حتى لا تموت الحياة في سبخة السيجومي ...

نداء استغاثة اطلقته جمعية احباء الطيوراخيرا في شكل رسالة أرسلها رئيسها السيد هشام الزفزاف الى السيد وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري كان موضوعها طلبا للتدخل لمنع تهيئة عمرانية محتملة على ضفاف سبخة السيجومي لا تراعي

الخصوصيات الايكولوجية للمنطقة الرطبة المتاخمة للعاصمة ...

قبل سنتين تقريبا كتبت على نفس هذه الصفحات (واثر زيارة قام بها رئيس الحكومة آنذاك ) مقالا بعنوان «منطقة رطبة ذات أهمية عالمية وواقع سيء بكل المقاييس « كان موضوعه سبخة السيجومي .

ختمت مقالي آنذاك بمجموعة من التوصيات كانت خلاصتها ان كل تدخل مستقبلي في السبخة يجب ان يراعي الخصوصيات الطبيعية المهمة للمكان وان يقع تشريك خبراء الطيور والبيئة في كل مشروع تهيئة مستقبلي.

يبدو ان الأمور تطورت في المدة الأخيرة في اتجاه ازعج مسؤولي جمعية احباء الطيور الذين يعرفون اكثر من غيرهم طبيعة هذه المنطقة الرطبة بحكم متابعتهم الدورية لطيورها المشتية والمعششة والتي تاوي اليها في فصل الربيع للاستراحة قبل مواصلة طريق هجرتها نحو أوروبا .

ففي الرسالة الموجهة الى السيد وزير الفلاحة تذكر الجمعية ان هناك دراسة وقعت اخيرا هدفها تهيئة وتنمية سبخة السيجومي قدمت سيناريوهات وتوجهات لاتراعي افضلها الخصوصيات البيولوجية للمكان بل اكثر من ذلك هي تغيركليا وتدمر التوازن البيئي والوظيفي له.

في حديثي مع السيد هشام الزفزاف ذكر لي مثلا ان تغيير عمق المياه على ضفاف السبخة ستكون له تداعيات كارثية بالنسبة للطيور المائية التي تحتاج الى مناطق غير عميقة حيث يوجد اكلها مثل الديدان الرقيقة وغيرها وذكر لي مثال تهيئة بحيرة تونس الشمالية حيث وقع تغيير عمق المياه فاختفت الطيور نهائيا .

ولتفسير سبب احتجاج جمعية احباء الطيور اجد نفسي مجبرا للتذكير بأهمية سبخة السيجومي التي يبدو ان الفكرة العامة لدى الناس وحتى لدى مسؤولي الدولة عنها خاطئة وتتلخص عامة في كونها مكان منخفض شاسع متاخم للعاصمة تتجمع فيه مياه راكدة هي السبب الأول لتوالد حشرة الناموس المزعجة في فصل الصيف وأيضا لانبعاث روائح كريهة مردها المياه المستعملة للمناطق المتاخمة وأيضا للمزابل ولبقايا البناء التي أصبحت تلقى على ضفاف المنطقة الرطبة .

هذه الفكرة الشائعة لدى الغالبية غطت وفي ظل ثقافة بيئية متدنية على حقيقة ان هذا المكان الرطب الذي لا يتجاوز عمقه المتر الواحد والذي تبلغ مساحته قرابة 3000 هكتارا هو في الحقيقة احد الأنظمة الطبيعية الأكثر أهمية في المغرب العربي كله .

فمنذ سنة 2013 صنفت سبخة السيجومي كرابع اهم منطقة اشتاء للطيور المائية في شمال فريقيا ,ولاعطاء مثال على ذلك احصت جمعية احباء الطيور يوم 19 جانفي 2017 زهاء 95475 طائر تمثل قرابة 20 في المائة من الطيور المشتية في كامل مناطقنا الرطبة وتنتمي الى انواع كثيرة منها المحمي مثل النعام الوردي الذي يمكن ان تتجاوز اعداده 20 الفا او البط ابيض الراس النادر والموجود تقريبا الا في تونس اوالأزرق الأحمر هو نوع من البط شديد الندرة أيضا او بط البلقوت الذي يمكن ان تصل أعداده الى اكثر من 12 الفا .

كل هذا جعل الهيئات العالمية تعطي سبخة السيجومي تصنيفين عالميين الأول ادراجها ضمن قائمة «رمسار» للمناطق الرطبة المهمة في العالم والثاني تصنيفها كـ«منطقة مهمة من اجل المحافظة على الطيور» والتي يصطلح عليها عالميا بـ«منطقة ZICO» .

كما ان للسبخة دور طبيعي اخر لا يقل أهمية وهو حماية المناطق المتاخمة لها من الفياضانات لاستقبالها مياه الامطار .

وهذه الحقائق كان يمكن توظيفها من اجل ان تكون ضفاف السبخة مكانا للاستراحة ولممارسة الرياضة وللتربية البيئية ولكن بدلا من ذلك وقع الى حد الان الاعتداء على حرمتها من طرف المواطنين وحتى الدولة (نستطيع ان نذكر مثالا الطريق السريعة على الجهة الغربية ) .

يقول السيد هشام الزفزاف ان دراسة سابقة قامت بها وكلة حماية وتهيئة الشريط الساحلي لتهيئة ضفاف المنطقة الرطبة كانت تحترم طبيعة المكان اما الدراسة الأخيرة فانها ستجعل السبخة (لا قدر الله ) لا تستجيب لشروط تصنيفها العالمي وسوف تجعل بلادنا محل تساؤل دولي لانها وقعت كذلك على معاهدة دولية للحفاظ على الطيور المائية المهاجرة بين افريقيا وأوروبا واسياAEWA .

ولاجل كل ماتقدم فان كل غيور على طبيعة هذا الوطن لا يسعه الا ان ينظم الى دعوة جمعية احباء الطيور بان لا يقع أي تدخل يمكن ان يشوه الى الابد منطقة رطبة ذات أهمية عالمية قصوى وان يقع تشريك خبراء البيئة وعلى راسهم جمعية احباء الطيور في أي نية مستقبلية لتهيئة المكان خاصة وان وزارة البيئة ممثلة في شخص السيد الوزير ذكرت في اكثر من مرة ان خيار الاقتصاد الأخضر والمستدام هو خيار استراتيجي للدولة التونسية مستقبلا ...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115