آثار التغيرات المناخية في الفلاحة التونسية: انتهت مياه الأرض.. الأمر متروك للسماء ...

• بين 300 و400 الف هكتار زراعات كبرى تهدر سنويا
• الإنتاج الفلاحي في الجهات لا يحترم الخصوصيات المناخية ومعدلات الامطار فيها
• جفاف سدود القيروان و10 آلاف هكتار زراعات سقوية يتهددها الجفاف

التغيرات المناخية ظاهرة اصبحت شيئا فشيئا خطرا يهدد وجود الإنسان بعد ان اصبح مهددا في أمنه الغذائي وتعد تونس من ابرز البلدان التي يترصدها هذا الخطر وفق عديد التقارير الصادرة في هذا الغرض. هذا الخطر لم يعد مجرد محور للندوات بل أصبح واقعا معاشا بالنسبة إلى الفلاحين خاصة الذي وجدوا أنفسهم في مواجهة التغيرات لوحدهم دون وجود اي خارطة لهذه المرحلة التي لن تكون مؤقتة ليصبح التكيف معها يستوجب برامج تخطيط للسنوات القادمة.
تواجه كل جهات البلاد خطر الجفاف فتونس في مرمى التغيرات المناخية وتظهر اثارها من سنة الى اخرى وهو ما يجعل تحدي اخطارها يتطلب جهودا مشتركة باعتبار ان المجموعة الوطنية معنية بكل المستجدات والأخطار المتوقعة.
كل الزراعات اصبحت سقوية
كان صيف هذا العام إنذارا قويا بان ارتفاع درجات الحرارة يمكن ان تستمر لأيام وأسابيع طويلة يقول المولدي الرمضاني رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بولاية القيروان ان الولاية سجلت لمدة شهرين متتاليين ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة، ليؤكد الرمضاني ان الفلاح أصبح يعيش في وضع مغاير تماما لما كان يعرفه في السنوات الماضية. «تقريبا لم يعد هناك زراعات بعلية في الجهة فكل الغراسات تحتاج الى المياه في ظل نقص الأمطار الحاد»
ويتهدد الجفاف نحو 10 الاف هكتار من الزراعات السقوية في الجهة بعد جفاف ثلاثة سدود وهي سد نبهانة وسد الهوارب وسد سيدي سعد. ليجد الفلاح نفسه في مواجهة الوضع الجديد لوحده ليتم استغلال مفرط للمائدة المائية نظار لتأثير ارتفاع درجات الحرارة
ولفت المتحدث إلى أن ولاية القيروان تنتج نحو 27 الف هكتار حبوب سقوية و 8000 هكتار فلفل و 2000 هكتار طماطم و1000 هكتار بطاطا و 3500 هكتار جلبانة وغيرها من الزراعات الأخرى ، بالإضافة إلى انه من بين 10 مليون شجرة زيتون في الجهة 10 % منها هي زياتين سقوية، الغراسات الأخرى التي تعتمد على المياه هي الرمان وتقدر مساحتها بـ 15 الف هكتار والقوارص مساحات هامة والمشماش اذ يمثل إنتاج القيروان 45% من الإنتاج الوطني. ومن بين الحلول الممكنة يقول المتحدث انه لابد من تحديد الحاجيات من بعض الزراعات التي تحتاج الى كميات كبيرة من مياه حتى يتم تجنب اتلاف كميات كبيرة منها.
من مناخ شبه جاف الى مناخ جاف
من جهته يؤكد خالد العراك مساعد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالتخطيط الاستراتيجي للمغرب ان مسالة التغيرات المناخية تشهدها تونس منذ سنوات وانتقلت من مناخ شبه جاف الى مناخ جاف ،و لابد للدولة أن تتحمل مسؤوليتها، فدون إرادة سياسية لا يمكن تحقيق المرور الى مرحلة يمكن معها التكيف مع المستجدات. فالأزمات حسب المتحدث تستوجب الاستشراف.
وفيما يتعلق بالحلول يقول العراك انها في خطوطها العامة ترتكز على ايجاد مصادر مياه غير تقليدية على غرار تحلية مياه البحر في تونس مسالة الخارطة الفلاحية، والتزام كل جهة بخصوصياتها الفلاحية.
بذور لاتحترم الخصوصيات المناخية
يستنكر شكري الدجبي رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بباجة مواصلة برمجة بعض انواع البذور للبذر على غرار «الخيار» التي تعد من البذور الممتازة وهي تحتاج الى 500 مليمتر معدل امطار سنويا فيما توجه الى مناطق لا تتجاوز فيها معدلات الامطار 200 مليمتر. ويضيف المتحدث ان المناطق التي كانت ملائمة للزراعات الكبرى باعتبار المعدلات الامطار فيها تتجاوز 300 مليمتر سنويا نزلت الى 200 مليمتر وهو نذير خطر حسب رأيه.
ينتقد المتحدث الحلقات غير المترابطة بين البحث العلمي والدولة والمهنة والفلاح، وعدم الاقتراب من المنتجين لتوعيتهم اذ كشف المتحدث ان كل قنطار ينتجه الفلاح يقتطع منه 1 % لفائدة المعهد الوطني للزراعات الكبرى وعند القيام بالندوات التحسيسية والتوجيهية وغيرها يتم تنظيمها في مناطق بعيدة عن الفلاح ومناطق ليست فلاحية بالأساس.
وتقدر معدل امتلاء السدود اليوم بنسبة تتراوح بين 20 و25 % وتنعكس نتائج نقص الأمطار على اداء المساحات المزروعة اذ يقول الدجبي ان اليوم من بين مليون و100 الف هكتار تزرع لا يتم حصد سوى 800 الف هكتار وهناك سنويا ما بيم 300 و400 الف هكتار تهدر.
استغلال فاحش للمائدة المائية
اثار عماد الباي رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة بنابل مسالة تراجع المياه الموجهة الى الوطن القبلي والتي تقلصت من 45 مليون متر مكعب الى نحو 30 مليون متر مكعب وهو ماترتب عنه تقلصا في المساحات المزروعة وعلى سبيل المثال نُصح المنتجين في نابل هذا العام بعدم زراعة الفراولة نظرا لحاجتها الكبيرة للمياه. كما انتقد المتحدث انتشار ظاهرة الابار العشواية وارتفاع نسبة ملوحة مياه الاباار وعدم الالتجاء الى تكوين جمعيات للتفكير في كيفية استغلال المائدة المائية بصيغة تشاركية.
اما بالجنوب التونسي فان المائدة المائية استنزفت وفق حمادي البوبكري مكلف بالموارد الطبيعية والتنمية المستدامة بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري الذي يؤكد وجود 10 الاف بئر عميقة عشوائية في قبلي اذ تطورت مساحة غابات النخيل بدرجة لا تراعي خصوصيات الجهة ويقول المتحدث ان نسبة ملوحة المياه الجوفية والجيوحرارية ارتفعت ولاوجود لاي دور للدولة للحد من انتشار الآبار العشوائية، فالفلاح على غرار بقية الجهات يتحرك لوحده دون الاعتماد على البحث العلمي ومساندة الدولة له.
تراجعت مساهمة الفلاحة في الناتج المحلي الإجمالي في العقود الأخيرة من 20 % الى اقل من 10 % وتظهر اثار التراجع في اداء الاقتصاد الوطني الذي تباطؤ نموه كما ترتفع الطاقة التشغيلية للقطاع وان كان اكثر القطاعات التي ترتفع فيها نسبة العمل غير المنظم بـ 85.6 %. اذا فترابط الاقتصادي بالاجتماعي يحتم اليوم ضرورة الاصغاء الى التحذيرات من خطورة نقص الامطار وشح المياه وارتفاع درجات الحرارة المؤثرة في النشاط الفلاحي خاصة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115