والحقيقة أن هذا الوضع المتأزم في ميناء رادس الذي عرف في شهر سبتمبر الماضي زيادة في التعريفات المينائية لم يصاحبها بالمرة تحسن في الخدمات ولا في الأداء فضلا عن تبعات هذه الزيادات التي ستحدث زيادة في تعريفة البضائع العابرة للميناء تتراوح بين 6 % و40 % ، إلى جانب مردودية ضعيفة زادتها تعقيدا تجهيزات وبنية أساسية متهرئة خلفت عدم جاهزية لها بنحو 60 % فضلا عن غياب فاضح للجدية في عمل كل المتدخلين بالنشاط المينائي مما يتطلب تدخلا سريعا لمعالجتها لتسريح الفضاءات المكتظة بالبضائع إن لزم الأمر بالتدخل لدى القضاء بيعا وإتلافا أو بإعادتها من حيث جاءت. كما أكد «بيار هيري «رئيس لجنة النقل واللوجيستيك بغرفة التجارة والصناعة المشتركة التونسية الفرنسية .
ولا تخفى أهمية وضع تنظيم خاص للمواني والعودة إلى قانون 8 جويلية 2009 القاضي بالعمل بقانون الموانئ البحرية الثلاث، وهي آلية يمكن أن تساعد على فض الكثير من مصاعب ميناء رادس وتمكينه من أداء دوره التجاري والاقتصادي في أحسن الظروف.
إن موقع تونس في المتوسط يمنحها الكثير من الإمكانيات لتكون مركزا تجاريا مهما بل نقطة ترابط متناغمة بين الشرق الأوسط وإفريقيا جنوب الصحراء ، ومثل هذا التمني القابل للتحقق يجب أن لا ينحصر فقط حول ميناء رادس بل جميع موانئ البلاد والتي تشتغل بأقل من طاقتها القصوى وهذا بين في الحركة التجارية المسجلة طوال العام . إن عدم توفر الإرادة الحقيقية من الفاعلين في الموانئ إدارة ومهنيين أولا ومن ورائهم الفاعلين الاقتصاديين عموما جعل عدد البواخر عرض الميناء لا يقل عن 10 بواخر جراء تكدس البضائع التي يتطلب تفريغها نحو 15 يوما مما كلف البلاد خسارة 1.6 % من الناتج الوطني الخام في عام 2016 أي ما يعادل 657 مليون دولار ، إذا ما اعتبرنا أن توقف باخرة وحيدة كلفته في المعدل مليون ونصف المليون دولار .
ولا يخفي «هيري» أن تونس كانت في سنة 2010 تصنف من ضمن البلدان المميزة في مجال اللوجيستيك بحسب البنك الدولي الذي عدد الإمكانيات المينائية المهمة للبلاد وهو ما لم يعد اليوم واقع الحال بالقطاع الذي زادته بلة كلفة تكدس البضائع بميناء رادس. وبالنظر إلى جملة من موانئ المتوسط نجد أن الموانئ التونسية ما تزال بعيدة كل البعد عن مردودية موانئ الشمال خاصة وأيضا موانئ الجزائر وموانئ المغرب من ذلك أن مدة توقف البواخر في ميناء مرسيليا لا تزيد عن 4 أيام وفي طانجة 7 أيام لكن في رادس مدة المكوث قد تزيد عن 17 يوما. ومثل هذه الوضع له تداعيات كبيرة على النشاط التجاري والاستثمار، ومن ثمة على اقتصاد البلاد خاصة في هذه المرحلة الصعبة والشديدة الحساسية.
ومثل هذا الوضع لن يزيد بالضرورة من دفع الحركة الاقتصادية نحو التعافي بل يدفع مزيد التراخي إلى تفاقم مصاعب الميزان التجاري وزيادة المديونية داخل المؤسسة أولا التي قد تضطر لتكبيل نشاطها أمام عجزها عن الإيفاء بتعهداتها مع حرفائها أولا الذين قد يهجرونها ومع الضرائب ثانيا ويحد من تطوير استثماراتها مما يوقف انتدابات التشغيل فيها ومن ثمة تراجع مؤشرات النمو عامة في البلاد وهذا ما يكون له انعكاس اشمل وأهم ويزيد من المصاعب الاجتماعية.