طبعا الخبر قدم على انه خبر سعيد علينا تقبله بكل فرح بما انه سيوفر العمل واكاد اخمن انه وقبل انشاء المصانع الملوثة على سواحل قابس الغالية (والتي كانت هي الأخرى ذات ميزات طبيعية فريدة ) كان يروج لتلك المشاريع حينها على انها ستجلب الخير الوفير للناس وعلى راسها الشغل والرفاهية قبل ان يدرك اهالينا في قابس انهم فرطو في اهم ما يملكون وهو نوعية حياتهم .
يبدوان القائمين على ولاية نابل متحمسون لهذا المشروع الذي يمتد على مساحة 4OO هكتار منها 50هكتارا مبنية بالاسمنت وتشمل مساكن ومكاتب وفضاءات اقتصادية ونزل فخمة وميناء ترفيهي وملعب صولجان وغيرها وهذا يعني باختصار انها مدينة سياحية كلاسيكية على شاكلة مدينة «ياسمين الحمامات» ولكن الفرق الوحيد انها على جغرافيا «مختلفة».
ولكن ماذا اقصد بـ«جغرافيا مختلفة» :
لمن لا يعرف ولاية نابل لا بد من التذكير بمعطى طبيعي مهم وهو ان الولاية هي شبه جزيرة وان سواحلها الشمالية والتي تشمل إداريا معتمديتي الهوارية وتاكلسة وتمتد على قرابة السبعين كيلومترا هي سواحل شبه عذراء لقلة عدد السكان مقارنة بالسواحل الجنوبية للولاية حيث تركز اكثر من 90 بالمائة من النشاط الاقتصادي للجهة .
ولذلك تبدو شبه الجزيرة وكانها مقسومة الى قسمين يفصل بينهما جبل عبد الرحمان .
والفرق بين القسمين ليس «ديموغرافيا « فقط وانما أساسا طبيعي فالجغرافيا في القسم الشمالي اكثر تنوعا واكثر جاذبية من القسم الجنوبي لتواتر الشواطئ الرملية العذراء والصخرية والغابات والجبال والضيعات الفلاحية والمياه المعدنية الباطنية الساخنة وغيره في اطار ريفي قليل السكان .
وهذا الفضاء الطبيعي يشمل مثلا شواطئ «العرقوب» الصخرية بالهوارية وأول محطة لتوليد الكهرباء النظيفة (رياح) بسيدي داود وجزءا من غابة دار شيشو التي زرعتها فرنسا لوقف زحف رمال الشواطئ على الأراضي الفلاحية وشواطئ الرتيبة وزوقاق المحاذية لغابات الصنوبر الحلبي والتي تعلو كثبانها الرملية الذهبية قرابة الاربع امتار ومنطقة «وادي العبيد « بنباتاتها البرية وخاصة الذرو والزيتون البري وأيضا منطقة «مرسى الامراء» والمحطة المعدنية «قربص» المحاذية لجبل تاكلسة وغيرها من المناطق..
لقد كتبت سابقا وفي اطار هذه الصفحات عن خصوصيات بعض هذه «الجنات « وقلت انها مؤهلة بامتياز لان تكون أرضية لسياحة مختلفة وبديلة تكون الاستدامة سمتها الأساسية .
عندما نقرا مكونات المشروع سوف نلاحظ في الأخير بعض» البهارات «البيئية مثل استعمال الطاقات المتجددة (الطاقة الشمسية ) أو تثمين النفايات أو أيضا غياب المحركات التي تعتمد على الاحتراق وهذا جيد ولكن عندما نقرا بقية المكونات نلاحظ ان الرؤية العامة ليست بيئية .
لايمكن ان تكون السياحة في مثل هذه المناطق مكثفة وشبيهة بتلك الموجودة اليوم بالحمامات مثلا .
لا يمكن ان يكون الاسمنت هو المادة الأساسية للبناءات وانما يجب ان تكون مواد أولية طبيعية تندمج مع المحيط مثل الطين او الخشب او الحجارة .
لا يمكن للمسالك البيئية ان تكون اسفلتية لان ذلك سيشوه الغابة والجبل .
وهذا هو التحدي في نظري وهو :كيف نستطيع ان نؤهل طبيعيا هذه المنطقة لتكون «منتجعا « فريدا في العالم يعطي لبلادنا قيمة مضافة وذلك دون المساس من نقائه وعذريته.
ومثل هذه المنتجعات هي ملذات للراحة والاستجمام وأيضا لمجالات أخرى مثل التامل والعلاج الطبيعي والرياضة والتربية البيئية وأيضا من اجل السلام اذ يمكن ان يشمل المشروع جامعة تدرس سبل إحلال السلام في النفس أولا ثم في العالم مثل تلك الموجودة في كوستاريكا والمعروفة دوليا والتي طلبتها من كثير من دول العالم .
ولاجل ما تقدم فاني اهيب بالسلط الجهوية وعلى راسها السيد الوالي بان لا تتسرع وان تكون فلسفة المشروع ومكوناته موضوع استشارة واسعة ومعمقة تشمل الايكولوجيين خاصة وان الدولة ممثلة في السيد وزير الشؤون المحلية والبيئة أعلنت في عديد المناسبات اختيارها للاقتصاد الأخضر كخيار مستقبلي لبلادنا .
اننا لا نشك في النوايا الطيبة لممثلي السلط الجهوية في حرصها على دفع التشغيل بالجهة ولكننا ندرك أيضا ان النوايا الطيبة وحدها لا تكفي لإحلال التنمية المستدامة التي نتوق اليها جميعا والتي نؤمن بانها قادرة على حل كثير من مشاكلنا .