بعد النجاح النسبي لتجارب التعويم في المغرب ومصر: هل دخلت تونس مرحلة التعويم «القسري» أمام تواصل هبوط الدينار؟

لئن اتجهت كل من مصر والمغرب خلال السنوات الأخيرة إلى مراجعة نظام صرف عملاتها الوطنية وإقرار ذلك علنا

عبر سلطاتها الرسمية، فإن الوضع في تونس يبدو ضبابيا، فالهبوط الذي يشهده الدينار التونسي أمام العملات الرئيسية الدولار والأورو بات مخيفا، ففي الثالث من نوفمبر 2016 أطلقت مصر تعويم سعر صرف الجنيه بناء على نصيحة صندوق النقد الدولي وبعد سنة ونصف ومنتصف جانفي 2018، إتخذت المغرب خطوة التعويم التدريجي للدرهم عبر تحديد نطاق تداول الدرهم مقابل العملات الصعبة إلى 2.5 % صعودا وهبوطا من سعر مرجعي، مقارنة مع 0.3 % في الماضي، وقد تمكنت كلتا الدولتين من ضمان إستقرار نسبي في سعر صرف عملاتها حسب بيانات البنوك المركزية التابعة لهما، أما في تونس فيتواصل تدحرج قيمة الدينار أمام العملات الرئيسية في وقت لم تفصح الأطراف المسؤولة عن السياسة النقدية عن تبني أي خيار سوى تعويم تدريجي أوتحرير كامل في وقت يرجح فيه خبراء الاقتصاد أن يكون الدينار قد دخل مرحلة التعويم وإخضاعه إلى حكم السوق .

دخل الدينار التونسي موجة من الهبوط مدفوعا بضعف المخزون العام للاحتياطي من العملة الأجنبية التي تأثرت بدورها بتراجع قطاع الصادرات الناجم عن ضعف عدد من القطاعات الأساسية في تجميع العملة الصعبة وعلى رأسها قطاع الفسفاط ،كما ضعفت عائدات السياحة تأثرا بالوضع الأمني، كما زادت فاتورة الواردات وغيرها من العوامل التي جعلت الاحتياطي من العملة الصعبة دون خط الأمان مما ساهم في تزايد الضغط على العملات الأجنبية وهو ما أضعف قيمة صرف الدينار في السوق وقد تراجع معدل سعر صرف الدينار التونسي أمام الاورو ليصل 3.500 وأمام الدولار 3.06 خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بحسب بيانات صادرة عن البنك المركزي بتاريخ 28 جانفي، فهل يعني ذلك ان تونس قد دخلت مرحلة تعويم غير معلنة ؟و هل من الممكن تبني أحد النماذج المعتمدة في مصر والمغرب ؟

ويرجح خبراء إقتصاد أن تزداد الضغوط على الدينار في حال لم تقم تونس بالإصلاحات اللازمة من أجل ضمان استقرار سعر الصرف وقد بين الأستاذ الجامعي في الاقتصاد معزالعبيدي في تصريح لـ«المغرب» أنه من الصعب تبني النموذج المصري لتحرير الجنيه أو نموذج التعويم الجزئي للدرهم المغربي.

وبين العبيدي أن نموذج التعويم الذي تبنته مصر لا يمكن إعتماده في تونس، فمصر وصلت إلى الاستقرار بفضل نزول الجنيه إلى قيمته الحقيقية عند 18 جنيه للدولار بعد ما كان في حدود 7جنيه كمعدل صرف، أي أن الجنيه المصري نزل تقريبا بنسبة 45 % مقابل الدولار وأضاف الجودي أن عملية التعويم التي إتخذتها مصر كان لها ثمن على مستوى المقدرة الشرائية للمواطن المصري في بداية التعويم وذلك بعد بلوغ نسبة التضخم 34.2 % في جويلية 2017 غير أن نزول العملة إلى قيمتها الحقيقية واستقرارها عند مستوى 18 جنيه للدولار فيما بعد ساهم في إنخفاض نسبة التضخم لتسجل خلال ديسمبر المنقضي 11.1 % وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري، كما ساهم نزول العملة في القضاء على سوق الصرف السوداء كما حسن في نسبة النمو إلى 5.3 % مع وجود تقديرات لبلوغ 5.8 % للعام الحالي، فتعويم الدينار التونسي ونزوله إلى مستواه الحقيقي سيؤدي إلى الترفيع في نسبة التضخم بشكل لا يمكن تقبله، فتسجيل نسبة تضخم 7.5 % أثرت سلبا على المستهلك وعمقت تهرم المقدرة الشرائية، فكيف يمكن تحملها في حال بلغت مستويات شبيهة بما بلغته في مصر.

الخيار الثاني من أجل ضمان استقرار الدينار يكون «اصطناعيا» حسب العبيدي ويقصد بذلك تدخل البنك المركزي عبر ضخ العملات الأجنبية في السوق وهو أمر غير ممكن في ظل ضعف المخزون من العملة الصعبة.

وأما عن التعويم التدريجي الذي تم إعتماده في المغرب، فهو خيار يصعب تطبيقه في تونس وذلك على إعتبار أن المغرب ذهبت إلى هذا الخيار وسط استقرار للمؤشرات الاقتصادية من سياحة وإنتاج وتصدير وقد ذكر البنك المركزي المغربي بأن الدرهم ارتفع بـ0,15 %مقابل الأورو، وانخفض بـ 0,15 % مقابل الدولار، وذلك خلال الفترة ما بين 17 و23 جانفي 2019 وكان الدرهم المغربي قد إرتفع خلال الثلاثية الأخيرة 2018 مقابل الاورو بنسبة 1.7 % ،وانخفض بواقع 0.8 % مقابل الدولار حسب المصدر ذاته وبذلك تكون المغرب قد فندت نسبيا التوقعات التي ذهب إليها خبراء إقتصاد والمجتمع المدني والتي أشارت إلى تأثير التحرير التدريجي على التضخم كما حدث في بلدان أخرى مثل مصر لكن قد لا تبدد الاستقرار المسجل حاليا المخاوف خاصة و ان صندوق النقد الدولي قد دعا الحكومة المغربية إلى التسريع بتحرير العملة الوطنية، بما سيساعدها على رفع مستوى تنافسية صادراته داخل السوق العالمية.

وقد علق  العبيدي على أن الخيار المغربي مكنها من تخفيف نسبة تضخم لكنه لم يؤثر إيجابا على مستوى نسبة النمو فضلا عن ظل الصدمات المتوقعة التي ستطال الإقتصاد العالمي التي قد تؤثر فيها .

وقد شدد العبيدي على أن ضمان استقرار الدينار التونسي أمام العملات الرئيسية رهين عودة محركات الإنتاج والانطلاق في إصلاحات جدية ترتبط أساسا بترشيد الواردات والتحكم في الميزان الجاري الذي يتضمن العجز التجاري ومداخيل الخدمات وعائدات التونسيين بالخارج وفوائض الديون التي تسددها الدولة للمؤسسات المالية والدول الدائنة والذي تجاوز 10.6 في المائة من الناتج الإجمالي للبلاد والتركيز على هذا المعطى بالأساس بإعتباره المحدد الرئيسي لاحتياجات الدولة من العملة الصعبة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115