والمتوقعة مع نهاية العام عند 1.4 % مستوى التعثر الذي يشهده الواقع الاقتصادي الناتج أساسا عن تراجع نشاط القطاع الصناعي، بسبب تقلص الطلب الخارجي وانخفاض الإنتاج الوطني من المحروقات.
لم يتغير المشهد الاقتصادي خلال سنة 2019 عن السنوات الثماني العجاف المنقضية حتى مع بعض ملامح التحسن الذي عرفته بعض القطاعات ،فقد بقيت المؤشرات الرئيسية التي هي مفتاح الاقتصاد الوطني معطلة. ففي ما يتعلق بملامح التحسن المسجلة والتي لم يكن لها أثرا ملموس على الواقع الاقتصادي أو على واقع المعيشة، نجد نسبة التضخم التي أخذت في التراجع بعد أن كانت مرتفعة في سنة 2018 تحت تأثير الإجراءات التي أقرها قانون المالية، حيث تدحرجت نسبة التضخم في جانفي 2019 إلى 7.1 % بعد ما كانت في حدود 7.5 % في ديسمبر 2018 ، كما تواصل نسق تراجع التضخم ليصل الى 6.3 % خلال شهر نوفمبر المنقضي ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى اعتماد سنة الأساس سنة 2015 عوضا عن سنة 2010 والذي يبدو انه كان له الأثر الواضح في التخفيف من نسبة التضخم، كما لا ننسى دور الترفيع في نسبة الفائدة المديرية بمائة نقطة من 6.75 % إلى 7.75 % وقد اعتبر محافظ البنك المركزي آنذاك أنه سيحد من نسبة التضخم إلى مادون الستة في المائة مع العلم أن إنعكاس الترفيع في نسبة الفائدة يأتي عموما على الأقل بعد 3 ثلاثيات.
لم يكن التضخم المؤشر الوحيد الذي شهد تحسننا، فقد عرف القطاع السياحي تحسننا ملحوظا حيث وصلت العائدات المالية للقطاع السياحي إلى غاية اليوم إلى 5.7 مليار دينار مع بلوغ متوقع لعدد السياح الوافدين على تونس 9500 ألف سائح في موفى السنة الحالية وبحسب بيانات البنك المركزي، فقد وصلت عائدات السياحة إلى غاية 20 ديسمبر 5.5 مليار دينار مقابل 4 مليار دينار خلال الفترة ذاتها من العام المنقضي.
ويبدو أن التحسن الذي عرفه القطاع السياحي قد أثر بشكل ما على أيام التوريد التي تجاوزت الخط الأحمر منذ أشهر لتصل مؤخرا إلى 109 يوم بعد أن كانت في حدود 80 يوم، تحسن بأكثر من20 يوم مقارنة بالسنة المنقضية وقد تغذى المخزون من العملة الصعبة بفضل تحسن سعر صرف الدينار أمام العملات الرئيسية ولئن يمثل صعود الاحتياطي من العملة الصعبة مؤشرا إيجابيا يوحي بعودة نسق الاستثمار الأجنبي والتصدير الى جانب السياحة، فإن ذلك يبقى نسبيا بالنظر إلى الأرقام المحتشمة المسجلة على مستوى الاستثمار و التصدير وكان البنك المركزي قد أشار في تقرير شهر أكتوبر إلى أن الاحتياطي يتغذى أساسا من الاقتراض الخارجي.
من أهم الأحداث الايجابية التي عرفتها تونس على الصعيد الاقتصادي خلال هذه السنة خروج تونس من القائمة السوداء للدول غير المتعاونة في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب بعد سنتين من الإدراج ويأتي السحب على خلفية تحسّن المنظومة القانونية المتعلقة بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال مما ساهم بشكل كبير في نجاح تونس في الخروج من قائمة الدول الخاضعة لمتابعة العمل المالي.
وبخصوص القطاع الخارجي، فقد تراجع مستوى العجز الجاري إلى حدود 7.7 % من الناتج المحلي الإجمالي، خلال الأحد عشر شهرا الأولى من 2019 مقابل 9،9 % في الفترة نفسها من 2018 وذلك بفضل ارتفاع العائدات السياحية ومداخيل الشغل إضافة إلى تراجع حدة نسق تفاقم العجز التجاري مع العلم أن الحكومة كانت تعول في بداية السنة على تقليص نقطة في العجز في الميزان الجاري بعد أن بلغ مستويات خطيرة نتيجة عدم قدرة عائدات السياحة ومداخيل الشغل على تغطية العجز في الميزان التجاري.
تحسن ولكن ....
مقابل التحسن المسجل في المؤشرات الآنف ذكرها، مازالت هناك العديد من الخطوات المتعثرة التي تقف عائقا أمام نمو الاقتصاد الوطني، ويأتي تراجع القطاع الصناعي على رأسها، حيث تدحرج نمو القطاع بنسبة 3 % مع موفى أكتوبر بحساب الانزلاق السنوي نتيجة للتراجع المسجل في قطاع الطاقة بنسبة 3,9 % وقطاع المواد الميكانيكية والكهربائية بنسبة 4.1 % وقطاع النسيج والملابس والجلد بنسبة 4,2 % وقطاع المواد الكيميائية بنسبة 8,1 % وقطاع تكرير النفط بنسبة 78,3 %.
وعلاوة على تدهور نشاط القطاع الصناعي، فإن الاستثمارات في الصناعات المعملية والخدمات ذات الصلة يشهد تراجعا مستمرا من شهر إلى أخر حسب البيانات التي تنشرها وكالة النهوض بالصناعة والتجديد بصفة دورية ،فقد سجلت الاستثمارات في الصناعات المعملية المصرح بها خلال 11 الأشهر من سنة 2019 بنسبة 18.7 %.
وعلى الرغم مما سجله البنك المركزي في تقريره حول الظرف الاقتصادي والمالي المنشور مؤخرا من أن ارتفاع الأسعار عند التصدير يعود إلى تطور سعر صرف الدينار الذي سجل بين 1 جانفي و24 أكتوبر الماضيين تحسنا بـ 9.1 % مقابل الدولار و5.1 % مقابل الاورو، فإن الفرق بين الصادرات والواردات على مستوى الحجم مازال كبيرا فقد بلغ حجم الصادرات 36.7 مليار دينار خلال الأشهر العشرة الماضية من السنة الجارية مقابل 53.3 مليار دينار للواردات وقد نتج عن ذلك عجز بـ 16.5 مليار دينار مقابل نحو 16 مليار دينار في الفترة نفسها من العام الماضي وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء.
وقد أخذ عجز الميزان التجاري في التصاعد رغم كل الإجراءات التي تم اتخاذها للحد من إتساعه، فقد تجاوز في الشهر الماضي 17 مليار دينار وهو ما يشكل عاملا ضاغطا على سعر الصرف ومدخرات العملة والمديونية الخارجية، وقد تأثر الميزان التجاري أساسا بارتفاع العجز التجاري في قطاع الطاقة الذي بلغ 6.3 مليار دينار أي ما يمثل 38.5 % من العجز التجاري الجملي.
المديونية بدورها ومازالت في مستويات مرتفعة، حيث تحتكر 71 % من الناتج المحلي الإجمالي بما قيمته 83 مليار دينار، 71 % دين خارجي ولارتفاع المديونية انعكاسات سلبية وخطيرة على الاقتصاد الوطني، حيث يؤدي تفاقم عبء المديونية إلى زيادة إحتمالية تعرض الدولة للصدمات المالية وبالتالي ضعف الاستقرار الاقتصادي اللازم لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام وذلك تبعا لتأثير المديونية على التصنيف الائتماني للدولة في الأسواق المالية.
وكنتيجة لضعف النمو الاقتصادي المسجل، ظلت البطالة مرتفعة رغم تراجع عدد العاطلين عن العمل من 634.9 ألف عاطل إلى 628.9 ألف عاطل خلال التسعة أشهر الأولى من سنة 2019، فقد عجزت نسبة النمو خلال الأشهر التسعة على التخفيف من نسبة البطالة التي بقيت في حدود 15.1 %، والملاحظ أن التراجع المسجل في عدد العاطلين لم تستفد منه فئة الشباب التي ارتفع عندها معدل البطالة إلى 34.7 %، كما زادات البطالة عند حاملي الشهائد العليا بنسبة 28.6 %.
الوضع العالمي غير ملائم
لا يقتصر تأثر الظرف الاقتصادي والمالي في تونس على العوامل المحلية فقط بل يتأثر الاقتصاد الوطني بالظروف العالمية و خاصة دول الاتحاد الأوروبي بإعتبار أن أكثر من 70 % من مبادلاتنا التجارية يحتكرها الاتحاد الأوربي.
ولم يكن الظرف العالمي ملائما خلال سنة 2019 ليزيد من تعزيز سلبية الأسباب المؤدية إلى ضعف الاقتصاد التونسي وتعدد التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية من أكثر العوامل التي تتنزل في قائمة الظروف غير المساعدة على الاقتصاديات ككل وهي من العوامل المؤثرة في النمو العالمي وفق تقديرات المؤسسات المالية الدولية ويتوقع ان تنتج حالة عدم اليقين الى تراجع نمو الاقتصاد العالمي إلى 3.3 % بعد أن كان قد حقق 3.6 % سنة 2018 .
وعلاوة على التوتر العالمي الممتد في كل البقاع الذي يشمل أيضا التوتر السياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية وكل من إيران وفنزويلا الأمر الذي يرفع من درجة المخاطر في كل بلدان العالم،فإن جل المؤشرات في منطقة اليورو تشير إلى الركود، حيث خفض خبراء الاقتصاد بالبنك المركزي الأوروبي سقف توقعاتهم بشأن نسبة نمو الاقتصادي للعام المقبل إلى 1.1 % موفى 2019.
ويبقى ارتفاع الطلب الخارجي من الشركاء من العوامل المباشرة المؤثرة في الوضع في تونس وكلما تقلص الطلب تأثر الوضع الاقتصادي في تونس سلبا وقد حذرتقرير صادر عن الأمم المتحدة من أن التجارة بين بلدان العالم قد تمر بانتكاس، إنتكاسة لن تمر دون ان تؤثر في الوضع في تونس هذا بالإضافة الى تأثير حالة عدم اليقين في حركة رؤوس الاموال وهو ما سيؤثر في تراجع الاستثمارات هذا بالإضافة الى ان عدم استقرار أسعار الطاقة يجعل تونس دائما في مرمى لهذا الاضطراب مما ارتفعت الاسعار زادت فاتورة الدعم واثقل كاهل المستهلك بالترفيع الالي في الاسعار وإذا انخفضت تأثرت الشركات باعتبار ان تونس لا تتميز بكثافة الانتاج وهو ما يدفع الشركات في هذه الحال الى التوجه نحو مناطق تتميز بكثافة الانتاج.