"الجميع بإخلاء طهران فورا"، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية الدولية، نظرا لما يحمله من دلالات إستراتيجية ورسائل ضاغطة قد تعكس تحولات محتملة في مشهد المواجهة الإيرانية الصهيونية. فالتوقيت، والمضمون، والسياق الإقليمي، كلها عناصر تعزز من خطورة هذا التصريح وتضعه تحت عدسة التحليل العميق.
ووفق مراقبين من الواضح أنّ تصريح ترامب يدخل ضمن إطار الحرب النفسية، وهي أداة تقليدية في سياق الصراعات الكبرى، خصوصا عندما تتعلق بالقوى النووية أو الدول ذات النفوذ الإقليمي المتصاعد. فدعوة الإخلاء الفوري لطهران لا تستند إلى معلومات استخباراتية معلنة، لكنها تحمل وظيفة نفسية بامتياز بث الخوف والقلق داخل إيران، سواء على مستوى القيادة أو الشعب، وتعزيز الانطباع بأن الضربة الكبرى أصبحت قريبة جداً.
هذا التصريح يتقاطع بوضوح مع التصريحات الإسرائيلية التي صدرت مؤخرا عن كبار المسؤولين في تل أبيب، ومن ضمنهم رئيس وزراء ووزير خارجية الاحتلال، الذين طالبوا مواطنيهم وكل الأجانب بمغادرة طهران، وهو ما يعكس تنسيقا سياسيا وإعلاميا في إدارة الضغط على إيران، وقد يكون جزءا من التحضير المعنوي لعملية عسكرية واسعة النطاق.
ويترافق التصعيد اللفظي مع مؤشرات ميدانية لا تقل أهمية فقد كشفت مصادر أمنية عن امتلاك ''إسرائيل'' لقنابل خارقة للتحصينات، تزن نحو خمسة أطنان، قادرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية، وفي مقدمتها منشأة "فوردو" شديدة التحصين. مثل هذا التطور في بنك الأهداف العسكرية يعزز من فرضية أن التصريحات الأمريكية والإسرائيلية ليست مجرد تصعيد لفظي، بل قد تكون مقدمة لعمل عسكري كبير يهدف إلى تدمير قدرات إيران النووية قبل أن تتحول إلى واقع نووي فعلي.
بين الرفض العلني والاستعداد الخفي
ما يلفت الانتباه في موقف الولايات المتحدة، هو ما كشفه تصريح ترامب من استعداد أمربكي متزايد للمشاركة أو على الأقل للتغاضي عن تصعيد عسكري إيراني. ورغم أن الإدارة الحالية لم تصدر موقفا رسميا ، إلا أن إعادة انتشار القوات الأمريكية، وإرسال تعزيزات جوية إلى قواعد في المنطقة، إلى جانب امتناع واشنطن عن التوقيع على بيان مجموعة السبع الداعي إلى خفض التصعيد، كلها إشارات تدفع باتجاه تفسير تصريح ترامب على أنه ليس معزولا، بل يعكس جزءا من النهج الأمني الأمريكي الذي بدأ يميل إلى خيار القوة.
ما يزيد من خطورة الموقف أن التصعيد السياسي يتزامن مع استعدادات ميدانية حثيثة من كافة الأطراف، وسط مخاوف حقيقية من أن يتم ترجمة الحرب الكلامية إلى صراع مفتوح خلال فترة قصيرة.فقد أصبحت جميع السيناريوهات مطروحة: ضربة إسرائيلية مفاجئة، ردّ إيراني واسع عبر أذرعها في لبنان واليمن والعراق، أو دخول مباشر للقوات الأمريكية في حال فشلت جهود الردع أو خرجت الأمور عن السيطرة.
ووفق خبراء لم يكن تصريح ترامب بشأن مغادرة طهران مجرد رأي شخصي من ترامب، بل هو جزء من خطاب سياسي مدروس، يحمل رسائل متعددة المستويات. فهو من جهة يضغط على إيران ويحاول إثارة الهلع داخلها، ومن جهة أخرى يوجه الرأي العام نحو احتمال نشوب حرب، مع تمهيد نفسي واستراتيجي لأي تحرك عسكري مرتقب. في ظل كل هذه المؤشرات، فإن المنطقة تدخل مرحلة بالغة الحساسية، وقد تكون الأيام أو حتى الساعات المقبلة حاسمة في تحديد اتجاه البوصلة: نحو المواجهة الشاملة، أم نحو تسوية غير معلنة تفرضها الحسابات الكبرى.
موازين القوى
من جانبه قال الكاتب والباحث فيصل جلول لـ''المغرب'' أن نتنياهو صرّح بأنه لو لم يضرب إيران، لكانت الأخيرة قادرة على إنتاج 20 ألف صاروخ باليستي، وبذلك تهدد إسرائيل بالزوال. ويعني هذا القول أن القيمة الإستراتيجية لإسرائيل توازي 20 ألف صاروخ فقط، ما يثبت فعلاً أنها "بيت عنكبوت" وفق تعبيره.وأضاف جلول أن نتنياهو كان يعتقد أن سقوط النظام الإيراني بات قريباً، وأراد تكرار سيناريو سقوط النظام السوري، لكنه وقع في فخ غطرسته.
وأكد أن ''صواريخ إيران بُنيت طوبة طوبة منذ الحرب العراقية الإيرانية، من أجل مثل هذا اليوم، حيث أقسم الإيرانيون منذ تلك الحرب ألا يتركوا مدنهم عرضة لصواريخ الآخرين دون القدرة على رد الصاع صاعين''.
وأوضح فيصل جلول أنّ المعلومات تشير إلى أنّ ترامب اتصل بالشيخ تميم للعب دور الوسيط في الحرب بين إيران و''إسرائيل''، مشيرا إلى أنّ ترامب كان قد أكد علناً أن أمير قطر هو الوحيد الذي لم يطالب بضرب إيران من بين كل الدول التي زارها.وختم بالقول إنه لا نقاش في أن الهجوم الإسرائيلي على إيران جرى بالتنسيق والدعم اللوجيستي من الولايات المتحدة الأمريكية.
مجموعة السبع تطالب بخفض التصعيد
من جهة أخرى دعا قادة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى خلال اجتماعهم في كندا الاثنين إلى "خفض التصعيد" في النزاع بين إسرائيل وإيران وفي الشرق الأوسط عموما قبل أن يغادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاجتماع بشكل مبكر مؤكدا أن قراره "لا يتعلق" بجهود للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الدولة العبرية وطهران.
وتعزز مغادرة ترامب انعدام اليقين حول المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران التي هيمنت على النقاشات بين قادة الدول السبع وهي ألمانيا والمملكة المتحدة وكندا والولايات المتحدة وفرنسا فضلا عن إيطاليا واليابان.
وقبيل مغادرة الرئيس الأمريكي، أصدر قادة الدول السبع إعلانا مشتركا دعوا فيه "إلى خفض التصعيد" مؤكدين حق إسرائيل "في الدفاع عن نفسها".وجاء في نص الإعلان ان "إيران هي مصدر عدم الاستقرار والإرهاب الرئيسي في المنطقة ... لطالما أكدنا بوضوح أن إيران لن تملك أبدا السلاح النووي".في هذا الإعلان المشترك، دعا قادة الدول أيضا إلى "حماية المدنيين".
وفي مؤشر إلى الانقسامات داخل مجموعة السبع، حمل ترامب بقوة على نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أخذا عليه تقديمه بطريقة "خاطئة" سبب مغادرته القمة بقوله إنه فعل ذلك للعمل على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران .
وكتب ترامب عبر منصة "تروث سوشال"، "الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المحب للدعاية الشخصية، قال خطأ إنني غادرت قمة مجموعة السبع في كندا لأعود إلى واشنطن للعمل على وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران".وأضاف "هذا خطأ! ليس لديه أي فكرة عن سبب عودتي إلى واشنطن، لكن بالتأكيد لا علاقة له بوقف إطلاق النار. بل أكبر من ذلك بكثير. إيمانويل يخطئ الفهم دائما. تابعوني!".
قال ماكرون لبعض الصحافيين على هامش القمة إن "اقتراحا قدم" من جانب الأمريكيين "لحصول لقاء ... مع الإيرانيين"، مضيفا "إذا نجحت الولايات المتحدة في الحصول على وقف لإطلاق النار فسيكون هذا جيدا".
وكالعادة صدرت عن الرئيس الأميركي مؤشرات متضاربة.فقد أشار الاثنين إلى أنه سيتم البحث عن "اتفاق" بشأن النزاع بين إيران وإسرائيل.ثم كتب على شبكته "تروث سوشال" إنه "يجب على الجميع إخلاء طهران فورا".وفيما تسري تكهنات كثيرة حول احتمال مشاركة أميركية مباشرة في الحملة الجوية الإسرائيلية غير المسبوقة، جدد البيت الأبيض التأكيد أن القوات الأميركية تبقى "في وضعية دفاعية" في الشرق الأوسط.
وذكر موقع اكسيوس أن الإدارة الأمريكية لم تتخل عن السبل الدبلوماسية وتبحث مع إيران في لقاء محتمل بين الموفد الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.
مرحلة غير مسبوقة
وفي اليوم السادس من التصعيد العسكري المباشر بين إيران و''إسرائيل''، تبدو المنطقة وكأنها تدخل مرحلة غير مسبوقة من المواجهة، تتداخل فيها الحسابات الإقليمية بالتدخلات الدولية، وتتصاعد فيها وتيرة الأحداث إلى حدّ يُنذر بتبدل شامل في قواعد اللعبة بالشرق الأوسط.
وتُظهر التصريحات الرسمية من كلا الجانبين اتساع رقعة الضربات ونوعيتها. فقد أعلن جيش الاحتلال لإسرائيلي صباح أمس الثلاثاء عن تنفيذ ضربات جوية طالت عشرات المنشآت والبنى التحتية التي يُعتقد أنها تُستخدم لتخزين وإطلاق الصواريخ في غرب إيران، من بينها منصات لإطلاق صواريخ أرض-أرض وأرض-جو.
في المقابل، لم تتأخر طهران في الرد، حيث أطلقت عددا من الصواريخ الباليستية التي استهدفت مواقع داخل ''إسرائيل''، وتحديدا في شمال ووسط البلاد. ورغم عدم إعلان تل أبيب رسميا عن حجم الأضرار، إلا أن تصاعد صافرات الإنذار في مناطق مختلفة من إسرائيل يوحي بأن الاستهداف الإيراني لم يكن شكليًا أو محدود التأثير.
على الجانب الإسرائيلي، يتكرر المشهد ذاته في مدن كبرى مثل تل أبيب، حيث بات صوت صافرات الإنذار مألوفا للسكان، في مشهد يعكس حالة الاستنفار الكامل التي تعيشها الجبهة الداخلية. وبين الهجوم والدفاع، تعلو التساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل ستواصل التصعيد أم تسعى لاحتواء الرد الإيراني دون الانجرار إلى مواجهة شاملة.
في هذا المشهد المتداخل، تزداد المخاوف من انخراط أطراف إقليمية أخرى، خاصة أن التوترات بين ''إسرائيل'' وحزب الله في الشمال لم تهدأ تماما.
في المحصلة، ما يجري بين طهران وتل أبيب ليس مجرد تصعيد تقليدي، بل لحظة مفصلية في تاريخ الصراع بالمنطقة. فالضربات المتبادلة دخلت في صلب التهديد الاستراتيجي المتبادل. وفي حين يحبس العالم أنفاسه بانتظار ما ستؤول إليه الساعات القادمة، تظل احتمالات الانفجار أو التراجع قائمة، رهينة بحسابات معقدة تتداخل فيها أوراق القوة، والخوف، والفرص السياسية.
وفي أحدث التطورات، أفاد موقع "نور نيوز" الإيراني، المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي، بسماع دوي انفجارين قويين في مدينة تبريز شمال غربي إيران، في ما يُعتقد أنها محاولة إسرائيلية جديدة لاستهداف مواقع عسكرية أو استخباراتية في العمق الإيراني. وبالتوازي، أعلن مسؤول محلي في محافظة لرستان، وسط البلاد، أن الدفاعات الإيرانية نجحت في إسقاط وتدمير ثلاث طائرات مسيّرة إسرائيلية، دون وقوع أضرار مادية أو بشرية كبيرة، بحسب الرواية الرسمية.
في المقابل اعلن جيش الاحتلال الصهيوني أن إيران أطلقت ستة صواريخ باليستية في الليلة الماضية، تمكّنت منظومات الدفاع الجوي من اعتراض خمسة منها، فيما سقط الصاروخ السادس في منطقة مفتوحة بمنطقة النقب دون أن يؤدي إلى إصابات. ونقلت القناة الإسرائيلية الـ12 للاحتلال عن مصادر أمنية أن الهجمات الإيرانية منذ اندلاع المواجهة في 13 جوان الجاري بلغت نحو 15 هجومًا، استخدمت خلالها إيران ما يقارب 380 صاروخًا باليستيًا ضد أهداف داخل كيان إسرائيل، في تصعيد يعكس طابعًا غير مسبوق من المواجهة المباشرة.
وفي طهران، أعلنت وسائل إعلام رسمية إيرانية ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي الذي استهدف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني إلى ثلاثة قتلى، دون الكشف عن هوية الضحية الثالثة حتى الآن، وسط تكهنات بأن المبنى كان يستخدم كمركز معلومات أو قيادة ميدانية، ما يجعله هدفًا عسكريًا من منظور تل أبيب.
وتأتي هذه التطورات وسط حالة من التأهب القصوى في المنطقة، مع استمرار تبادل التهديدات، وتعقّد المساعي الدولية للتهدئة. يعكس التصعيد الأخير تحولًا لافتًا في قواعد الاشتباك، ويثير مخاوف جدية من انزلاق المنطقة نحو مواجهة أوسع، قد يصعب احتواؤها في حال استمرار دوامة الضربات والردود.
دول أوروبية تبدأ إجلاء رعاياها من "إسرائيل"
هذا وشرع العديد من الدول الأوروبية في إجلاء رعاياها من "إسرائيل" بعد رد إيران على عدوان تل أبيب الذي بدأته فجر الجمعة.
وأعلنت بولونيا أمس الثلاثاء على لسان وزير خارجيتها رادوسلاف سيكورسكي، عن إجلاء ما يقرب من 300 مواطنيه إلى الأردن وثم إلى بلادهم جوا من عمان.أما ألمانيا فأعلنت وزارة خارجيتها عن تسيير طائرة من العاصمة الأردنية عمان إلى فرانكفورت لنقل مواطنين لها تم إجلاؤهم من إسرائيل، بحسب وكالة الأنباء الألمانية " DPA".
وذكرت الخارجية الألمانية أن 4000 من مواطنيها في "إسرائيل" و1000 في إيران تقدموا بطلبات من أجل إجلائهم.وأعلنت بريطانيا أنها أجلت عائلات الموظفين العاملين في سفارتها بتل أبيب وقنصليتها في القدس كإجراء احترازي عقب الرد الصاروخي الإيراني على إسرائيل.
بدوره، صرح نائب رئيس الوزراء الإيرلندي وزير الخارجية والدفاع سيمون هاريس أنه سيحضر اجتماعا طارئا لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي لبحث الصراع الإيراني الإسرائيلي والتركيز على إجلاء مواطني الاتحاد.
من جانبه، صرح وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب أن مواطنين هولنديين في إسرائيل لديهم مخاوف أمنية وأن بلاده تقدم المساعدة لمن يرغب في مغادرة إسرائيل.وفي بلغاريا، قال رئيس الوزراء روزن جيليازكوف، إنهم يتابعون وضع المواطنين في إسرائيل بقلق وينتظرون الوقت المناسب لإجلائهم.
ووفقًا للصحافة التشيكية المحلية، وصل 66 مواطنا تم إجلاؤهم إلى براغ صباح أمس الثلاثاء، كما أجلت سلوفاكيا 73 مواطنا لها.