وجلست امام مبنى برلمان بلدها ومنذ ذلك اليوم بدات قصة جميلة اذهلت العالم ببساطتها وعمقها في ان واحد …
شعرت الفتاة واسمها Greta Thunberg في ساعاتها الأولى بالوحدة وربما احست بان ما تقوم به «غريب» ولكنها مع ذلك قررت ان تعود الى نفس المكان وفي كل يوم دراسة لمدة ثلاثة أسابيع متتالية.
شيئا فشيئا بدات معجزة ما بالحدوث :اذ بدا عدد قليل من الشباب بالانضمام اليها ثم وبتتالي الأيام اصبح عدد المعتصمين اكبر فاكبر امام مقر البرلمان فقررت الفتاة ان يكون الاعتصام كل يوم جمعة .
ولاننا اصبحنا وكاننا نعيش في قرية صغيرة بفضل صفحات التواصل الاجتماعي واولها الفيسبوك فان خبر مجموعة التلاميذ المعتصمين من اجل المناخ كل يوم جمعة امام مقر البرلمان السويدي انتشر بسرعة في كامل أوروبا وهكذا بدات مجموعات صغيرة من تلاميذ هذه الدول بالاعتصام كذلك امام مقرات برلمانات دولها ليكبر عدد المعتصمين بسرعة ليصبح بعشرات الالاف في دولة واحدة مثل بلجيكيا .
اليوم تلاميذ اكثر 140 دولة من القارات الخمسة (ومنها تونس) يعتصمون امام مقرات السيادة مطالبين سياسيي بلدانهم بالتحرك الايحابي من اجل وقف نزيف التغيرات المناخية التي تهدد مستقبلهم .
وهكذا ذاع صيت الفتاة في كامل ارجاء العالم وأصبحت محط انظار وسائل الاعلام في بلدها وفي الخارج فوقعت دعوتها لقمة المناخ الرابعة والعشرين في بولونيا COP24 ثم دعاها البرلمان الأوروبي ثم الفرنسي وقابلت شخصيات عالمية مؤثرة مثل الأمين العام للامم المتحدة و بابا الفاتيكان وكانت في كل مناسبة تلقي كلمة تدعو فيها السياسيين الى ضرورة الانصات الى تقارير العلماء حول التهديدات الجدية للتغيرات المناخية وضرورة التحرك السريع لأننا نعيش «ازمة كبرى».
اليوم وانا اكتب هذه السطور فانGreta تستعد لمشاركة تلاميذ من مدينة نيويورك اعتصامهم امام امام مقر البيت الابيض الأمريكي بعد اعتصام مماثل قبل أسبوع امام مقر الأمم المتحدة وذلك بعد ان قطعت المحيط الأطلسي بين أوروبا وامريكا على متن قارب شراعي لانها قررت منذ مدة عدم ركوب الطائرة اكثر وسيلة نقل مسببة للاحتباس الحراري .
منذ سنوات عندما بدات اهتم بالتغيرات المناخية اثر قراءتي بالصدفة لكتاب السياسي
الأمريكي السابق ال غور «حقيقة مزعجة « ثم قررت كتابة مقالات حول الموضوع على أعمدة صحيفة يومية يحرص السياسيون على مطالعتها طرحت على نفسي سؤالا صعبا ربما له طابع فلسفي او وجودي وهو : «هل يمكن لانسان واحد صادق ان يغير العالم الى الأفضل»
ربما يفسر هذا شعوري بانني أعيش هذه الأيام ومنذ قرابة السنة اجمل قصص القرن الحادي والعشرين ,قصة تشبه عالم الخيال اكثر الواقع ويتشابك فيها الحلم بالحقيقة ويتداخل فيها عالم الطفولة المفتوح على الحياة بعالم السياسة الميت ودفعني هذا الى معرفة كل كبيرة وصغيرة عن الفتاة التي نجحت في اختراق واحراج عالم السياسة الجامد والمغلق على نفسه .
تقول الفتاة مجيبة على أسئلة الصحافيين : «عند سن العاشرة من عمري او اقل سمعت من معلمتي في المدرسة ولأول مرة عن «التغيرات المناخية» و اثر قراءة مقالات وكتب كثيرة عن الموضوع تفتحت عيني على حقيقة خطيرة وهي ان البشرية تعيش تهديدا جديا بالفناء اذا لم يقع التحرك السريع من اجل التخلي الكلي عن حرق الطاقات التقليدية (نفط وغاز وفحم) المسببة للاحتباس الحراري عبر اطلاقها للغازات الدفيئة واولها ثاني أكسيد الكربون «.
«شعرت ان هناك ازمة كبيرة وفي نفس الوقت لم يكن هذا موضوع الصفحات الأولى للصحف ولا الاهتمام الأول للسياسيين وجعلني هذا اعيش أزمة نفسية داخلية كبرى دفعتني الى الامتناع عن الكلام والاكل مما جعلني افقد قرابة العشركيلوغرامات من وزني» .
«بالنسبة لي كانت المسالة «اما ابيض او اسود» اذ لم افهم كيف لم نتصرف وكاننا في ازمة ونحن نواجه مشكلا كبيرا ولذلك قررت ان اتحرك بمفردي فاعلمت والدي بانني قررت الاعتصام امام مقر البرلمان للتعبير عن رفضي لبرود السياسيين قصد حثهم على الفعل».
ما يدعو الى مزيد الاعجاب بالفتاة انها قررت ان تبدا بنفسها بتقليص بصمتها الكربونية فقررت مثلا عدم ركوب الطائرة وتخيير القطار في تنقلاتها البرية وان تكون نباتية وان لا تقتني مشتريات جديدة مثل اللباس وقد نجحت في التاثير في عائلتها الصغيرة كي تتبع نفس السلوك .
تقول الفتاة «منذ ان بدات في إيصال صوتي الى العالم شعرت ان حالتي النفسية تحسنت كثيرا لاني اشعر باني افعل شيئا ذا قيمة».
هذه الأيام تجوب الفتاة القارة الامريكية مشاركة تلاميذ المعاهد اعتصاماتهم والقت كلمة امام أعضاء من الكنغرس الأمريكي (اكتفت فيها بتقديم اخر تقرير لمجموعة علماء الأمم المتحدة حول المناخ GIEC) وستحضر مؤتمرا تنظمه الأمم المتحدة حول المناخ قبل ان تتحول الى الشيلي حيث ستدورفي شهر ديسمبر الدورة الخامسة والعشرون لقمة الأرض COP 25حيث من المنتظر ان تلقي كلمة.
تساءلت وانا اتابع فصول هذه القصة الاستثنائية :ماذا لوكانت Gretaتونسية? هل كانت عائلتها ستتفهم نبوغها, هل كانت إدارة مدرستها الإعدادية ستمنحها رخصة للاعتصام كل يوم جمعة ثم رخصة للغياب لمدة سنة كاملة حتى تبلغ رسالتها الى قارة أخرى وهل كان يمكن لها وهي في سنها الصغير ان تتكلم بانقليزية سلسة تمكنها من التواصل مع العالم ?
وانا أتساءل أيضا وانا اعلم ان موجة الاعتصامات من اجل المناخ والتي أصبحت تسمى «أيام الجمعة من اجل المستقبل» وصلت الى تونس :كيف سيكون رد فعل الاولياء وأيضا وزارة التربية لو توسعت هذه الظاهرة لتمس عددا اكبر من تلاميذنا ?
وفي انتظار الإجابة عن اسئلتي فانGreta دعت من أمريكا كل أنصارها في العالم الى اعتصامين شاملين (في كل دول العالم ) يومي الجمعة 20و27سبتمبر …