عمليّات الصّيرفة الإسلاميّة في قانون البنوك والمؤسّسات الماليّة

بمقتضى القانون عدد 48 لسنة 2016 المؤرخ في 11 جويلية 2016، والمتعلّق بالبنوك والمؤسّسات الماليّة، تمّ، ولأوّل مرّة في تونس، تقنين نشاط الصّيرفة الإسلاميّة، التي كانت تمارس منذ سنوات طبق النّصوص العامّة المنظمة للنّشاط البنكي في غياب إطار قانوني

يأخذ خصوصيّاتها بعين الإعتبار، وذلك بالرّغم من أسبقيّة إرساء المشرّع التونسي لنظام جبائي خاص للتّمويل الإسلامي بمقتضى قانون الماليّة لسنة 2012.
وقد تمّ التّنصيص على عمليّات الصّيرفة الإسلاميّة بالفصل 4 من القانون الجديد كعمليّات بنكيّة، ليتمّ تقديمها بالفصل 11 في شكل قائمة وردت على سبيل الذّكر، وتعريف البعض منها في الفصول الموالية، على أن يصدر محافظ البنك المركزي التونسي في أجل أقصاه شهران من دخول القانون حيز النّفاذ منشورا يعرّف هذه العمليّات ويضبط صيغ وشروط ممارستها.
و إسهاما منّا في التّعريف بعمليّات الصّيرفة الإسلاميّة مثلما وردت في القانون الجديد و تبسيط فهمها، نتولّى في ما يلي التّعرّض إلى مختلف هذه العمليّات، مع الإشارة إلى أنّ المشرّع التّونسي تبنّى أهم عمليّات الصّيرفة الإسلاميّة الرائجة في العالم وهي:
1 - المرابحة:
تتمثّل المرابحة التي عرّفها المشرّع صلب الفصل 12 من القانون في قيام البنك بناء على طلب حريفه بشراء منقولات أو عقارات أو سلع معينة من مالكها الأصلي ليتولى بيعها في مرحلة ثانية للحريف المذكور بثمن يعادل تكلفتها زائد هامش ربح محدّد يُتّفق عليه منذ البداية بين البنك و الحريف ويتم خلاصه على أقساط. وعادة ما يقع اعتماد عقد المرابحة لتمويل شراء العقارات و وسائل النّقل و المواد الأوليّة و المعدّات الصناعيّة.
2 - التمويل بالإجارة مع خيار التملك:
ينصّ الفصل 13 من القانون على هذه الآليّة التي تتمثّل في قيام البنك بصفته «مؤجّرا» بشراء تجهيزات أو معدات أو عقارات ليتولى تسويغها لحريفه بهدف الاستغلال المهني لمدة معينة مقابل معينات كراء تؤدَّى في آجال معلومة على أن يمنح البنك للحريف خيار شراء تلكم التجهيزات أو المعدات أو العقارات خلال مدّة الكراء أو في نهاية الأجل.
وتجدر الإشارة إلى أنّ تقنية الإجارة تمثّل في واقع الأمر أصل تقنية ما يعرف بالإيجار المالي أو «اللّيزينغ»، المستلهم في الأصل من تقنيات الصّيرفة الإسلاميّة و بالتّحديد من تقنية الإجارة من ذلك أن المشرّع نصّ صلب الفصل 13 من قانون البنوك و المؤسّسات الماليّة على إنطباق أحكام القانون عدد 89 لسنة 1994 المتعلق بالإيجار المالي على عمليّات التّمويل بالإجارة مع خيار التّملك ما لم تتعارض مع أحكام هذا القانون.
3 - المضاربة:
تمّ التّنصيص على هذه التّقنية ضمن القائمة الواردة بالفصل 11 من القانون دون تعريفها. وتتمثل المضاربة في دفع البنك بصفته «ربّ المال» مبلغا ماليّا للحريف بصفته «مضاربا» ليتولّى إستثماره، على أن يتمّ إقتسام الرّبح بينهما حسب النّسبة التي يتّفقان عليها. أمّا في ما يتعلّق بالخسائر، فإنّ نسبة المخاطرة يتحمّلها الطّرفان بحيث يخاطر البنك بخسارة رأس المال على أن يتحمّل المضارب بقيّة المخاطر الأخرى من ديون وغيرها.
4 - المشاركة:
تتمثّل المشاركة في مساهمة البنك نقدا أو عينا مع حريفه في رأس مال شركة أو مشروع معيّن. ويتمّ توزيع الأرباح المحقّقة وفقا لقاعدة توزيع محدّدة مسبقا على أن يتمّ تحمّل الخسائر عند حدوثها وفقا لحصّة كل طرف في رأس المال المستثمر.
وقد يكون تسيير المشروع من قبل الطرفين أو أحدهما. ويمكن للمسيّر الإنتفاع بمبلغ اضافي من الأرباح مقابل المجهود المبذول في التّسيير، كما يحقّ لأيّ من الطرفين أن يبيع مساهمته لطرف ثالث خلال مدّة العقد.
5 - الإستصناع:
يتمثّل الاستصناع في قيام البنك، بناء على طلب حريف بصفته «مستصنعا» تمويل صنع منقول أو بناء عقار موصوف وصفا يحدّد نوعه وقدره وخاصياته. و يقوم البنك بالتعاقد مع من يتولى صنع ما التزم به من منقول أو عقار لفائدة حريفه (المستصنع)، ويسمّى المتعاقد معه «صانعا»، كأن يكون مقاول بناء مثلا. ويتولّى البنك تسلّم المصنوع من الصانع وتمكينه من ثمنه، ليقوم فيما بعد بتسليمه للحريف مقابل ثمن محدّد يتم خلاصه في آجال محدودة ودون ربط بين العقدين.
6 - السّلم:
يعتبر سلّما على معنى الفصل 15 من قانون البنوك و المؤسّسات الماليّة، كلّ عمليّة بيع آجل لمنقولات ماديّة بثمن يدفع عاجلا، وهو معاملة مالية يتم بموجبها تسبيق دفع الثمن من قبل البنك بصفته المشتري وتقديمه إلى البائع «المسلّم إليه» الذي يلتزم بدوره بتسليم بضاعة مضبوطة في أجـل محدّد.
ويتمّ اللّجوء إلى هذا العقد مراعاة لحاجات البعض على غرار الفلاح الذي لا يملك المال الكافي لزراعة أرضه، فيلجأ إلى بيع منتوجه إلى البنك بصفة مؤجلة ليتسلّم الثمن في الحين حتى يتمكن من تغطية حاجياته الماليّة، وينتفع البنك في المقابل من تخفيض في الثمن، بالنّظر إلى الطّابع المؤجل لتسلّم البضاعة، بالإضافة إلى تأمينه لمخاطر تقلّب الأسعار.
7 - الودائع الإستثماريّة:
تعتبر ودائعا استثماريّة على معنى الفصل 16 من القانون، المبالغ التي يضعها أصحابها بأيّة وسيلة من وسائل الدّفع في حساب لدى بنك بمقتضى عقد مضاربة أو وكالة لاستثمارها لمدّة محدّدة وبصفة مقيّدة أو مطلقة في أصول. ولا يضمن البنك في هذا الإطار أيّة خسارة للاستثمار ما لم يَثبُت تقصيره أو مخالفته للشروط التعاقدية.
ويمكن القول في الختام أن وضع إطار قانوني للماليّة الإسلاميّة في تونس يعدّ خطوة هامّة سواء على المستوى القانوني أو الإقتصادي، خصوصا و أن الماليّة الإسلامية وُجِدت في بلادنا منذ عشرات السنين لكنّها ظلّت تمارس في إطار قوانين عامّة لا تأخذ خصوصياتها بعين الإعتبار وهو ما لم يجعلها تتطوّر على غرار ما حدث في عديد الدول بما في ذلك أوروبا و أمريكا. ولا شكّ أنّ الإطار الجديد للماليّة الإسلاميّة سوف يخلق ديناميكيّة جديدة في السّوق التونسية سواء من حيث تنشيط الإستثمار والحياة الإقتصادية أمام ما يقدّمه من منتجات بنكيّة جديدة و متنوّعة أو من حيث تطوير المنافسة في سوق الخدمات المصرفيّة.

كريم بن حميدة، محام مختصّ في قانون الأعمال و باحث في الماليّة الإسلاميّة

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115