الشرق الأوسط بين الدبلوماسية وحافة الهاوية مؤشرات التصعيد تتزايد والخيار العسكري ضدّ إيران يعود إلى الواجهة..

في تطور يعتبر الأبرز في ملف إيران النووي منذ عقدين اعتمد

مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا يتهم طهران بـ"عدم الامتثال لالتزاماتها النووية''. هذا القرار الذي أقرّ بالأغلبية يمثل تحولا نوعيا في الموقف الدولي تجاه إيران، ويضع البرنامج النووي الإيراني مجددا في دائرة الضغط السياسي والرقابة المكثفة، وسط مناخ إقليمي ودولي مضطرب. وفي خطوة متزامنة تعكس تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنّ إدارته قرّرت سحب بعض الموظفين الأمريكيين غير الأساسيين من عدة دول في المنطقة، مبرّرا القرار بأنّ "المنطقة قد تصبح مكانا خطيرًا". ويأتي هذا التصريح في خضم حالة من الجمود في المحادثات النووية بين واشنطن وطهران، وتزايد المؤشّرات على احتمالية تصعيد عسكري جديد ، وأيضا بالتزامن مع استمرار حرب الإبادة التي يشنها كيان الإحتلال الصهيوني في تعميق أزمة الفلسطينيين في غزة .

أعلن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمس الخميس أن "إيران تنتهك التزاماتها المتعلقة بمنع الانتشار النووي"، وقالت الوكالة أن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسب تقترب من 60%، وهي نسبة تقترب من مستوى تصنيع الأسلحة النووية، بينما تواصل تركيب أجهزة طرد مركزي متقدمة، وتوسيع قدراتها النووية بما يتجاوز بكثير الحدود التي نص عليها الاتفاق النووي لعام 2015 (الذي انسحبت منه واشنطن في 2018).
وقال مسؤول في الوكالة إن إيران ردت بإبلاغ الوكالة بأنها تخطّط لفتح منشأة جديدة لتخصيب اليورانيوم.وذكر التلفزيون الإيراني أن هذه الخطوة تأتي ضمن سلسلة إجراءات اتخذتها طهران بسبب قرار وكالة الطاقة الذرية. وقال مسؤول الوكالة، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن إيران لم تقدم أي تفاصيل إضافية، مثل مكان هذا الموقع الجديد.
تبعات القرار
هذا القرار، وإن كان غير ملزم من الناحية القانونية، يحمل دلالات سياسية كبيرة. فإدانة إيران في هذا التوقيت تعني أن الوكالة – ووراءها القوى الغربية – قد فقدت صبرها الاستراتيجي وتوشك على الانتقال من الضغط الدبلوماسي إلى إجراءات أكثر صرامة مثل إحالة الملف مجددا إلى مجلس الأمن الدولي.
ويعدّ القرار بمثابة تحرك دبلوماسي ضدّ طهران التي سعت طيلة السنوات الماضية إلى تجنب صدور مثل هذا الموقف، خشية إعادة تفعيل آلية العقوبات الدولية، أو إعادة صياغة الموقف العالمي بشكل موحد ضدها.
ولم يتأخر الرد الإيراني ، حيث وصفت وزارة الخارجية القرار بأنه "مُسيّس ومغرض"، واتهمت الوكالة بأنها تتعرض لضغوط من الولايات المتحدة وحلفائها. كما ألمحت إيران إلى أنها قد تتخذ "خطوات مضادة" تتضمن خفض مستوى التعاون مع الوكالة أو حتى زيادة وتيرة التخصيب، ما قد يدخل العلاقة في نفق أكثر تعقيدا.
ومن جهته قال رئيس البرلمان الإيراني أنّ قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أثبت أن التعاون معها غير مجد ويأتي بنتائج عكسية . وترى طهران أنّ ''إسرائيل''، التي تملك ترسانة نووية غير خاضعة لأي رقابة دولية، تدفع باتجاه تضييق الخناق عليها، في ظل صمت دولي على ممارسات تل أبيب، ما يُكرّس ازدواجية المعايير.ورغم الجهود الأوروبية لاحتواء الموقف، يبدو أن نافذة التفاهم تضيق، لا سيما مع اقتراب إيران أكثر من العتبة النووية، واستمرار العقوبات الأمريكية الخانقة التي تدفع طهران نحو التصعيد لا التهدئة.
ويرى محللون أنّ قرار وكالة الطاقة الذرية بإدانة إيران هو أكثر من مجرد بيان فني، بل يمثل مؤشرا على تحوّل في المزاج الدولي قد يفضي إلى إعادة تدويل الملف النووي الإيراني. وبينما تؤكّد إيران أنها تسعى لاستخدام سلمي للطاقة النووية، تتزايد الشكوك الدولية ما ينذر بتصعيد متدرج قد يُعيد المنطقة إلى أجواء المواجهة المفتوحة.وفي ظل هذا التعقيد، يبقى مصير الملف النووي مرهونا بتوازن دقيق بين الردع والاحتواء، وبين الضغط والديبلوماسية، في واحدة من أكثر الأزمات الجيوسياسية حساسية في العالم.
توتر متزايد
وردّاً على قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أعلنت وزارة الخارجية ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانيتان، أمس الخميس، في بيان، "إنشاء محطة جديدة لتخصيب اليورانيوم في مكان آمن واستبدال أجهزة طرد مركزي من الجيل الأول بالجيل السادس في منشأة فوردو". ولفتت طهران إلى أنه "تجري أيضاً التحضيرات لتنفيذ خطوات أخرى ستُعلَن لاحقاً".
وندد البيان الإيراني بتمرير أمريكا، وفرنسا وبريطانيا وألمانيا مشروع قرارها في مجلس المحافظين، متهماً إياها باستخدام المجلس "أداة لأجل أغراض سياسية"، مؤكداً أنّ طهران لطالما التزمت تعهداتها بموجب اتفاق الضمانات التابع لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وقالت خارجية إيران ومنظمتها للطاقة الذرية في بيانهما إنّ الدول الغربية "قد تجاوزت التقرير السياسي المنحاز بالكامل" إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقدّمت مشروع قرار "يتناقض مضمونه حتى مع هذا التقرير السياسي" للمدير العام للوكالة، رافاييل غروسي.
وفيما قالت إنّ الخطوة من الدول الأربع "وضعت بشكل كامل مصداقية الوكالة الدولية للطاقة الذرية وسمعتها موضع شك، وأظهرت الطبيعة السياسية المتزايدة لهذه المنظمة الدولية"، عبّرت عن شكرها للدول الأعضاء في مجلس المحافظين التي صوّتت ضدّ القرار أو امتنعت عن التصويت. وتطرّقت طهران إلى "صمت الدول الأربع تجاه بقاء البرنامج النووي للكيان الصهيوني خارج معاهدة حظر الانتشار وتطويره برنامج أسلحة دمار شامل"، مؤكدة أنها "لم تفعل أيضاً شيئاً إزاء تهديدات هذا الكيان لمهاجمة المنشآت النووية السلمية للدول الأعضاء في المعاهدة".
وقال قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي لوسائل الإعلام الرسمية امس الخميس إن رد إيران على أي عدوان إسرائيلي سيكون "أقوى وأكثر تدميرا" من الهجمات السابقة، وذلك بعد أن أعلنت طهران أنها تلقت تحذيرا من هجوم محتمل.
قراءة في قرار الانسحاب
قرار الإدارة الأمريكية سحب الموظفين لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي المتشابك، حيث تتزايد الشكوك الأمريكية والإسرائيلية بشأن نوايا إيران النووية. ففي الوقت الذي تعلن فيه طهران تمسّكها بالطابع السلمي لبرنامجها النووي، تصر واشنطن على أنّ إيران "لا يمكن أن تمتلك سلاحًا نوويًا تحت أي ظرف"، بحسب تعبير ترامب.
هذه اللهجة التصعيدية جاءت متزامنة مع ما وصفه وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث بـ"مؤشرات عديدة" تدل على أن إيران تقترب من عتبة التسليح النووي، مما يضع المنطقة على فوهة بركان سياسي وأمني.
في المقابلة التي أجراها مع بودكاست "بود فورس وان"، أشار ترامب إلى تراجع ثقته بإمكانية توصل إيران لاتفاق جديد بشأن تخصيب اليورانيوم، معتبرا أن "الإيرانيين لا يظهرون نفس الحماسة" كما في المراحل السابقة. ووفق مراقبين فإنّ هذا التقييم يعزز المخاوف من انهيار المسار الدبلوماسي، والعودة إلى التلويح بالخيار العسكري كأداة ضغط رئيسية على طهران.
ويبدو أنّ هذا الانسحاب الجزئي للموظفين الأمريكيين لا يهدف فقط لحماية الأفراد، بل يحمل رسائل سياسية وعسكرية ضمنية. من جهة، هو تهيئة محتملة لسيناريو صدام، ومن جهة أخرى، يعكس إدراكا أمريكيا بأن البيئة الأمنية في الشرق الأوسط باتت هشّة بدرجة لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
مواقف متباينة وتحالفات ثابتة
لا تخلو المعادلة الإقليمية من مفارقات، فإسرائيل، الحليف الأقرب للولايات المتحدة، تظل الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط دون أن تخضع ترسانتها لرقابة دولية رغم البطش والإنتهاكات والمجازر التي تشنها في فلسطيني باستخدام أسلحة محرمة دوليا . وتستخدم هذا التفوق النووي كأداة ردع استراتيجي، بينما ترفض في الوقت ذاته أي محاولة من دول الجوار، وعلى رأسها إيران، لتطوير قدرات مشابهة، حتى وإن كانت لأغراض مدنية.
هذا ويؤكد الخطاب الإيراني الرسمي على أن البرنامج النووي مصمم لتوليد الكهرباء وتحقيق الاكتفاء في مجال الطاقة. ومع ذلك، يبقى ملف الثقة بين طهران والعواصم الغربية معقدا، بل ومشحونا بتاريخ طويل من التوترات وسوء الفهم والمصالح المتعارضة.
في خضم هذه التوترات، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن الجولة السادسة من المحادثات مع الولايات المتحدة ستُعقد في مسقط في 15 جوان الجاري. ويُنظر إلى سلطنة عمان بوصفها وسيطا محايدا لطالما لعب دورا في تقريب وجهات النظر بين الطرفين. لكن نجاح هذه الجولة يظل رهين إرادة سياسية يصعب ضمان توفرها في ضوء التصريحات الأخيرة من الجانبين.
إذ يعيد قرار سحب الموظفين الأمريكيين التذكير بمدى هشاشة الوضع في الشرق الأوسط، حيث يمكن أن تؤدي أي شرارة إلى اندلاع أزمة كبرى. وبينما تتحدث الأطراف عن الدبلوماسية والحلول السلمية، فإن التحركات الميدانية والتصريحات النارية تكشف عن احتمالات مفتوحة على التصعيد.ويبقى السؤال الأساسي المطروح هل تنجح الجهود الدبلوماسية في تجنيب المنطقة فوضى جديدة، أم أننا أمام مشهد يعيد إلى الأذهان سيناريوهات ما قبل الحروب الكبرى في الشرق الأوسط؟

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115