رسالة مفتوحة كانت خلاصتها اننا نعيش اليوم في واقع بيئي كوني يحتم علينا الاتجاه مستقبلا الى نموذج اقتصادي محلي ومستدام يحاكي الخصوصيات الطبيعية والبشرية والتاريخية لكل جهة, ويعتمد على طاقات نظيفة مثل الرياح والشمس المتوفرة بغزارة ببلادنا والتي أصبحت كلفة انتاجها مشجعة .
ومنذ ذلك التاريخ (5اشهر ) اتتني اشارتين : الأولى هي ندوة وطنية لتسريع انتاج الطاقات المتجددة في تونس (اشرف على افتتاحها رئيس الحكومة بنفسه ) وضعت هدفا جريئا وهو انتاج ربع استهلاكنا من الكهرباء النظيفة في افق سنة 2030.
اما الإشارة الثانية فكانت اكثر شمولا ووضوحا (على الأقل بالنسبة لي ) وهي الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة يوسف الشاهد صحبة وفد وزاري إلى ولاية توزر والتي كانت تقريبا الترجمة العملية الحرفية لما كنت دعوت اليه في اطار رسالتي .
وهنا اريد ان الاحظ ملاحظتين :
الملاحظة الأولى هي انني كمواطن بسيط لا يملك الا مجموعة أفكار وقناعات ومحبة صادقة لهذا الوطن لا ادعي ان رئاسة الحكومة قد قرات مقالي واعجبت بمحتواه وقررت بالتالي الاستئناس بما جاء فيه من توصيات (رغم اني اتمني ان يكون هذا صحيحا) ولكنني وفي نفس الوقت لا استطيع ان لا اتفاعل إيجابيا عندما أرى ان خلاصة أفكاري تترجم فعليا وبإرادة سياسية واضحة ولو في ولاية واحدة .
الملاحظة الثانية هي انه ورغم أهمية الحدثين اللذين أشرفت عليهما رئاسة الحكومة فإنهما لم يحضيا بما يستحقانه من تغطية إعلامية وخاصة في منابرنا الإذاعية والتلفزية التي لم ير اغلب منشطيها ان الحدثين النوعيين يستحقان النقاش والتحليل وإعطاء مزيد من المقترحات وربما النقد وهذا اعتبره نقطة من نقاط ضعف اعلامنا الذي يركز على نوعية «مغرية» من الأحداث لأنها ببساطة أكثر «تجارية «وربما أيضا لان الاحداث النوعية تتطلب نوعا من «الثقافة» و«الوعي» يبدو انها ليست اليوم من أولويات الإعلامي ولا حتى المتلقي .
ولكن لماذا كانت زيارة يوسف الشاهد إلى توزر نوعية ومميزة ?
أولا لان المسؤول الأول في الدولة اعطى إشارة انطلاق اول محطة شمسية لتوليد الكهرباء في تونس والتي يقدر انها ستلبي حاجيات كامل ولاية توزر من الكهرباء في افق سنتين او ثلاث سنوات وهذا حدث اعتبرته نوعيا ليس فقط لأنه الأول في بلادنا ولكن أيضا لإمكانية أن تنتقل هذه التجربة على الأقل وفي مرحلة ثانية الى كامل ولايات الجنوب واولها ولاية قبلي المجاورة مع ما يعنيه ذلك من اثار إيجابية ليس فقط من ناحية كمية ونوعية الطاقة المنتجة ولكن أيضا من ناحية الحركية الاقتصادية التي سيحدثها انتاج اللوحات الشمسية مثلا وصيانتها وإمكانية تطويرها وأيضا الصيت العالمي الطيب الذي ستحدثه هذه المحطات التي وعلى الأرجح ستكون مستقبلا قبلة زوار من كثير من دول العالم للاستئناس بها مثل ما وقع مع المحطة الشمسية «نور» بالمغرب الشقيق .
ثانيا وقع الإعلان عن إحداث منطقة سقوية جديدة مساحتها 1000 هكتار يبدو ان النية تتجه نحو توزيعها على شباب الجهة المعطلين عن العمل .
تحدث رئيس الحكومة عن «فلاحة بيولوجية» قال ان الجهة مؤهلة بامتياز لاحتضانها وهذا مفهوم بحكم ان أشجار النخيل التي مثلت الأساس الأول لفلاحة المنطقة لا تتطلب عادة تدخلا «كيميائيا» وبالتالي فان المنطقة ورغم ان واحاتها الغناء بها طابقين فلاحيين اخرين متكونين من أشجار مثمرة واخر سفلي للحبوب او الخضروات بقيت بعيدة «نسبيا» عن ويلات الفلاحة الكيميائية وجعلتها اقرب ما يكون من «العذرية» وهي صفة ان وقع تعزيزها في المستقبل ستعطي المنطقة قيمة مضافة :
فالواحة البيولوجية يمكن ان تكون اطارا مميزا لاستقبال دور ضيافة وهكذا فإنها تتجاوز دورها الأصلي المهم (ضيعة فلاحية ) لتعطي بديلا سياحيا وبالتالي دخلا إضافيا لأصحابه.
والسياحة في توزر كما فلاحتها هي نشاط مختلف عن المألوف هي سياحة نوعية , فنادقها تطل على كثبان رملية مترامية الى ما لانهاية وزوارها يبحثون عن مشاهد وتجارب مختلفة مثل التجوال والتأمل والتخييم في الصحراء .
وان عرف هذا النشاط تراجعا ملحوظا في السنوات الماضية فانه بدأ يتعافى شيئا فشيئا في المدة الأخيرة .وقد حملت الزيارة الحكومية الإضافة الى قطاع داعم للسياحة وهو قطاع الصناعات التقليدية بإقرار خطة وطنية جريئة للنهوض بهذا النشاط المهم الذي يحمل شخصيتنا وهويتنا ويشغل عشرات الالاف من اليد العاملة المميزة :
خطة متكاملة لرؤية تنموية شاملة
اكثر من 50 مليون دينار سوف تصرف على خطة متكاملة من اهم أهدافها «دعم التنمية المستدامة والمتوازنة بالجهات» ومن اهم الياتها «تحسين الجودة» و«النهوض بالتغطية الاجتماعية للعاملين والمبتكرين « وتعزيز التعريف بالقطاع» و «انشاء قرى حرفية» و …
جاء على لسان رئيس الحكومة ان ولاية توزر مؤهلة بامتياز لما اسماه «الاقتصاد الأخضر» وهو مربط الفرس لكل ما اردنا ان نقوله فان يكون للسلطة الحاكمة هذا الوعي فهذا شيء مهم للغاية في الظرف الكوني الذي نعيشه .
ولاجل كل ما تقدم فاني اعتبرت هذه الزيارة اكثر من مميزة أولا لأنها كانت متناسقة مع فكرة جميلة وهي التنمية المستدامة وثانيا لان مبادئها يمكن ان تطبق على ولايات مجاورة, لها تقريبا نفس الجغرافيا مثل ولاية قبلي وثالثا لان ما سيقع في توزر يمكن ان يكون نقطة انطلاق لرؤية تنموية شاملة ومغايرة سمتها الأساسية «الاستدامة».