( لبلاده والحلفاء الأوروبيين ) وليس فقط وسيلة لضمان جبهة قوية تدعمه في مواجهة روسيا ، وهو ما دفعه إلى التصريح بأنه يرغب في "تصحيح الأمور" مع ترامب ، وأن كييف مستعدة للعمل في ظل "قيادة ترامب القوية" من أجل السلام . كما إستفاض زيلينسكي في إبداء الندم علي جرأته وعدم الإمتنان لمن أفاض في الكرم ، حيث أعرب عن إمتنان أوكرانيا للمساعدة العسكرية الأمريكية، وأن بلاده مستعدة لتوقيع الاتفاق الإطاري لاستغلال المعادن مع "واشنطن"، مع الدعوة إلى "هدنة" في الجو والبحر لبدء محادثات سلام.
وفي سياقٍ موازٍ ، ووفقاً لما نشرته الديلي ميل البريطانية في نسختها الإليكترونية ، فإن الرئيس الأمريكي «ترامب» يُخطط للتخلِّي عن الدور القيادي لبلاده في حلف «الناتو»، ويُصرُّ على أن تتحمَّل المملكة المتحدة وفرنسا مزيدًا من المسؤولية فيه، وذلك بعد أن فاجأ الحلفاء الغربيين بتعليق المساعدات العسكرية الحيوية إلى أوكرانيا، إثر «شجار البيت الأبيض».
يأتي ذلك في وقتٍ أبْدى فيه كلٌّ من «ستارمر» و«ماكرون» استعدادهما للسفر إلى «واشنطن» مع «زيلينسكي» لتقديم «جبهةٍ موحَّدة» بشأن خطة للسلام ( وكأنه مسعي للحصول علي ثواب صلاة الجماعة في المكتب البيضاوي ) ،وتناولت وكالات الأنباء العالمية تصريحات المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية إن بلادها تعمل على إعادة إرساء الروابط بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، حتى يتسنى تحقيق "سلامٍ دائم وقوي" وتواكبت هذه التصريحات مع إشارات الرئيس ماكرون أن "باريس" و"لندن" تقترحان هدنةً جزئية لمدة شهر بين روسيا وأوكرانيا ( يبدو أن العالم كان في انتظار عودة ترامب قلب الأسد إلي منصبة للحديث عما يعرف في أدبيات السياسية بالهدنة ، وإن كان من الأجدى الحديث كذلك عن سبل إستدامة الهُدن التي سترعاها واشنطن في دوائر جغرافية مختلفة ).
وفي العودة إلي ما ذكرته الديلي ميل فائدة إذ نجد أنها تركز علي أن «ستارمر» يأمل في إقناع «ترامب» بضمان «دعمٍ» أمني أمريكي يسمح لبريطانيا وفرنسا وأعضاء آخرين في «تحالف الراغبين» النامي بإرسال قواتهم الخاصة للحفاظ على السلام في أوكرانيا دون خوفٍ من هجومٍ فوري من قِبَل القوات الروسية، غير أن «ترامب» أشار حتى الآن إلى أنه يعتقد أن وجود مواطنين أمريكيين يعملون على صفقة المعادن في أوكرانيا، سيكون كافيًا لردْع مزيدٍ من الهجمات الروسية؛ نظرًا لثقته العميقة في أن «بوتين» سيَفي بوعده .
ويبدو أن ثقة ترامب في بوتين وإنفتاحه علي تحقيق تقارب سريع مع موسكو تعكسها لقاءات مع الدول الأوروبية التي لها علاقات طيبة مع موسكو إذ صرَّح وزير الخارجية المجري، عقِب اجتماعه مع نظيره الأمريكي، بأن إدارة "ترامب" منفتحةٌ على مناقشة مسألة رفْع العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا في قطاع الطاقة، والتي تضر بالمجر، ومنوهاً بأن "الإدارة الأمريكية منفتحةٌ 100% على رفْع العقوبات المفروضة في عهد إدارة بايدن".
ولم تغفل ' وول ستريت جورنال ' اللحاق بركب اللطميات التي انتشرت في الأوساط الإعلامية والدبلوماسية الأوروبية تأثراً بالمغازلات السياسية بين ترامب وبوتين ، إذ نشرت مقالاً يحمل عنوان ' إحتضان ترامب لروسيا يمثل صدمة لحلف الناتو ' ويشير إلى أن الجدال الذي دار في «البيت الأبيض» بين «ترامب» و«زيلينسكي»، لم يسفر فقط عن تدهور العلاقات بين واشنطن وكييف ، إنما تسبَّب أيضاً في أضرارٍ جسيمة لحلف «الناتو». إذ يتعارض احتضان رئيسٍ أمريكي لروسيا- الخصم الذي لطالما عمل على تقويض القيادة العالمية للولايات المتحدة- مع عقودٍ من السياسة الغربية، التي تأسَّس بموجبها حلف «الناتو» قبل 75 عامًا لتعزيز الحماية ضدَّ روسيا السوفيتية.
كما ذهب كاتب المقال ' دانييل مايكلز' إلي التأكيد على أن نأي الولايات المتحدة بنفسها وسحْب ضماناتها الأمنية من أوروبا، يصل إلى درجةً تكاد تكون مساويةً لأيِّ صفقةٍ سيئة بشأن أوكرانيا، كما أنها قابلةٌ للمقارنة بخطر الضربة النووية الروسية.
في السياق ذاته وإن كان يعرج إلى الجوانب الدفاعية التي تقلق أوروبا ، نشرت الفورين بوليسي تقريراً يشير إلى أن تحوّل إدارة «ترامب» الحاد بعيدًا عن «كييف» ونحو «موسكو»، أدَّى إلى دفْع القادة الأوروبيين إلى حالةٍ من الاستنفار لإعادة التسلُّح. ويستند التقرير إلى إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية 'أورسولا فون دير لاين' أول أمس عن خطةٍ لـ«إعادة تسليح أوروبا ، يُمكن أن يفتح المجال لضخِّ نحو 800 مليار يورو خلال السنوات القادمة لإعادة بناء ترسانات أوروبا وقاعدة الصناعات الدفاعية والأمن العام. ومن شأن هذه الخطة أن تسمح باستخدام أموال «صناديق التماسُك» الأوروبية (التي تُنفَق عادةً على الطرق السريعة والمترو) للدفاع، وتوفير تمويلٍ مشترك للاتحاد الأوروبي لتمكين الدول الأوروبية التي تُعاني من ضائقةٍ مالية، من زيادة إنفاقها الدفاعي بسرعة. في المُقابل، يري كاتب التقرير ' كيث جونسون ' أن الانسحاب الأمريكي الكامل من أوروبا وحلف «الناتو»، يُشكل مصدر قلقٍ كبير خاصةً بالنسبة للدول الأصغر مثل دول «البلطيق»؛ نظرًا لوقوعها على خط المواجهة لأيِّ عدوانٍ روسي محتمل مستقبلاً (أشار وزير الخارجية الروسي في تصريح له الأسبوع الماضي أن بلاده لن تسمح بنشر قوات للناتو بأوكرانيا تحت 'رايات أوروبية '.
كما يلاحظ في هذا الإطار أن موافقة فريدريش ميرتس، المستشار المنتظر لألمانيا، على صفقةٍ لضخِّ مئات المليارات من التمويل الإضافي في الجيش والبنية التحتية للبلاد، تُعدُّ تحوّلاً مذهلاً في نهج ألمانيا المحافظ -تقليديًا- تجاه الاقتراض العام، وهو ما عكسه تقرير لصحيفة الفايننشال تايمز بأن الصفقة المتفق عليها مع حليفِه «الحزب الديمقراطي الاجتماعي»، تأتي في وقتٍ حدَّدت فيه المفوضية الأوروبية، أداة دينٍ مشتركة قد تُمكِّن الدول الأعضاء من تمويل شراء المعدات العسكرية.
أوضح التقرير الصحفي لفورين بوليسي أن من شأن أحد أحكام هذه الصفقة إعفاء الإنفاق الدفاعي فوق 1% من الناتج المحلي الإجمالي من قواعد كسْر الديون؛ ما يسمح لألمانيا بزيادة الإنفاق على قواتها المسلحة بمقدارٍ غير محدودٍ، في وقتٍ تتزايد فيه مخاوف أوروبا من احتمال فقدان الضمانات الأمريكية.