في اختتام أيام قرطاج المسرحية: الذهب والبرونز في خزائن المسرح التونسي

بعد أسبوع من العروض، من اللقاءات، من الحوارات..

أسدلت أيام قرطاج المسرحية ستارة الاختتام، بعد أن تركت أثرا يشبه العطر بعد مرور العابرين. وبعد أن ملأت "الأيام" العاصمة نبضا ومسرحا وفنا، ودّعت جمهورها وعروضها وتوّجت مسرحيات أعادت رسم العالم على الخشبة في رؤى إخراجية متميزة. وقد هيمن المسرح التونسي على النصيب الأكبر من الجوائز ليبقى تميزه قيمة ثابتة وليس استثناء.

لملمت الدورة 26 لأيام قرطاج المسرحية أوراقها، مساء السبت 29 نوفمبر 2025، في حفل الاختتام بمسرح الأوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي. تزامنا مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، جدّد المدير الفني للأيام محمد منير العرقي التزام تونس ومهرجانها ومسرحها بالدعم غير المشروط للقضية الفلسطينية.

3 جوائز من نصيب "الهاربات"

في انتظار الإعلان عن الجوائز، عمّت قاعة الأوبرا بمدينة الثقافة حالة من الترقب والتشويق في انتظار الكلمة الفصل من لجنة التحكيم التي ترأسها الفنان التونسي الأسعد بن عبد الله، ومثّل عضويتها كل من سعداء الدعاس من الكويت ومالك العقون من الجزائر وأبدون فورتونيه من الكونغو وثامر العربيد من سوريا كأعضاء وعماد المي من تونس مقررا.
ولقد اختطف المسرح التونسي الضوء والذهب، بفوز مسرحية "الهاربات" للمخرجة وفاء الطبوبي التانيت الذهبي، إضافة إلى جائزة أفضل أداء نسائي التي ذهبت للممثلة لبنى نعمان. كما ذهبت جائزة أفضل نص إلى وفاء الطبوبي عن نصها التي قامت على متنه مسرحية "الهاربات" .هذا التميز على مستوى الإخراج المتماسك والأداء التمثيلي القوي أكّد أن المسرح التونسي اليوم ينتج أعمالا مكتملة فنيا وقادرة على منافسة بقية المسارح العربية والإفريقية.
للسنة الثانية على التوالي، يعتلي المسرح التونسي منصّة التتويج في أيام قرطاج المسرحية معانقا التانيت الذهبي، مؤكدا أنّ تألقه لم يكن لحظة عابرة بل امتدادا لمسار إبداعي مستمر. ففي الدورة الفارطة، فازت مسرحية "البخّارة" للمخرج صادق الطرابسي بجائزة التانيت الذهبي، بالإضافة إلى ثلاث جوائز أخرى.
كما كان التتويج بالتانيت البرونزي من نصيب مسرحية "جاكارندا" للمخرج نزار السعيدي، والتي قدّمت هي الأخرى نموذجا لعودة المسرح التونسي إلى مواضيع الهوية والذاكرة الجماعية.
هذا التتالي في التتويج يؤكد إلى اجتهاد الممارسة المسرحية التونسية في رؤاها وأساليبها ومناهجها الإخراجية، وفي الجرأة على مساءلة الواقع عبر أشكال فنية متجددة.

التانيت الفضي للعراق... وجائزة أحسن ممثل لمصر

على ركح مسرحية "الجدار" من العراق للمخرج سنان العزاوي، تجتمع حكايات نساء يحملن وجوها وخفايا مختلفة، لكن يجمعهن مصير واحد: القهر والعنف والاستغلال في عالم لا يرحم الضعيف ولا يعترف بالإنسانية. هنّ نساء وجدن أنفسهن عالقات في مجتمع يتزيّن بالشعارات وينهش أجسادهن وكرامتهن في الخفاء. يمزج "الجدار" بين قصص متداخلة في فظاعتها وصادمة في صراحتها وجريئة في كشفها لما يجري خلف الأبواب المغلقة. في تعرية لقضايا مسكوت عنها، توّجه المسرحية أصابع الاتهام إلى واقع قاس ضحيته الأكبر المرأة. وأمام جرأة في طرح المسكوت عنه والنبش في التابوهات بلغة مسرحية عميقة وراقية، فازت مسرحية "الجدار" إخراج سنان العزاوي بجائزة التانيت الفضي.
في تتويج ثان، فازت مسرحية "الجدار" من العراق بجائزة أفضل سينوغرافيا في الدورة 26 لأيام قرطاج المسرحية، لتبرز قوة الابتكار في تصميم الفضاء المسرحي مما أضفى بعدا بصريا يعكس التوتر والرمزية الدرامية للنص. هذا الفوز يؤكد قدرة الفرق العراقية على تقديم عروض متكاملة فنيا، تجمع بين النص والإخراج والبعد البصري، ويضعها في مقدمة المشهد المسرحي العربي من حيث الابتكار والإبداع التقني على مستوى السينوغرافيا.
وعن دوره المتميز في شخصية "المعلم برترام كيتس" في مسرحية "سقوط حر" من مصر محمد فرج خشاب، فاز بجائزة أفضل أداء رجالي الممثل المصري أحمد أبوزيد .

جوائز مسرح الحرية وحرية التعبير … ومضة أمل

من اللحظات المشّرفة والمشرقة في تتويجات هذه الدورة، كان أيضا الحضور المميّز لأعمال نوادي السجون ومراكز الإصلاح. هذا الفضاء الموازي – الذي أصبح جزءا أصيلا من فلسفة المهرجان – سجّل بدوره نجاحات تونسية، أهمها الجائزة الكبرى لسجن برج الرومي عن عمل "سد عقل . أما في مسابقة مسرح الحرية لمراكز الإصلاح، فقد كانت الجائزة الكبرى من نصيب مركز إصلاح الأطفال الجانحين المروج عن عرض "حياة بلا إدمان" في إخراج لخالد العمدوني وسيف الدين الوسلاتي.
وقد فازت مسرحية "زنوس" لصالح حمودة بجائزة نجيبة الحمروني لحرية التعبير، لتؤكد أن المسرح التونسي لم يفقد جرأته في الاقتراب من المناطق الشائكة. كما نالت "ميتامورفوز" لقيس بولعراس تنويها خاصا.

بالرغم من كل التحديات والرهانات والطموحات المؤجلة، أثبتت الدورة 26 لأيام قرطاج المسرحية أن تونس كانت وستبقى حاضنة للمسرح العربي والإفريقي. كما أعلنت بوضوح أنّ المسرح التونسي ليس فقط حاضرا، بل متميزا ومتوّجا ومثيرا للإعجاب والانبهار.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115