كأول مصافحة للجمهور، كأول فكرة عن فلسفة الدورة،كأول لمحة عن مدى العمق والاختلاف.. وتأتي معلّقة الدورة 26 لأيام قرطاج المسرحية من تصميم عاطف معزوز لتعلن منذ النظرة الأولى أنّها نصا بصريا مشحونا بالرموز والدلالات ينهل من جمالية الكولاج المعاصر ليجسّد الروح السيميائية للمسرح بما هي التعدّد، التحوّل وسقوط الأقنعة.
يتوسط قلب المعلقة الوجه المنقسم والمموّه الذي قد يحيل إلى الازدواجية التي يعيشها الممثل فوق الخشبة ما بين الشخصية الحقيقية والشخصية المتقمّصة.
من يتأمل هذا الوجه المفكّك يرى أنّه ليس وجها واحدا وليس وجهين أيضا، بل صخب دلالي ورمزي للوجوه. فهي ملامح تُعاد صياغتها عبر جناح فراشة، عبر ترسٍ ميكانيكي، عبر شَعر يتّخذ شكل أزهار بنفسجية تتدلى فوق الرأس كأنها ذاكرة ثقيلة ترافق الفنان في حله وترحاله. تبدو هذه التراكيب بعيدة كل البعد عن الاعتباطية لتكون بمثابة الإعلان الصريح بأنّ المسرح هو الفن الذي لا يكتمل إلا بتفكيك ذاته.
تعج المعلقة بالرموز، فقد تكون الفراشة هي رمز التحوّل والتلون والربيع، وقد تكون التروس إشارة إلى الآلة والخلفية التقنية التي تستعين بها المسارح، وقد يكون الطائر رمز الانعتاق والحرية، وقد يكون الوجه حمّال معان وألوان تتبادلها الأدوار.
في شاعرية واضحة انسابت الخيوط الذهبية من الوجه نحو الأسفل، كأنها نصوص تنزل من الرأس إلى الأرض، من الورق إلى الركح، من المجهول إلى المعلوم إنّ هذا الانسياب البصري يحّفز سؤالا جوهريا: هل نكتب المسرح أم أنّ المسرح هو الذي يكتبنا؟
رغم ثقل الألوان الليلية التي تغمر الخلفية، فمعناها ليس العدمية والعتمة مقفرة بقدر ما تقترح فضاء كونيا يحرّض العين على اقتحام عالم تتداخل فيه الذوات والأدوار. وتأتي سيطرة اللون البنفسجي كإحالة إلى العمق والغموض والإلهام بماهي جوهر المسرح الذي يحلّق بين الواقع والحلم.
بالرغم من الازدحام البصري الذي قد يرهق القراءة الأولى، فإنّ معلّقة أيام قرطاج المسرحية مثلها مثل المسرح تستفز الفكر والحواس وتتطلب من المشاهد بحثا وجهدا، وتمنحه بالمقابل متعة الكشف.
في النهاية، هي معلّقة تقول أكثر مما تُظهر، وتُخفي أكثر مما تقول تماما كما يفعل المسرح.