على «نصبة الخضر» منتظرا قدوم مادة البطاطا من السوق المركزية لشرائها نظرا لثمنها المغري ،فلا شيء هنا في خيمة البيع من المنتج إلى المستهلك التي جندتها وزارة الفلاحة والموارد المائية في شارع الحبيب بورقيبة لامتصاص غلاء الاسعاريمكن أن يثير شهية « حبيب» وفي جيبه بضعة دنانيرلاغير.
الساعة العاشرة تقريبا وعم حبيب مايزال ينتظروصول الشاحنة ليقتني مادة البطاطا وينصرف في حال سبيله،فهو يعي جيدا أن الأسعار الموجودة في الخيمة لا تختلف كثيرا عن تلك المسجلة خارجها ،فقد تحدثنا إليه ووصف إن كل ماوقع تداوله كون المنتجات من الفلاح إلى المستهلك «بالكذب»... موقف عم حبيب تبناه كثيرون ممن أتوا إلى الخيمة آملين في وجود تخفيض ملموس في الأسعار لكنهم حملوا خيبتهم الممزوجة ببعض السخط وغادروا الخيمة .
ريم في العقد الثالث من عمرها عبرت أيضا عن استيائها من أسعارالمنتجات الموجودة بالخيمة مؤكدة أن الأسعار قد تغيرت بين يوم الافتتاح الذي حضره وزير الفلاحة واليوم حتى أن الفارق يصل إلى دينارين أحيانا بما يجعل من مسألة التخفيف في الأسعار مجرد «مسرحية» ،كما تساءلت عن غياب المراقبة الصحية خاصة وان هناك العديد من المنتجات الحساسة على غرار اللحوم والاجبان..
ففي جولة لرصد الأسعار وواقع التزود بخيمة شارع الحبيب بورقيبة التي تم تركيزها يوم 4 ماي على أن تتواصل إلى غاية 26 من الشهر ذاته ،خيمة تمتد على مساحة 700 مترحسب وزارة الفلاحة وتتضمن حوالي 40 جناح، وستشمل هذه النقطة منتجات التمور والغلال الموسمية والخضروات من فلفل وبطاطا وبصل وطماطم واللحوم الحمراء والبيضاء والألبان والأسماك ووزيت الزيتون.
الخيمة على أرض الواقع لاتشبه كثيرا ماورد في بلاغ وزارة الفلاحة والموارد المائية،فأول مايلفت الانتباه فورالدخول إلى الخيمة هوالإقبال الباهت على الخيمة ،وقد يبررعزوف المستهلكين بوجود عدة فضاءات فارغة ومنتجات قليلة ،فأصناف الأسماك لا تتجاوز الخمسة، الغلال كذلك، برتقال ومشمش والليمون والتمر وجلها بأسعار مشطة، الواقع يتحسن قليلا مع الخضر بفضل توفر الخضر الورقية.
وعلى الرغم من تواضع الإقبال فإن عددا من الفضاءات وسط الخيمة شهد إقبالا لافتا وقد تصدر فضاء التمورالتي تراوحت أسعارها بين 5800 للكلغ و7800 مليم حيث اعتبر أحد الحرفاء أن هناك تخفيضا في ثمن التمور لكنه يبقى مرتفعا خاصة أمام الفئة المتوسطة والضعيفة.
عدد كبير من رواد الخيمة جاء لاقتناء مادة زيت الزيتون لكنها لم تكن موجودة ولايوجد حتى ممثل الفضاء من أجل الاستفسار أو التوضيح، فقط الفضاء فارغ مع ورقة ألصقت على العمود «واحد لتر من زيت الزيتون البكر الرفيع 7800 د» والى جانبها مباشرة البيع بداية من اليوم.
أما بالنسبة للفضاء المخصص للحوم الحمراء، فإن الأسعار كانت مثلما وقع الإعلان عنها بـ21 دينار «الهبرة البقري» و22 دينار «للعلوش» غير أن إحترام الأسعار لايرافقه جودة خاصة على مستوى لحم الخروف، فضاء ثان مخصص لأربعة أنواع من الأسماك أدناها الوراطة بـ 12900مليم وأقصاها القاروص بـ16000، وهي أسعار تقل عن الأسعار المتداولة في المساحات التجارية الكبرى بفرق يتراوح بين دينارين إلى ثلاثة حسب ما أفاد به العارض منير الذي قام بإعادة تغيير سعر كلغ الوراطة بعد ما قام وزير الفلاحة بتحديده عند 12000 وقد علل البائع ذلك بوجود تكلفة وجب مراعاتها.
ولئن تشدد دائما فرق المراقبة الاقتصادية التابعة لوزارة التجارة على ضرورة إشهار الأسعار، فإن ما يلاحظ في عدد من الفضاءات المنتصبة وسط الخيمة عدم وجود لافتة تحدد السعر.
من النقاط الايجابية التي تضمنتها خيمة الحبيب بورقيبة، تخصيص فضاءات لمنتجات مواد تجميل بيولوجية، العارضة منية حجام قالت إن الخيمة فرصة بالنسبة إليهم لعرض منتجاتهم الطبيعية والتعريف بها مشيرة إلى أن منتجاتهم تلقى إقبالا من طرف المستهلك.
بعد خيمة الحبيب بورقيبة انتقلنا إلى نقطة البيع من المنتج إلى المستهلك بشارع آلان سافاري، وهي نقطة بمساحة ضيقة تكاد تتسع لمنتوجات قليلة ،فضيق المساحة جعل من النقطة تبدو مكتظة بالمستهلكين ولكن العدد لا يتجاوز العشرين حريفا،أما عن محتوى نقطة البيع فهي لم تتضمن سوى اللحوم الحمراء البقري فقط والطماطم والفلفل والبيض وصنفين من الأسماك وزيت الزيتون مع الإشارة إلى أن واقع العرض قد يكون مختلفا في أوقات مغايرة لتاريخ الزيارة نظرا لوجود أماكن شاغرة، ولا تختلف جودة المنتجات عن تلك الموجودة في خيمة بورقيبة خاصة مادة الطماطم وقد أفادت سماح إحدى رواد هذه النقطة ان التونسي يعيش في تناقض بين مايقوله وبين ما يفعله فعلى الرغم من الشكوى الدائمة من غلاء الأسعار فهو لايضيع اي مناسبة للإقتناء حتى وإن زاد عن حاجته ،مضيفة أنه من الضروري تبني ثقافة المقاطعة من أجل مساندة دور الدولة في التخفيض في الأسعار والابتعاد عن اللهفة التي يتغذى منها التجار والوسطاء.
تفاقمت ظاهرة غلاء الأسعار وتدهورت المقدرة الشرائية للمستهلك التونسي خلال السنوات الأخيرة نتيجة المشاكل الهيكلية والظرفية التي يمر بها الاقتصاد التونسي ومنها آلة الإنتاج الفلاحي، وتفاقم ظاهرة تهريب المنتوجات الغذائية والفلاحية وتعدد الوسطاء والدخلاء ،لتشهد بذلك الأسعار منزلقا بات من الصعب التحكم فيه ،فحتى الإجراءات المناسباتية التي تتخذها الحكومة لم تعد كافية لاطفاء لهيب الأسعار ،فمؤخرا خصصت وزارة الفلاحة 54 نقطة بيع من المنتج الى المستهلك كآلية للضغط على الأسعار ،غير ان متابعتنا لنقاط البيع وإن كشفت عن وجود بعض التخفيضات البسيطة فإن مستوى الاسعار مايزال مرتفعا ولا يمكن للفئات الهشة والمتوسطة مجابهتها.
كما أثبتت المتابعة لنقاط البيع ان معضلة الأسعار لم تعد مرتبطة بالمراقبة وتوفير المنتجات أساسا،فالعامل المحدد اليوم للأسعار بات يتعلق بتكلفة الإنتاج التي تشهد ارتفاعا صاروخيا ووجب العمل على إيجاد حلول جذرية و هيكلية لها والابتعاد عن الحلول المناسباتية الترقيعية.