرَشّ رشا جويا.
تُحدد المادّة 20 من الإعلان الفرنسي arrêté المؤرخ في 15 سبتمبر 2014 ، يوم 31 ديسمبر 2015 تاريخا لا يجوز بداية منه منح استثناء للرش الجوي.
فماذا ننتظر لحظر هذه الممارسة؟ ذلك أنه بالإضافة إلى الأضرار والمخاطر التي يمكن أن تتسبب فيها الطائرة أثناء الطيران ، تتناثر المبيدات الحشرية بأدنى هبّة نسيم وتتنزّل على السكان و تُلوث البيئات التي لا ينبغي معالجتها.
ومن المعروف أيضًا أن الرش الجوي لا يكاد يبلغ 25 ٪ من الهدف المرسوم له إلا بصعوبة وأن الكاسب الوحيد في النهاية هو مالك الطائرة والشركة المُصنّعة للمبيدات الحشرية.
يجب على المجتمع المدني أن يتحرك:
إزاء كل هذه التجاوزات التي تُهدد صحة التونسيين وحالة بيئتنا ، يتعيّن على المجتمع المدني أن يقوم بإحداث قطيعة ضرورية مع هذا النهج.
وفي مواجهة الوباء ، ما من حاجة لمراكمة بقايا المبيدات في بيئتنا وجعل الناس أكثر هشاشة: يجب أن تؤدي العقلانية ، أكثر من أي وقت مضى ، إلى وضع المصالح الخاصة جانبا . ففي عام 1960 ، قال عالم الحشرات الكندي أنتوني دبليو براون Anthony W.A. Brown : "إن العصر الذهبي للتحكم الكيميائي قد عفا عليه الزمان "
وقد آن الأوان للإصداع بهذه الحقيقة أمام مسؤولي الزراعة والبيئة والصحّة التونسيين. ويتعيّن على مجتمعنا المدنيّ أن يضع حدا لهذا التلوث! إن الأمر يتعلق بحق من حقوق الإنسان ألا وهو أن تكون لدينا بيئة صِحّية وقابلة للعيش فيها.
يجب أن نكُفّ عن التراجع إزاء تَقدُّم لوبيات المُبِيدات الحشريَّة!