و تبقى المخاطر المحيطة بالتضخم من خطر ارتفاع أسعار المحروقات في السوق المحلية وارتفاع السلع في السوق العالمية وزيادة الضغط على العجز الجاري من شانها ان تزيد من تأجيج زيادة الأسعار عند الاستهلاك « وهو ما يبرر الخطوة التي أقدم عليها البنك المركزي والتي تقضي بالترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية بمائة نقطة قاعدية لترتفع من 6.75 % إلى7.7 % بحسب ما أكده محافظ البنك المركزي مروان العباسي يوم أمس خلال ندوة صحفية نظمها لتوضيح قرار الترفيع في نسبة الفائدة الذي جاء بمثابة «المفاجأة غير السارة» للمنظمات الوطنية من اتحاد الشغل و الأعراف أو للمواطنين الذين لديهم قروض بنكية.
قال محافظ البنك المركزي مروان العباسي إن قرار الترفيع في الفائدة المديرية تم اتخاذه على ضوء دراسة المؤشرات الأخيرة للوضع الإقتصادي الدولي والوطني وخاصة تحليل التطورات الأخيرة في مجال تضخم الأسعار الذي تناوله أعضاء،مجلس الإدارة خلال اجتماعاته المنعقدة يومي 16و 19 فيفري الجاري.
ابرز المحافظ البنك المركزي أن التفاقم غير المسبوق لانخرام ميزان الدفوعات الجارية والذي أصبح برقمين للعام الثاني على التوالي ساهم في تأجيج الضغوط على سعر صرف الدينار إزاء العملات الأجنبية مما اثر بدوره سلبا في مستوى التضخم، حيث بلغ العجز الجاري ١١.٢% من اجمالي الناتج المحلي سنة 2018 وهو ما ألقى بظلاله على سعر صرف الدينار الذي تراجع بنسبة تناهز 13 % مقابل الاورو و 8,6 % مقابل الدولار وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار المحلية وانعكس سلبا على التضخم.
ولم ينف العباسي الانعكاس المباشر للزيادات في الأجور القديمة منها والجديدة على التضخم ،مشيرا إلى الإشكالية المرتبطة بان إحداث زيادة في الأجور يؤدي إلى زيادة في التوريد ولا يعود بالنفع على المنتجات المحلية ويبرز ذلك جليا في نمو المبادلات التجارية مع الصين وتركيا التي تعرف تونس معها عجزا تجاريا. وقال العباسي إن البنك المركزي لا يملك آليات عديدة للتحكم في الأسعار ،حيث تعد آلية الترفيع في نسبة الفائدة كإحدى الآليات الأكثر نجاعة في حال صاحبتها إجراءات تعززها.
وأضاف العباسي أن التوجه التقييدي للسياسة النقدية يرمي إلى الحد من إمكانات الفاعلين الاقتصاديين على الإنفاق بما يقلص الطلب لاسيما الاستهلاكي منه إلى جانب الحد من الضغوط على الأسعار عند الاستهلاك ويعتبر هذا التوجه جزءا من الاستباق لمعدلات التضخم المرتفعة التي يتوقعها البنك والتي ستساهم في انهيار المقدرة الشرائية للمواطن لاسيما الطبقات الاجتماعية الضعيفة .
وعلل الترفيع بنسبة 100 نقطة دفعة واحدة بأن الزيادات التي جاءت بشكل دون ذلك خمسين نقطة في جوان وخمسة وعشرون في مارس من عام 2017 لم تسفر عن اثر واضح وملموس على مستوى التضخم ولذلك التجأ البنك إلى الترفيع في نسبة الفائدة بمائة نقطة وهو ما يجعل من نسبة الفائدة الرئيسية ارفع من نسبة التضخم أي أن الفارق ايجابي على نقيض ما سبق. ولفت العباسي إلى أن الزيادة في نسبة الفائدة في فترات سابقة ساهمت بشكل نسبي في نسبة التضخم .
كما أكد العباسي انه لو لم يقم البنك المركزي بالتدخل سابقا بالترفيع في نسب الفائدة والتي كانت دون المأمول لكانت نسبة التضخم في مستويات مرتفعة. واعتبر أن كلفة عدم تفعيل السياسة النقدية باهظة جدا، ففي حال لم يقع اتخاذ إجراءات في مناسبات سابقة لكانت نسبة التضخم مرتفعة جدا أو حتى برقمين.
وفي حديثه عن الاستقرار المالي وتداعياته على القطاع البنكي وذلك على اعتبار وجود مخاوف على استقرار القطاع البنكي، أوضح العباسي أن البنك يقوم بالمتابعة و بين أن الترفيع بواحد في المائة لن يكون له اثر ملموس في استقرار القطاع البنكي والمالي. وبين المحافظ أن الهدف الأساسي بالنسبة للبنك المركزي هو استرجاع مستويات التضخم السابقة وهو أمر يستوجب عودة محركات الإنتاج وتحسين مردودية العمل بما يمكن من تحسين نسبة النمو وتذهب بالاقتصاد الوطني الى التعافي.
وفي ما يتعلق بما أثير عن الزيادة في الأجور الأخيرة "وان الحكومة أعطت باليد اليمنى وأخذت باليسرى" قال المحافظ إن البنك المركزي "يمارس مسؤولياته والقرار الذي أصدره اتخذ بصعوبة و أضاف أن البنك المركزي له استقلالية القرار ويعي انعكاسات القرار على المجتمع لكن البنك المركزي يدافع عن الطاقة الشرائية للمستهلك قبل أن تصل نسبة التضخم إلى رقمين.
وكان البنك المركزي قد اطر قرار الترفيع في بلاغ له بأن الهدف هو مواجهة الضغوطات التضخمية المسجلة والمنتظرة والتي ينتظر بقاؤها في مستويات عالية من شأنها أن تهدد التعافي الاقتصادي الهش والذي يمكن أن يضعف أكثر مع ارتفاع معدل التضخم بما سيؤدي تباعا إلى التأثير سلبا على رؤية المستثمر وبالتالي على قرارات الاستثمار.
وأكد المحافظ في تصريح لـ«المغرب» أن مئة نقطة ستحد من نسبة التضخم إلى مادون سبعة في المائة ولئن يمكن احتسابها تقنيا فإن وضع إجراءات مصاحبة يضمن الوصول إلى الهدف الأساسي وهو حماية القدرة الشرائية من التآكل. ودعا المحافظ جميع الأعراف المعنيين إلى بذل المزيد من الجهود قصد احتواء العجز التجاري وتداعياته على ميزان الدفوعات الجارية وعلى مستوى الموجودات الصافية من العملة الأجنبية وعلى سوق الصرف المحلية.