خلال يوم دراسي انتظم، بالأكاديمية البرلمانية لمجلس نواب الشعب، ضرورة تنقيح مقترح قانون عدد 058/2025 المتعلق بتسوية مخالفات الصرف لضبط المخالفات، التي يمكن تسويتها وتحديد المستفيدين بدقة.
أبرز عبد الجليل الهاني رئيس لجنة المالية والميزانية من جهته أهمية مقترح القانون المتعلق بتسوية مخالفات الصرف الذي تولت اللجنة دراسته والتحاور في شأنه الى كل المتدخلين في الشأن المالي والصرفي والاطلاع على مشاكل مجلة الصرف التي صدرت منذ 1970 ونقّحت ببعض الأوامر في التسعينات وبقيت تشتغل بنظم قانونية قديمة تجاوزتها الاحداث الوطنية والدولية ولم تعد تتماشى مع التطور المتسارع الرقمي والعلمي التكنولوجي والتعامل بالعملات الورقية. وأضاف أن الإشكالية التي تطرح مع مجلة الصرف تهم القوانين التي لم تعد مواكبة للتعاملات مع الخارج أمام تطور العملات والمؤسسات النّاشئة التي تستقطب فئة كبيرة من المتعاملين مع الخارج، وبيّن أن أحكام المجلة الموجودة حاليا تجعل المواطن يتخوّف من مسك العملة بالنّظر الى ما فيها من عقوبات وإجراءات تعطل السير العادي للعمل ويجب تغييرها لمواكبة التحوّلات العالمية.
وأشار رئيس لجنة المالية الى أنّ اللجنة تطرّقت في دراستها لمقترح القانون الى مسألة سنّ عفو عن المخالفات الصرفية والتي منها المتعمّد ومنها ما هو ناتج عن عدم معرفة ودراية للقانون بما تسبّب في عديد الخطايا والعقوبات التي أثقلت كاهل المقيمين وعطّلت عملهم رغم نوع المخالفة التي لا تتطلّب هذا النوع من العقوبات والتتبّعات. وأبرز ضرورة التفكير في عديد الإشكاليات المطروحة في هذا المجال وفي إيجاد الحلول لها وفق ما نصّت عليه بعض احكام مقترح القانون بما يمكّن من تنمية الموارد من العملة الأجنبية في إطار مصالحة عامة وشاملة اقتصادية وإيجاد حلول لهذه الجرائم الصرفية التي ستسهم تسويتها بالتالي في تنمية المخزون الوطني من العملة الأجنبية. كما أعرب عن الأمل في الانخراط في هذا العفو الصرفي خلافا لما تم في سنة 2017 حيث اعتبرت الشروط غير ضامنة وآمنة، وأكّد في هذا الصدد أهمية مبدأ الأمان القضائي بعد سنّ هذه القوانين، إضافة الى التطمينات التي تشجّع على الانخراط في هذا العفو بعد توفّر الضمانات اللازمة، فضلا عن وجود التسهيلات والتشريعات الأخرى المساهمة في إنجاح هذا التمشي والمشجّعة للشباب الذي يطمح الى أن لا تكون تعاملاته رهينة للتراخيص.
وقدّم أنور السبيعي، مدير النزاعات بالإدارة العامة للديوانة بوزارة المالية، مداخلة تمحورت حول تشخيص الوضعية الصرفية الحالية و عدد من الملاحظات حول مشروع قانون تسوية مخالفات الصرف. وأفاد أنّ المخالفات الصرفية تنامت بشكل ملحوظ نتيجة عدة أسباب منها كثرة النصوص القانونية والترتيبية ذات العلاقة بالصرف وتشعّبها وتداخلها مثل التجارة الخارجية، والتشريع الديواني، والتشريع المتعلّق وبتبييض الأموال، فضلا عن غموض بعض المفاهيم الصرفية. كما قدّم أمثلة حول تشعّب النصوص المتعلقة بتوريد وتصدير العملة والقانون الأساسي المتعلق بمكافحة تبييض الأموال ومجلة الديوانة. وأشار الى تداخل المفاهيم المتعلقة بالتصريح بالمكاسب ومسألة الإقامة، معتبرا أنها من المفاهيم المتشعّبة في التشريع الصرفي نظرا لعدم إمكانية حصر الحالات. واعتبر أن هذا التشعب أدّى إلى تنامي المخالفات الصرفية عن جهل أو عن عدم دراية وإلمام بالقانون الصرفي مع وجود العديد من الحالات التي تورّط أصحابها عن سوء نية في هذه المخالفات، مقابل تشدّد كبير على مستوى زجر المخالفات. وبيّن في ذات السياق أنّ كل المخالفات الصرفية مهما كانت درجة خطورتها أو درجة تفاهتها يعاقب عليها بنفس العقوبة، وأنّه لا وجود لترتيب للجرائم الصرفية على غرار ما هو معمول به في التشريعات الأخرى كالمجلة الجنائية، ومجلة الديوانة.
ثم تولّى تقديم بعض الملاحظات حول مقترح القانون داعيا الى ضرورة تحقيق الملاءمة مع الفصل 92 من القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال الذي ينص على مكافحة غسل الأموال وزجره. وأشار الى وجود غموض في عدد من الفصول المتعلقة بالفئات التي تشملها التسوية في مخالفات الصرف والى وجود العديد من الشركات في وضعية مخالفة لقانون الصرف وذلك عبر تكوين مكاسب بالخارج مثل القيام بإستثمارات بالخارج أو المساهمة في شركات بالخارج، دون الحصول على ترخيص من البنك المركزي.
وبيّن أن مقترح القانون حصر التسوية في أنواع معينة من المخالفات الصرفية وهي عدم التصريح بالمكاسب بالخارج، وعدم إعادة مداخيل ومحاصيل المكاسب، ومسك عملات في شكل أوراق نقدية أجنبية بالبلاد التونسية وعدم إيداعها لدى وسيط مقبول وعدم إحالتها مقابل الدينار ، معتبرا أنها غير كافية. وأكّد أنّ المخالفات الصرفية المرتكبة والتي يمكن تسويتها بمقتضى هذا القانون متعدّدة ومنها خاصة إرجاع محاصيل الصادرات خارج الآجال القانونية، والتعامل بين مقيم وغير مقيم على خلاف الصيغ القانونية، وخلاص عمليات توريد على خلاف الصيغ القانونية في المخالفات الديوانية المتعلقة بالتصريح المغلوط في القيمة، وإرجاع المنحة السياحية أو ما تبقى منها خارج الآجال أو إستعمالها في غير الغرض التي منحت من أجله.
كما قدم ملاحظات تقنية أخرى تتعلق بصعوبة مراقبة مدى إرجاع القيمة الحقيقية للمكاسب خاصة بالنسبة للممتلكات العقارية بالخارج.
وقدّمت روضة بوقديدة، المديرة العامة لعمليات الصرف بالبنك المركزي التونسي، مداخلة تناولت ملاحظات البنك حول مقترح قانون يتعلق بتسوية مخالفات الصرف. وبيّنت في البداية دعم البنك المركزي التونسي لكلّ مبادرة تشريعية من شأنها أن تُساهم في تعزيز شفافية المعاملات المالية وتحسين إدماج الموارد بالعملة الأجنبية في الدورة الاقتصادية المنظمة، لما لذلك من أثر إيجابي على الاستقرار النقدي والتوازنات المالية الكبرى للبلاد.