والملفات منذ نشأتها لحين حفظها النهائي ويحتوي على خمسة أجزاء ويتنزل في إطار مبادئ وأهداف مثل مكافحة الفساد، الشفافية، المساءلة والمحاسبة، النفاذ إلى المعلومة... القضاء على الرشوة والمحسوبية وعلى كلمات مثل «أرجع غدوة... فلان في كونجي... واللجنة لم تجتمع...». إلا أنه وبعد عديد المُراجعات لمصالح مختلفة وخصوصا الادارة العامة للإصلاح الإداري، تبيّن من خلال الردود والإجابات غير المقنعة أن أيادي وراء اختفاء التصور.
ورغم عدم اقتناعي بتلك الردود تعاملت معها بعفوية لكن، بعد صدور قانون النفاذ إلى المعلومة استرعى انتباهي ما ورد في الفصول 38 و60 وتحتوي أفكار ومُفردات تتطابق حرفيا مع المقترحات التي ضمّنُتها في التصور على غرار «إتاحة أدلة الاجراءات للعموم»، وجوب «إعداد نظام لتصنيف الوثائق»، ضرورة «تنظيم الأرشيف في الهياكل والمؤسسات الادارية»، ضرورة تأهيل الموظفين من خلال دورات تدريبية، تشريك المتصرفين في الوثائق الإدارية والأرشيف...
وبما أن مثل هذه العبارات والأفكار لم تكن مُتداولة في المشهد ولم ترد بذلك الوضوح في قوانين سابقة ومشابهة وهذا يُحيل بالضرورة إلى شكوك ونقاط استفهام وربما إلى «عملية سطو» واستغلال مجهود الغير بطريقة لا أخلاقية. لذلك أُطالب السيد رئيس الحكومة بفتح تحقيق حول اختفاء مشروع بقطع النظر عن القيمة العلمية والجدوى منه والتي يُقيمها أهل الاختصاص والخبرة في المجال.
الشروع في الإصلاح ممكن خلال أسابيع
منذ انطلاق فكرة الاصلاح في عهد خير الدين وتحديدا منذ 1873، ظلّت إدارة التعليمات والسلطة التقديرية قائمة والسبب هو دائما، استفراد مجموعة وإصرارها على المواصلة في نفس النهج الموروث عن دولة الاستبداد والذي ينطلق من فرضيات وتحاليل خاطئة تُؤدي بالضرورة إلى استنتاجات غير صحيحة وتصورات خاطئة للإصلاح المنشود، زيادة إلى التجاهُل أو التغاضي عن السؤال الحارق والمحوري: إلى متى يتواصل نفس هذا النهج من خلال صياغة قانون وإحداث هيكل لكل حالة على حده ولكل قضية تُثير جدلا في المجتمع على حده ولكل...؟ وأخيرا «يتمخّض الجبل فيلد فأرا»، علما بأنه ثبت فشل هذا التوجُه مع منظومة مكتب العلاقة مع المواطن...
وإذا اعتبرنا أن إصلاح الأجهزة التنفيذية هو أولوية مُطلقة في هذه المرحلة المُتسمة بتصاعُد وتيرة الاحتقان ، فإن ذلك يستوجب انحرافا في التوجُه بمائة وثمانين درجة والقطع الفوري مع سياسة «الحرث في الماء» ثم الانتقال من مفهوم الاتجاه العلاجي إلى الاتجاه المؤسسي بهدف الشُروع في وضع نظام يُوضح ويحكُم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تُؤثر في الأداء، مع تحديد للمهام والمسؤوليات والصلاحيات... نظام يقضي على امكانيات التشكيك والطعن في النشاط والاجراءات والقرارات وبالتالي تهيئة الأرضية للمصالحة بين الإدارة و المتعامل معها.
أخيرا يجدُر التأكيد على أن المعوقات التي تحول دون بلوغ أهداف أو تكريس المبادئ، ليست مرتبطة بمزيد إحداث الهيئات والخُطط والوظائف الوهمية مع أعبائها المالية الإضافية... كما أنها ليست تشريعية ولا قانونية إنما هي تنظيمية بالأساس، بل تتطلب تغيير أسلوب الإسقاطات والنزول إلى الميدان الإداري لتطوير مناهج العمل وتغيير القواعد الجوهرية للتصرف الإداري والمالي وإحكام الرقابة والمتابعة... ويتم ذلك بتشريك الموظف المُكلف بالتطبيق للمساهمة الفعلية في تحديد مواقع الخلل واستنباط الحلول وإيجاد الطُرق والأساليب والآليات المناسبة اعتمادا على أسلوب «ذاتية التنظيم».
بقلم: المنجي الوسلاتي
متخصص في التنظيم الاداري