في الذكرى الثانية لحرب الإبادة.. سنتان من الدعم الأمريكي لـ"إسرائيل" هل تُنهي مفاوضات شرم الشيخ الجحيم في غزة ؟

دخل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عامه الثالث دون مؤشرات

حقيقية على قرب انتهائه، أو حتى محاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه، وسط مشهد دولي يزداد اختلالا في موازين العدالة والحقوق. وبينما يُقدَّر عدد الضحايا الفلسطينيين بمئات الآلاف بين شهداء وجرحى في كارثة إنسانية غير مسبوقة حوّلت غزة إلى ركام، تبرز الولايات المتحدة الأمريكية كلاعب رئيسي في استمرار هذه المأساة، عبر دعم سياسي وعسكري غير مسبوق، وفر الغطاء الكامل للاحتلال الإسرائيلي لمواصلة حرب الإبادة الجماعية التي يشنها في القطاع.

منذ الساعات الأولى لهجوم 7 أكتوبر 2023، تبنّت واشنطن موقفا داعما للاحتلال الإسرائيلي بشكل مطلق، وصفه كثير من المراقبين بـ"الانحياز الأعمى". هذا الدعم لم يتوقف عند التصريحات أو المواقف الدبلوماسية، بل تمثل في دفعات متتالية من المساعدات العسكرية والمالية، تجاوزت قيمتها 21.7 مليار دولار خلال عامين فقط، بحسب تقرير صادر عن معهد "كوينسي" الأمريكي للأبحاث.
وأوضح التقرير أن هذه المساعدات وُجهت بشكل مباشر لدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتشمل ذخائر موجهة بدقة، وقذائف مدفعية، وقنابل ذكية، وأنظمة دفاع جوي، إضافة إلى تعويض المخزونات التابعة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي المستهلكة خلال العمليات العسكرية.
بايدن وترامب: توافق في الدعم رغم التباين السياسي
ورغم التباين الحاد بين سياسات الرئيسين الأمريكيين السابق جو بايدن والحالي دونالد ترامب في ملفات دولية عديدة، فإن الموقف من "إسرائيل" ظل ثابتا. فبحسب التقرير ذاته، قدمت إدارة بايدن 17.9 مليار دولار كمساعدات عسكرية منذ أكتوبر 2023، فيما تعود 3.8 مليار دولار منها إلى قرارات اتخذتها إدارة ترامب في إطار اتفاقيات الدعم العسكري طويل الأمد لإسرائيل.
ومع نهاية عامين من الحرب، تؤكد هذه الأرقام أن الدعم الأمريكي ليس رد فعل طارئ، بل سياسة إستراتيجية راسخة، تسهم فعليا في استمرارية العدوان الإسرائيلي، وتعزز من عجز المجتمع الدولي عن إلزام الكيان الصهيوني بوقف التقتيل الجماعي والتدمير الممنهج للبنى التحتية ولكل مظاهر الحياة في غزة .
ووفق مراقبين لم يكن التواطؤ الأمريكي عسكريا فحسب، بل شمل أيضا استخدام حق النقض الفيتو مرات عديدة في مجلس الأمن الدولي ، وذلك لإفشال قرارات تطالب بوقف إطلاق النار، أو بإجراء تحقيقات دولية في جرائم الحرب المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين.
في المقابل، كانت إدارة بايدن أول من دعا لمحاكمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام المحكمة الجنائية الدولية على خلفية غزو أوكرانيا، دون أن تبدي الاستعداد ذاته -كما إدارة خلفه دونالد ترامب- لدعم محاسبة قادة "إسرائيل" رغم الأدلة المتزايدة على ارتكابهم جرائم ضدّ الإنسانيّة.
ويكرس هذا السلوك وفق متابعين ازدواجية المعايير الأمريكية، ويضرب مصداقية شعارات حقوق الإنسان والقانون الدولي التي لطالما رفعتها واشنطن كغطاء لتدخلاتها الدولية. إذ لم يقتصر الحضور الأمريكي في العدوان على غزة على الدعم المباشر لإسرائيل، بل امتد ليشمل المنطقة بأكملها. فقد كشف تقرير لمعهد "واتسون" بجامعة براون الأمريكية أن الولايات المتحدة أنفقت ما بين 9.65 و12 مليار دولار على عمليات عسكرية في الشرق الأوسط منذ أكتوبر 2023، منها 2.25 مليار دولار على عمليات مباشرة ضد إيران في جوان الماضي، خلال حرب قصيرة استمرت 12 يوما بين "إسرائيل" وإيران.
كما نفذت القوات الأمريكية عشرات الغارات ضد مواقع للحوثيين في اليمن، في إطار تأمين الملاحة لصالح الاحتلال الإسرائيلي في البحر الأحمر، ما يعكس حجم انخراط واشنطن في حرب إقليمية مركّبة تتجاوز حدود غزة.
سياسة الصمت الدولي
مع دخول الحرب عامها الثاني، تستمر سلطات الاحتلال الاسرائيلي في ارتكاب المجازر بحق المدنيين، وسط صمت دولي مطبق، تقوده واشنطن وحلفاؤها الغربيون . ورغم موجة الاعترافات الأخيرة التي أعلنتها عدة دول غربية على غرار فرنسا وبريطانيا وكندا وغيرها بدولة فلسطين ، ألا أن أمريكا أدانت الخطوة . وقد رفضت الولايات المتحدة مطالبات دول ومنظمات حقوقية عديدة، بينها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، بإجراء تحقيقات دولية مستقلة، أو فرض عقوبات على "إسرائيل".
وبينما تكافح المحكمة الجنائية الدولية لإثبات استقلاليتها، تحذّر واشنطن من إصدار أي مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين، وتهدد بعواقب وخيمة إذا ما جرت محاولات لمحاكمة قادة تل أبيب، ما يُظهر بوضوح أن العدالة الدولية رهينة للسياسة الأمريكية.
مع مرور عامين على بدء العدوان على غزة، لم تعد القضية تقتصر على قضية فلسطينية–إسرائيلية، بل تحوّلت إلى اختبار عالمي للقيم والمبادئ والعدالة. الولايات المتحدة، بما تملكه من نفوذ سياسي وعسكري واقتصادي، تلعب دورا حاسمًا في إطالة أمد المأساة، وتتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية في ما يجري.

ويرى محللون أنّ استمرار الدعم الأمريكي لسلطات الاحتلال دون شروط، وغياب أي مساءلة حقيقية، لا يعزز فقط معاناة الفلسطينيين، بل يهدد ما تبقى من منظومة القانون الدولي، ويفتح الباب أمام انهيار توازنات حقوق الإنسان على مستوى العالم.
مفاوضات شرم الشيخ.. محاولة جديدة أم تكرار للفشل؟

في خضم هذه الحرب الطويلة، شهدت الأيام الأخيرة تحركات دبلوماسية جديدة تمثلت في انطلاق مفاوضات غير مباشرة بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية حماس في مدينة شرم الشيخ المصرية، بوساطة مصرية–قطرية، وبرعاية أمريكية وأممية.
ورغم محاولات تسويق هذه الجولة من المحادثات كفرصة حقيقية لوقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق تبادل رهائن و أسرى، تبدو المؤشرات الأولية باهتة، في ظل تعنت إسرائيلي واضح، واستمرار العمليات العسكرية المكثفة في غزة، وغياب الضغط الدولي الجاد على تل أبيب.
الوفد الأمريكي، وعلى رأسه مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي أي أي" وليام بيرنز، يشارك بشكل فعّال في المفاوضات، لكن أسئلة جوهرية تطرح حول نوايا واشنطن ، هل تأتي هذه المشاركة في إطار محاولة جادة لإنهاء الحرب، أم تهدف فقط إلى احتواء الغضب الدولي المتصاعد وتقديم صورة "مُحايدة" للولايات المتحدة في ملف يثبت يومًا بعد آخر أنها طرف فيه، لا وسيط؟ .
ووفق تقارير تحدثت مصادر مطّلعة على سير المفاوضات عن نقاط خلاف جوهرية، أبرزها إصرار كيان الاحتلال على استثناء مناطق واسعة من غزة من أي انسحاب فوري، ورفضها الالتزام بوقف دائم لإطلاق النار، ما يعزز الاعتقاد بأن ما يجري في شرم الشيخ قد لا يخرج عن كونه مناورة سياسية جديدة لامتصاص الضغوط.
في ضوء كل ما سبق، تبدو فرص نجاح مفاوضات شرم الشيخ محدودة، ما لم يتغير الموقف الأمريكي جذريا. فدون تحول حقيقي في موقف واشنطن من الدعم غير المشروط لإسرائيل، وفرض خطوط حمراء واضحة لوقف الحرب وإنهاء الحصار، وضمان إعادة إعمار غزة، فإن أي مفاوضات ستبقى تدور في الفراغ السياسي.
بل أكثر من ذلك، قد تُستخدم هذه المفاوضات كغطاء لإطالة أمد الحرب، أو كسب الوقت لترتيب وقائع ميدانية جديدة على الأرض، عبر تهجير ما تبقى من سكان شمال غزة والقضاء على كل أشكال المقاومة، وتوسيع المناطق العازلة، واستمرار عمليات القصف التي تحصد المزيد من الأرواح يوميا.
فبعد عامين من حرب الإبادة، تدخل غزة مرحلة تفاوض مشوبة بالشكوك، وسط آلة حرب لم تتوقف، ودعم أمريكي لم يتراجع، وصمت دولي لم ينكسر. ومع أن أنظار العالم تتجه إلى شرم الشيخ، فإن السؤال الأكبر يظل قائما:هل يمكن لمفاوضات تُدار تحت مظلة أمريكية، من شريك في الحرب، أن تُنتج سلاما حقيقيا؟

تصعيد ممنهج
على صعيد آخر وبينما تستمر مجازر الحرب في قطاع غزة، تتعرض الضفة الغربية المحتلة منذ عامين لحملة تصعيد صهيونية ممنهجة، تشمل القتل والاعتقال والتهجير والتوسع الاستيطاني، في ظل صمت دولي ودعم أمريكي مفتوح لإسرائيل.
خلال العامين الماضيين، سُجّلت انتهاكات غير مسبوقة من حيث الحجم والنطاق الجغرافي في الضفة الغربية، بدءا بالقتل المباشر والاعتقالات، وصولا إلى هدم المنازل وتهجير السكان، وتوسيع البؤر الاستيطانية وإغلاق الطرق.
ووفق تقارير فإن أكثر من 1048 فلسطينيا استشهدوا برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة منذ أكتوبر 2023، فيما أُصيب أكثر من 10 آلاف آخرين، وفق معطيات مكتب الاتصال الحكومي الفلسطيني. أما الاعتقالات، فقد طالت أكثر من 20 ألف فلسطيني، بينهم أطفال ونساء وأطباء وصحفيون، في حملة تُوصف بأنها الأضخم منذ الانتفاضة الثانية.
وبحسب نادي الأسير الفلسطيني، استشهد ما لا يقل عن 77 أسيرا داخل السجون الإسرائيلية خلال هذه الفترة، في ظل شكاوى متزايدة من التعذيب والإعدام الميداني والمعاملة المهينة، فيما بلغ عدد المعتقلين الإداريين أكثر من 3500، في مؤشر على اتساع دائرة الاعتقال دون تهم أو محاكمات.
ويُلخّص ناشطون فلسطينيون ما يجري في الضفة بالوضع الكارثي، حيث لا تتوقف اقتحامات الجيش للمخيمات والمدن الفلسطينية، مترافقة مع عنف المستوطنين المنظم، تحت حماية جيش الاحتلال، فيما تُستخدم الهجمات على غزة كـ"غطاء سياسي" للمضي في مخططات السيطرة الجغرافية.
بالتوزاي مع ذلك كانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي تُسرّع خطواتها باتجاه توسيع المشروع الاستيطاني الأخطر: "E1"، والذي يهدف إلى ربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس، عبر شطر الضفة الغربية إلى جزئين، ووأد إمكانية قيام دولة فلسطينية موحدة.
فقد أقر الاحتلال بناء أكثر من 6900 وحدة استيطانية في محيط القدس المحتلة، فيما تمت مصادرة 55 ألف دونم من الأراضي، منها 26 ألفا أُعلن عنها كـ"أراضي دولة"، و20 ألفا تم تغيير تصنيفها كمحميات طبيعية لتبرير الاستيلاء عليها.في السياق ذاته، تم إنشاء 114 بؤرة استيطانية جديدة خلال عامين، في وتيرة توسعية لم تشهدها الضفة منذ عقود.
ووفق مراقبين لم تعد سلطات الاحتلال الإسرائيلي تخفي نواياها بضم الضفة الغربية رسميا. ففي جويلية 2025، صوّت الكنيست لصالح مشروع قرار يدعم ضم الضفة، مع دعوات من وزراء في حكومة المتطرف نتنياهو إلى تطبيق "السيادة الإسرائيلية" على الضفة بالكامل، متجاهلين القانون الدولي واتفاقيات أوسلو.

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115