قرارات القمة العربية خطة إعادة إعمار غزة ورفض التهجير والتحديات الكبرى

في وقت يزيد فيه الغموض بشأن مستقبل وقف إطلاق النار الهشّ في قطاع غزة

مع مؤشرات عودة الاقتتال بين المقاومة والاحتلال الصهيوني ، تبنت القمة العربية الطارئة في القاهرة الخطة المصرية لتكون بديلا عن خطة ترامب للتهجير . وأقرّت القمة مجموعة من القرارات الهامة، المتعلقة بمستقبل غزة وملامح الحكم القادم فيها وكذلك تحديات إعادة الاعمار . واللافت هو ترحيب حركة حماس بالبيان الختامي للقمة مقابل رفض امريكي للخطة المصرية .

من أبرز القرارات التي تم الإعلان عنها في البيان الختامي هو اعتماد الخطة المصرية لإعمار قطاع غزة، لتصبح بمثابة خطة عربية موحّدة. هذا القرار يمثل خطوة هامة نحو إعادة الحياة إلى غزة التي دمرت بشكل شبه كامل خلال الأعوام الماضية بسبب الحروب المتتالية. ولكن، يبقى السؤال الأهم هنا: هل ستتمكن الدول العربية من تأمين التمويل اللازم لهذا المشروع الطموح؟ فإعادة الإعمار تتطلب ليس فقط الدعم المالي بل أيضا ضمانات سياسية وأمنية لتنفيذ هذه الخطة بنجاح، في وقت تشهد فيه غزة أزمة سياسية معقدة.

ويطالب مقترح الدول العربية وقيمته 53 مليار دولار بإعادة بناء غزة بحلول عام 2030. وتدعو المرحلة الأولى إلى بدء إزالة الذخائر غير المنفجرة وتطهير أكثر من 50 مليون طن من الأنقاض التي تركها القصف الإسرائيلي والهجمات العسكرية.
رفض تهجير الفلسطينيين
أكد البيان أيضا على رفض تهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه، وهو ما يُعد تأكيدا على موقف الدول العربية الثابت في دعم حقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. هذه النقطة تعد محورية في سياق الظروف الراهنة، حيث تعاني غزة من تهديدات بالتهجير القسري جراء الهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة. ووفق مراقبين يهدف هذا الموقف إلى دعم حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة، في الوقت الذي تحاول فيه ''إسرائيل'' التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.
وفيما يخص دعم جهود في التوصل إلى حل دائم في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، اعتبر متابعون أن هذا الحل لا يزال أفق تحقيقه بعيدا، رغم التصعيد الإسرائيلي المستمر ضد الفلسطينيين. ولكن يبقى التحدي الأكبر في قدرة الدول العربية على الضغط على المجتمع الدولي - وخاصة الولايات المتحدة - لإعادة إحياء هذا الحل في ظل معارضة إسرائيلية شديدة.ومن بين البنود في البيان هي اقتراح نشر قوة حفظ سلام دولية في غزة والضفة الغربية. هذا الأمر رافقته عدة شكوك وضبابية . كما اعتبر مراقبون أن تطبيق هذا الاقتراح سيواجه تحديات معقدة، أبرزها موافقة القوى الدولية على نشر القوات.
من النقاط المهمة أيضا التي جاءت في البيان هي تشكيل لجنة فلسطينية لإدارة غزة، تكون غير فصائلية. هذه اللجنة ستكون مسؤولة عن إدارة القطاع لمدة ستة أشهر، وهو ما يعكس نية عربية في توفير أفق سياسي يتيح للفلسطينيين إعادة ترتيب أوضاعهم الداخلية. لكن المشكلة تكمن في الواقع السياسي المعقد في غزة، حيث توجد تباينات حادة بين الفصائل الفلسطينية الكبرى.
وجاءت إدانة القرار الإسرائيلي الأخير بوقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة وإغلاق المعابر لتؤكد الموقف العربي الرافض للسياسات الإسرائيلية التي تزيد من معاناة الفلسطينيين. هذه الإدانة كانت بمثابة رسالة سياسية قوية من الدول العربية، لكنها في الواقع تفتقر إلى آليات تنفيذية عملية للضغط على إسرائيل.
تحديات التعاون الدولي

فيما يتعلق بتكثيف التعاون مع القوى الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة، من أجل تحقيق السلام، يبدو أن هذه الجهود تواجه صعوبة في ظل دعم واشنطن المستمر لإسرائيل، مما يجعل من الصعب تحقيق تقدم حقيقي في عملية السلام.
وفي خطوة لافتة ومثيرة للجدل، رفضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب خطة طويلة الأمد لإعادة إعمار قطاع غزة، والتي كانت قد نالت دعما واسعا من القادة العرب.و جاء هذا الرفض ليكشف عن الاختلافات الجذرية بين الرؤية الأمريكية والخطط العربية فيما يتعلق بمستقبل القطاع الفلسطيني.
وبرر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، برايان هيوز، هذا الرفض في بيان رسمي قائلا إن الخطة المقدمة "لا تعالج حقيقة أن غزة غير صالحة للسكن حاليًا". ومع ذلك، يأتي التحليل الأكثر إثارة في حديث هيوز عن "رؤية ترامب" التي تركز على إعادة بناء غزة "خالية من حماس". هذه الفكرة تكشف عن النية الأمريكية المعلنة لتهجير الفلسطينيين، مع مساع لتحويل القطاع إلى "الريفييرا" المملوكة للولايات المتحدة وفق خطة ترامب المثيرة للجدل. هذا التصور يشير إلى رغبة واشنطن في إعادة ترتيب الوضع السياسي في غزة بما يخدم مصالح واشنطن وحليفتها تل أبيب.
ووفق مراقبين فإنّ إعادة صياغة هذه الرؤية الأمريكية يمكن أن تزيد من حدة الجدل في المنطقة. إذ تعد الخطة الأمريكية محاولة لتصفية القضية الفلسطينية عبر فرض واقع جديد يتجاهل الحق الفلسطيني في تقرير مصيره. بالإضافة إلى ذلك، تتجاهل هذه الرؤية الأمريكية تعقيدات الوضع الفلسطيني المنهك بسبب حرب إبادة مستمرة منذ أكتوبر 2023
هذا التباين بين الرؤية الأمريكية والعربية يعكس التحديات التي تواجه أي جهود دولية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.وفي هذا السياق يرى خبراء أنّ رفض واشنطن خطة إعادة الإعمار يعكس ليس فقط تباينا في الرؤى بين واشنطن والدول العربية، بل أيضا يبرز العوائق الكبرى أمام أي خطة سلام شاملة. في حين أن إدارة ترامب كانت تسعى لتغيير الواقع في غزة وفقا لرؤيتها الخاصة، كانت الدول العربية تأمل في إيجاد حل يعيد الحياة للقطاع ويحترم حق الفلسطينيين في إقامة دولته

 وأكد مراقبون أن البيان الختامي للقمة العربية يبرز الدعم الكبير لفلسطين، ويعكس إرادة قوية للتوصل إلى حل سياسي عادل. لكنه في الوقت ذاته يواجه العديد من التحديات التي قد تعيق التنفيذ الفعلي لهذه القرارات، خاصة في ظل الوضع السياسي المعقد في فلسطين، والتحديات الأمنية، بالإضافة إلى تعقيدات العلاقة مع القوى الدولية الكبرى.

من جهته، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن هدف القمة كان التأكيد على رفض التهجير الفلسطيني وطرح خطة عربية لإعادة إعمار قطاع غزة. هذه الرسائل كانت بمثابة تطمينات للعالم العربي والمجتمع الدولي بأن الدول العربية تتبنى مواقف موحدة في دعم الفلسطينيين. ومن الجانب المصري، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن بلاده قد وضعت خطة تفصيلية لإعادة إعمار غزة، وهو ما يتماشى مع التوجهات العربية لتحقيق الاستقرار في القطاع.
من جهة أخرى، تطرّقت القمة إلى الخطة المصرية التي تتضمن إنشاء "لجنة إدارية" لإدارة قطاع غزة لمدة 6 أشهر، على أن تكون هذه اللجنة مستقلة وتتألف من شخصيات تكنوقراطية تحت مظلة الحكومة الفلسطينية. على الرغم من أنّ القمة العربية الطارئة أكدت على دعمها العلني لقضية الفلسطينيين، إلا أنّ غياب التفاصيل بشأن آليات التنفيذ وغياب القرارات الواضحة حول كيفية التصدي للإجراءات الإسرائيلية يطرح تساؤلات حول تحقيق تقدم ملموس على الأرض.
ترحيب من حماس ورفض من "إسرائيل"
في الاثناء علّقت وزارة الخارجية الإسرائيلية وحركة حماس ، على البيان الختامي للقمة العربية الطارئة بشأن غزة.
وقالت حركة حماس إنها "ترحب بخطة إعادة إعمار غزة التي اعتمدتها القمة العربية في القاهرة وترحب بالدعوة لإجراء انتخابات فلسطينية".وأضافت: "حماس تثمن جهود مصر في التحضير لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة وندعو إلى توفير جميع مقومات نجاح الخطة".وأشارت إلى أن "عقد القمة العربية اليوم يدشن مرحلة متقدمة من الاصطفاف العربي والإسلامي مع القضية الفلسطينية العادلة".
في المقابل، ذكرت وزارة خارجية الإحتلال الإسرائيلية أن بيان القمة العربية التي عقدت في القاهرة لبحث إعادة إعمار غزة لم يتناول حقائق الوضع في أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023.وأضافت: "نرفض خطة الدول العربية للتعامل مع غزة".وأردفت قائلة: "يستمر البيان في الاعتماد على السلطة الفلسطينية والأونروا - فقد أظهر كلاهما مرارا وتكرارا الفساد ودعم الإرهاب والفشل في حل القضية".وزعمت: "الآن، مع فكرة الرئيس ترامب، هناك فرصة لسكان غزة للاختيار الحر بناءً على إرادتهم الحرة. يجب تشجيع هذا! بدلاً من ذلك، رفضت الدول العربية هذه الفرصة، دون منحها فرصة عادلة، وتستمر في توجيه اتهامات لا أساس لها ضد إسرائيل".
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعلن، أن القمة العربية الطارئة اعتمدت خطة مصر لإعادة إعمار غزة. وفي بداية القمة الطارئة، كشف الرئيس المصري أن الخطة بشأن غزة تشمل بقاء الفلسطينيين على أرضهم.وذكر أن مصر ستستضيف مؤتمرا لإعادة إعمار غزة الشهر المقبل، مضيفا "عملنا مع الفلسطينيين لإنشاء لجنة مستقلة لحكم غزة".وأوضح: "تعكف مصر على تدريب الكوادر الأمنية الفلسطينية التي ستتولى حفظ الأمن في قطاع غزة".

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115