ترحيب إقليمي ودولي واسع ودعوات لترجمته ميدانيا اتفاق وقف إطلاق النار في غزة... آمال السلام واختبار النوايا السياسية

بعد عامين من الدمار والمجازر، تقف غزة اليوم على أعتاب

تحوّل سياسي وإنساني قد يشكّل لحظة فارقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. إذ أعلنت كل من حركة حماس وحكومة الاحتلال الإسرائيلية ، موافقتهما على المرحلة الأولى من خطة سلام تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وترعاها كل من قطر ومصر ، بموجب مبادرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تضمّنت وقفا لإطلاق النار وتبادلا للرهائن والأسرى، وانسحابا جزئيا لقوات الإحتلال الإسرائيلي من القطاع بعد أكثر من سنتين على حرب إبادة لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا .لكن -وفق مراقبين - ما يبدو في الظاهر كـ "اتفاق سلام" لا يمكن فصله عن ثمن الحرب الباهظ الذي خلفته حرب إبادة صهيونية استمرت أكثر من عامين،67,194 شهيدا و 169,890 جريحا، ومئات آلاف العائلات التي اقتُلعت من منازلها، في حرب ضروس طالت البشر والحجر في القطاع المحاصر.

وفجر أمس الخميس، أعلن ترامب اتفاق حماس و''إسرائيل'' على المرحلة الأولى من خطته، وتتضمن انسحابا إسرائيليا إلى خط متفق عليه كخطوة أولى، وتبادل أسرى متوقعا خلال الأيام القليلة القادمة .فيما قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس إن الاتفاق يقضي بإنهاء الحرب، وانسحاب "إسرائيل"، ودخول المساعدات، وتبادل أسرى، ودعت إلى "إلزام حكومة الاحتلال بتنفيذ استحقاقات الاتفاق كاملةً".أما قطر فأعلنت الاتفاق على بنود وآليات تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة، وبما يؤدي لوقف الحرب، والإفراج عن المحتجزين والأسرى، ودخول المساعدات، على أن تُعلن التفاصيل لاحقا.
من جانبها قالت حكومة الاحتلال الإسرائيلي إن وقف إطلاق النار في غزة سيبدأ "في غضون 24 ساعة" بعد مصادقة المجلس الأمني الوزاري المصغر عليه.وقالت المتحدثة باسم الحكومة "في غضون 24 ساعة بعد عقد اجتماع مجلس الوزراء، سيبدأ وقف إطلاق النار في غزة".
وبينما ينتظر استكمال ترتيبات المرحلة الأولى من الخطة الأمريكية لوقف إطلاق النار في غزة، تبرز تساؤلات جوهريّة حول ملامح المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي يفترض أن تبدأ مباشرة بعد تسليم الأسرى، وفقا لمصادر وتقارير إعلامية.
وأكّدت المصادر أن الوسطاء، بالتنسيق مع واشنطن وتلّ أبيب، توصلوا إلى تفاهم بشأن بدء مفاوضات المرحلة الثانية عقب تنفيذ المرحلة الأولى، لكن هذه المرحلة لا تبدو أقلّ تعقيدا، بل قد تحمل في طياتها خلافات أشد، لا سيما ما يتعلق بالقضايا الإستراتيجية طويلة الأمد.
ويُجمع مراقبون على أنّ المرحلة الثانية تمثّل التحدّي الحقيقي في مسار إنهاء الحرب على غزة، حيث تتداخل فيها ملفات حسّاسة أبرزها نزع السلاح، الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وضمان استمرار وقف إطلاق النار، وهي قضايا لم تحسم حتى اللحظة، ويُتوقع أن تكون محور شدّ وجذب بين الأطراف.
تساؤلات حول الجداول الزمنية
في هذا السياق، يرى مراقبون أنّ المرحلة الأولى قد تستغرق وقتا أطول من المتوقع، ما ينعكس سلبا على إمكانية انطلاق المرحلة الثانية في وقت قريب.
ولعل من بين أبرز الإشكاليات المتوقعة، فيما يتعلق بمصير الضمانات المقدمة لحركة حماس، في ظل احتمال تعثر المفاوضات بفعل التعنت الإسرائيلي أو تقديم مطالب إضافية من جانب المقاومة.ويرى محللون أن نجاح المرحلة الثانية يتطلب زخما سياسيا ودبلوماسيا مشابها لما رافق المرحلة الأولى، سواء من قبل الوسطاء الإقليميين والدوليين أو من القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة.
وفي حال غياب هذا الزخم، فإن المرحلة الثانية ستشهد تباطؤا كبيرا قد يؤدي إلى شلل سياسي يعيق تنفيذ التفاهمات المتفق عليها، وعلى رأسها إعادة إعمار قطاع غزة والانسحاب الكامل للاحتلال.
ووفق مراقبين تظل المرحلة الثانية من اتفاق غزة محورا حرجا يختبر جدية الأطراف الدولية والإقليمية في إنهاء الحرب وتحقيق استقرار مستدام. وبينما يترقب الفلسطينيون خطوات ملموسة نحو إعادة الإعمار ورفع الحصار، تبقى المخاوف مشروعة من أن تتحول هذه المرحلة إلى فخ تفاوضي طويل الأمد ما لم تُفعّل أدوات الضغط السياسي بشكل حاسم.
تكلفة الفظائع... وواقع تحت الركام
لم تكن هذه الحرب كغيرها من جولات التصعيد السابقة، عامان من القصف المكثف والاجتياحات البرية، استهدفت كل مظاهر الحياة في غزة. المدارس، المستشفيات، البنية التحتية، وحتى مراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة لم تسلم. ومقابل هذه الوحشية، واصلت حماس التفاوض مستعملة كل أوراق الضغط لتكرس بذلك قدرتها على الصمود والبقاء رغم التفوق عسكري الإسرائيلي والدعم الأمريكي لقوات الإحتلال.
بالمقابل، تآكلت شرعية الاحتلال الإسرائيلي الدولية مع تصاعد الانتقادات الأممية والحقوقية، وصولا إلى صدور تقارير تتهمها بارتكاب جرائم حرب. هذا الضغط، إلى جانب انسداد الأفق العسكري، كان سببا في الدفع بالمفاوضات إلى الواجهة مجددا، مع دخول وسطاء إقليميين ودوليين على الخط، أبرزهم مصر وقطر وتركيا، ثم الولايات المتحدة بطرحها الأخير الذي لاقى قبول الأطراف المتفاوضة.
ووفق تقارير تتضمن المرحلة الأولى من الاتفاق، والتي أعلن ترامب التوصل إليها، وقفا لإطلاق النار، وإطلاقا فوريا لجميع الرهائن لدى حماس، أحياء وأمواتا، مقابل إفراج الإحتلال عن قرابة ألفي أسير فلسطيني، منهم أكثر من 200 محكومون بالسجن المؤبد ، إضافة إلى انسحاب إسرائيلي إلى ما يُعرف بـ "الخط الأصفر" داخل غزة خلال 24 ساعة من المصادقة على الإتفاق.
ويرى محللون أنّ الأهم ليس فقط مضمون الاتفاق، بل الظروف التي وُلد فيها. فبعد عامين من الحرب، لم تستطع ''إسرائيل'' تحقيق أهدافها المُعلنة، لا اجتثاث حماس، ولا استعادة رهائنها بالقوة، ولا إخضاع غزة. بل وجدت نفسها مضطرة للتفاوض مع الحركة التي أعلنت مرارا أنها لن تُلقي سلاحها ما دامت فلسطين تحت الاحتلال.
وعلى الرغم من التحفظات الإسرائيلية على بعض بنود الاتفاق، إلا أن حقيقة الدخول في مسار تفاوضي مباشر - وإن عبر وسطاء - مع حماس، يمثل تراجعا سياسيا واضحا، وانتصارا تكتيكيا للمقاومة التي تمسكت منذ البداية بوقف الحرب أولا، ثم الدخول في ترتيبات ما بعد الحرب.
"مجلس السلام"... مستقبل غامض
الخطة الأمريكية الكاملة، التي لم يُكشف عنها إلا جزئيا، تتضمن إنشاء هيئة دولية لإدارة غزة بعد الحرب تُعرف بـ"مجلس السلام"، على أن يترأسه ترامب نفسه، ويضم شخصيات سياسية بارزة مثل توني بلير. هذا البند يثير جدلا واسعا، خاصة في ظل الرفض الفلسطيني الواسع لأي "وصاية أجنبية" على القطاع، وكذلك رفض حماس الصريح لتسليم الحكم لجهة غير فلسطينية.
ويرى مراقبون أنه رغم التصريحات المتفائلة، لا تزال هناك عقبات كبيرة قد تهدد بتنفيذ الاتفاق أهمها إمكانية إخلال الاحتلال ببنود الاتفاق. في هذا السياق، يرى البعض أن المرحلة الثانية ،والتي ستتضمن إعادة إعمار غزة وتشكيل "مجلس السلام" ، ستكون محفوفة بتعقيدات سياسية إقليمية ودولية، وربما محاولات لفرض الأمر الواقع على الأرض.
في تاريخ الصراعات، لا تأتي الاتفاقات في لحظات الانتصار الساحق، بل حين يدرك الطرفان أن كلفة الاستمرار تفوق كلفة التنازل. وهذا ما حدث في غزة. إذ يرى خبراء أن الحرب التي دخلها الاحتلال الإسرائيلي لهدف "تحطيم" حماس، تنتهي اليوم باتفاق سياسي يعترف عمليا بوجود الحركة كطرف تفاوضي لا يمكن تجاوزه.وإذا كان وقف النار يُعدّ مكسبا إنسانيا عاجلا لأهل غزة، فإن المكسب السياسي الأكبر يكمن في حقيقة أن المقاومة صمدت وانتزعت الاتفاق لا بتقديم التنازلات، بل بفرضها.
"باب الأمل للمنطقة"
اعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الخميس، أن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة "يفتح باب الأمل لشعوب المنطقة في غدٍ تسوده العدالة والاستقرار".
وجاء الاتفاق فجر أمس الخميس بعد أربعة أيام من مفاوضات غير مباشرة بين حركة "حماس" وإسرائيل بمدينة شرم الشيخ المصرية، بمشاركة وفود من تركيا ومصر وقطر، وبإشراف أمريكي.وقال السيسي قال في بيان: "شهد العالم لحظة تاريخية تجسد انتصار إرادة السلام على منطق الحرب، من شرم الشيخ، أرض السلام ومهد الحوار والتقارب".
وتابع: "تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة بعد عامين من المعاناة، وفقا لخطة السلام التي طرحها الرئيس (الأمريكي دونالد) ترامب، وبرعاية مصر وقطر والولايات المتحدة".واعتبر أن "الاتفاق لا يطوي صفحة حرب فحسب، بل يفتح باب الأمل لشعوب المنطقة في غدٍ تسوده العدالة والاستقرار".
ومن المقرر أن يجتمع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينت" مساء الخميس للتصديق على الاتفاق، قبل اجتماع الحكومة للتصديق النهائي.ويمثل التصديق ضوءا أخضر لبدء انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة إلى خط متفق عليه كمرحلة أولى، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابل الأسرى الإسرائيليين في غزة.وحدث تضارب بشأن بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار.
ترامب في زيارة مرتقبة للمنطقة
ذكرت تقارير إعلامية أن حكومة الاحتلال تستعد لاستقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيارة مرتقبة.وتشير التقديرات إلى أنه سيصل الأحد، مع احتمال أن يصل مساء السبت بدلا من ذلك، أو أن يبقى حتى صباح الإثنين في حال تأخرت عملية الإفراج عن الرهائن.
ووفقًا للمصادر، ستكون الزيارة قصيرة، ويرجّح أن تبدأ باستقبال رسمي في مطار بن غوريون، على أن يلقي ترامب كلمة أمام الكنيست.ولا يزال غير محسوم بحسب الصحيفة ما إذا كان ترامب سيكتفي بزيارة خاطفة قبل مغادرته مباشرة بعد انتهاء جدول اللقاءات.وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد قال مساء الأربعاء، إنه قد يتوجه إلى الشرق الأوسط في نهاية الأسبوع، وذلك في حال إبرام اتفاق لإنهاء الحرب في غزة.
ودعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نظيره الأمريكي ترامب لحضور توقيع "اتفاق غزة" في مصر حال التوصل إليه.وكشف مسؤول في البيت الأبيض أن المبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر شاركا، الأربعاء، في اجتماعات عُقدت في شرم الشيخ، ضمن جهود الدفع بـ"خطة ترامب" لإنهاء الحرب في غزة.
معالجة آثار حرب غزة

في الأثناء قالت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، امسالخميس، إن السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومتها استكملتا الاستعدادات اللازمة لمعالجة آثار الحرب المدمرة، وإزالة الأنقاض، والاستعداد لعقد مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة.
جاء ذلك وفق بيان للجنة عقب اجتماع عقد في مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، برئاسة نائب رئيس دولة فلسطين حسين الشيخ، ناقشت خلاله الاتفاق الذي تم الإعلان عنه في مدينة شرم الشيخ برعاية مصر.
أكدت اللجنة التنفيذية، أن "السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومتها قد استكملتا الاستعدادات اللازمة لمعالجة آثار الحرب المدمرة، وفي مقدمتها إزالة الأنقاض، وتقديم الإغاثة للمتضررين، والإسراع في عقد المؤتمر الدولي لإعادة إعمار قطاع غزة بالتنسيق مع مصر الشقيقة".ورحبت اللجنة التنفيذية بدعوة مصر لبدء الحوار الوطني الفلسطيني الشامل بين جميع الفصائل الفلسطينية.وأكدت على أهمية هذه الخطوة وضرورة الإسراع في تنفيذها بما يعزز وحدة الأرض والشعب الفلسطيني في الدولة الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة)، وتمهيد الطريق لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها حل الدولتين.
ولفتت اللجنة التنفيذية، إلى أنها تتطلع إلى الإسراع في تنفيذ جميع بنود الاتفاق ومراحله، وعلى رأسها الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار، وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من كامل أراضي قطاع غزة، والبدء الفوري بتدفق المساعدات الإنسانية لوقف المجاعة التي تسبب بها العدوان.
وذكرت أنها في حالة انعقاد دائم لمتابعة التطورات المتلاحقة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ولضمان تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بما يخدم مصلحة شعبنا وحقوقه الوطنية الثابتة.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115