تشير المعطيات الخاصة بالتحركات الاحتجاجية التي ينشرها المنتدى الاقتصادي والاجتماعي الى النسق التصاعدي لها حيث كانت التحركات في العام 2015 في حدود 4952 تحركا وتضاعف في 2016 الى 9552 تحركا وفي 6 أشهر من العام الحالي تم تسجيل 6606 تحرك وقد أشار رمضان بن عمر المكلف بالإعلام في المنتدى انه لو لا تزامن شهر جوان مع شهر رمضان والامتحانات لكانت الحصيلة أرفع.
يعود التزايد المطرد للتحركات الاحتجاجية حسب رمضان بن عمر إلى عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وثانيا الى كيفية تعاطي الحكومة مع الاحتجاجات، مشيرا إلى ان سياسة الحكومة في التعامل مع الاحتجاجات تبدأ بالتجاهل ثم الحل الأمني او القضائي او التفاوض في حال وجود ورقة ضغط اقتصادية لافتا الى أن انخراط المرأة في التحركات الاجتماعية بشكل ظاهر خاصة في ولاية سيدي بوزيد يشير الى وجود حراك اجتماعي نوعي ، سيعطي نقلة نوعية في طريقة التعاطي مع هذه التحركات، كما ان المناطق التي تشكو نقصا في مياه الشرب شهدت ايضا تحركات كبرى ولم تستثن الاحتجاجات جهة دون اخرى، مؤكدا ان «العطش» سيكون عنوان التحركات الاحتجاجية في الأعوام القادمة.
وهناك حالة ترقب قبل التحوير الوزاري فمن المتوقع انخفاض الاحتجاجات خلال شهري جويلية واوت لكن سيعود في شهر سبتمبر وستعاود الحركات تنظيم نفسها، فهناك احتجاجات تترقب. وقال بن عمر ان هناك ما اسماه «احتجاجات محظوظة» وهي التي لديها ورقة ضغط اقتصادية على غرار ما حصل في تطاوين
كما انه من المتوقع ان يكون مشروع قانون المالية 2018 دافعا للاحتجاجات فالفئات المحرومة والمستهدفة من بعض الإجراءات هي نفسها وستعاود التحرك.
«سياسة اطفاء الحرائق !!»
من جهته قال شرف الدين اليعقوبي رئيس الجمعية التونسية للمراقبين العموميين في تصريح لـ«المغرب» أن الإشكال الأول يطرح على مستوى الفصل 136 من الدستور الذي ينصّ على تخصيص نسبة من المداخيل المتأتية من استغلال الثروات الطبيعية للنهوض بالتنمية الجهوية على المستوى الوطني دون تحديد للنسبة او من المعدلات الممكنة التي يمكن تخصيصها لهذه الجهات كما أضاف اليعقوبي أن الفصل 136 لا يحتمل فرض هذا الإجراء ولا يحدد الجهات التي تتمتع بالتمييز الايجابي.
الى جانب الاقتصار على الثروات الطبيعية وعدم ذكر بقية مصادر المداخيل التي تدر موارد مالية هامة للدولة (الصناعة، الخدمات، السياحة…). عدم تخصيص المناطق المنتجة للثروات الطبيعية بجزء من المداخيل للتنمية الجهوية بها وعملية التوزيع تتم في المستوى المركزي. وكانت الجمعية التونسية للمراقبين العموميين في عرض لها سابق حول التنمية الجهوية على ضوء الفصل 136 قد اشارت الى عدم وضوح المقصود بالمستوى الجهوي (ولاية، إقليم، بلدية) ويتمّ تمويل الآعباء المشار إليها بالفصل 134 بواسطة تحويل محصول ضرائب وبتخصيص نسبة من المداخيل المتأتية من استغلال الثروات الطبيعية لفائدة الجماعات المحلية أو بواسطة موارد « صندوق دعم اللامركزية والتعديل والتضامن بين الجماعات المحلية. وتتكفل السلطة المركزية بتوفير موارد إضافية للجماعات المحلية تكريسا لمبدإ التضامن وباعتماد آلية التسوية والتعديل. وتعمل السلطة المركزية على بلوغ التكافؤ بين الموارد والأعباء المحلية.
ويطرح اليعقوبي تساؤلا حول أي تنمية نريدها هل هي تنمية لإطفاء حرائق ام تنمية مستدامة بالاعتماد على خصائص الجهة ؟ مشيرا إلى أن من يتعامل مع المطالب المرفوعة من قبل المحتجين تحت الضغط متأخر جدا ويسمح بانتقال العدوى بين مختلف المناطق باعتبار ان المحتجين أصبحوا يتوجهون الى القطاعات التي تمثل ضريبة موجعة للحكومة لمزيد من الضغط، مبينا ان الحكومة تتعامل تحت هذا الضغط ومن له وسيلة ضغط يستعملها. ولفت اليعقوبي الى ان الجمعية تعمل على الشفافية في قطاع المحروقات مناديا باكثر شفافية على مستوى المداخيل على الاقل على اساس مفهوم المسؤولية المجتمعية للشركات، مؤكدا ان شركة فسفاط قفصة تتحمل سنويا 20 مليون دينار لتغطية مسؤوليتها المجتمعية لكن دون ان تحدد من ينتفع بهذه المشاريع.
وفي مسالة التنمية الجهوية وكيفية النهوض بها يقول اليعقوبي ان المسالة بسيطة تتمثل في خلق نسيج اقتصادي نابع من خصائص كل جهة بالاضافة الى دعوته الى نبذ عقلية التواكل.
وفي مقترح تقدمت به مجموعة من النواب يتمثل في مشروع قانون يتعلق بالمسؤولية المجتمعية للمؤسسات تم التأكيد على ان المؤسسة الاقتصادية تنتهج مسؤوليتها المجتمعية بناءا على وعيها بضرورة تحمل مسؤولية تاثير نشاطها في المجتمع وعلى البيئة من خلال تبني سلوك شفاف واخلاقي يعود بالفائدة على المجتمع. وقد تضمن المقترح تكوين لجنة المسؤولية المجتمعية للمؤسسة صلب كل المؤسسات والمنشآت العمومية وبالمؤسسات الخاصة المنتفعة بعقود لزمة، والتي تنشط في مجال التصرف في الثروات الطبيعية، وكذلك الشركات المدرجة في بورصة الاوراق المالية وتم تحديد القطاعات التي يمكن لمشاريع الانشطة في اطار المسؤولية المجتمعية للمؤسسات ان تنشط فيها وهي مقاومة الفقر والتعليم ومحو الامية والصحة والاحاطة الاجتماعية والاعتناء بالطفولة وبالمعاقين والتشغيل وتنمية المهارات وإحداث مشاريع من قبل الشباب والمرأة..
التفاوت شامل
من جهته أكد الحبيب زيتونة المدير العام للمعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية في تصريح للمغرب ان الاستثمارات العمومية ارتفعت والبرنامج التنموي يسجل تطورا ، وتمّ إحداث بعض المشاريع في البنية التحتية وهناك مجهودات لكن نتائج هذه المشاريع تظهر على المدى المتوسط والبعيد ولهذا يلاحظ المواطن عادة عدم إحراز أي تقدم. لهذا فان الإشكالية تدور حول كيفية تقليص التفاوت الزمني بين المجهودات وتأثيرها.
وفي عمل المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية اكّد زيتونة أن المعهد قام بدراسات تتعلق بالتمييز الايجابي وتم اكتشاف توفر عديد المكونات مثل الامتيازات الجبائية والبرامج التي تحظى بالتمويلات موجودة، والمؤسسات المتخصصة في التنمية موجودة أيضا إلا أن الإشكالية الأخرى هي الحوكمة والتقييم، وبخصوص عزوف القطاع الخاص عن الاستثمار في المناطق الداخلية قال زيتونة أن المبادرة الخاصة مازالت لم تبد أي موقف.
فما هو ضروري اليوم هو العمل على كيفية جعل المستثمرين يقتنعون بالاستثمار في هذه المناطق بالتسويق لها وإرساء الحوكمة ، وأضاف المتحدث أن الجهات التي تحظى بتنمية أفضل من جهات أخرى تشكو أيضا من تفاوت على مستوى معتمدياتها.