وتعافي المالية العمومية وتعافي الدينار واستقرار الموجودات الصافية من العملة الأجنبية وعديد المحاور الأخرى مرتبطة بالتوصل إلى اتفاق على برنامج إصلاح مازال في علم الغيب مصيره أو حتى تفاصيله الدقيقة.
كانت كل المراحل التي مرت بها رحلة السلطات التونسية لأجل التوصل إلى اتفاق ثنائي مع صندوق النقد الدولي تتنزل في الظرف المحلي وتأخذ بعين الاعتبار كل الجوانب المحيطة بالوضع العام للبلاد ففي 2013 تمكنت تونس من الحصول على اتفاق تحت مسمى «اتفاق الاستعداد الائتماني» تحصلت بموجبه على 1.7 مليار دولار وقال الصندوق آنذاك إن القرض سيدعم البرنامج الاقتصادي للسلطات التونسية الهادف إلى حماية استقرار الميزان الخارجي والتشجيع على نمو أقوى لم يتم صرف القسط الأخير منه لعدم التزام تونس بإنهاء النقاط المتفق عليها وتمتعت تونس في تلك الفترة بدعم دولي غير مشروط دعما للمسار ولبناء ديمقراطية جديدة.
في 2016 وافق صندوق النقد الدولي على منح تونس قرضا جديدا تبلغ قيمته 2.9 مليار دولار على مدى أربع سنوات، الاتفاق الذي كان اثر تعرض تونس لهجمات إرهابية في 2015 والتي أدت إلى تعميق ركودها الاقتصادي والقيام ببرنامج إصلاح اقتصادي واجتماعي يضم نقاطا عديدة إلا انه تم إيقاف البرنامج اثر إمضاء اتفاق التّرفيع في الأجور بين حكومة الشاهد والاتحاد العام التونسي للشغل في حين نص الاتفاق على التخفيض في كتلة الأجور.
لم يتوقف التعاون بين تونس وصندوق النقد الدولي فقد دفعت جائحة كوفيد 19 الصندوق إلى مساعدة البلدان لمواجهة الآثار الكارثية للجائحة وحماية الأرواح وحصلت تونس في 2020 على خط تمويل سريع ثم استفادت من حقوق السحب الخاصة إلا أنها تظل غير كافية لإرضاء الممولين فتونس لم تعد قادرة على الخروج إلى الأسواق المالية الدولية وطرح سنداتها التي لم تعد تثير نهم المستثمرين نظرا لتدني تصنيفها الائتماني والتشكيك في جدارتها الائتمانية والقدرة على تسديد ديونها رغم الخطاب التونسي الذي يطمئن الجميع بان تونس لن تتخلف عن سداد ديونها إلا أن الحديث عن إمكانية أن تصبح ديون تونس غير مستدامة يزيد من صعوبة التمويل الخارجي وهنا تبرز أهمية اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يعد الحافز الأول لأي جهة حتى تثق في الوجهة التي تطرح سندات، لكن المسار المحفوف بمخاطر الفشل يترك انطباعا لدى كل الأطراف الخارجية بان تونس ليست في وضع يمكنها الحصول على تمويلات بيسر بل إنها في وضع أعسر ما يكون في مقارنة ببقية الدول ف»كابيتتال ايكونوميكس» نشرت في الأسبوع الماضي مقالا تحدثت فيه عن الفرق بين مصر وتونس حيث تبدو مصر في طريق مفتوح للحصول على القرض في حين قالت ان آمال تونس في اتفاق إقراض جديد تبدو ضئيلة.
الظروف التي أخذها النقد الدولي في المحطتين السابقتين بعين الاعتبار مراعاة للحالة التونسية أصبح اليوم منن الصعب اعتبارها ضمن النقاط المشجعة على الإقراض فتونس بعد نحو 12 سنة من الثورة لم يعد لديها مخزون نقاط يمكن الالتجاء إليه لأجل استمالة المؤسسة المالية الدولية. الصعوبة لا تعني التخلي فالاتفاق المنشود أصبح ضرورة حياتية لتونس في وقت ربطت فيه كل المؤسسات الدولية انفراج التمويل الخارجي بالتوصل إلى برنامج ثنائي. ولهذا فان تونس اليوم في وضع يسمح بتجاوز هذه المحطة ويمكن القول أن صندوق النقد الدولي إما أن يستجيب أوان يستجيب فأي خيار أخر غير مسموح به!