الذي دمّر البنية التحتية وأدى إلى تدهور الظروف المعيشية لملايين المواطنين. ومع تواصل الدعوات المحلية والدولية للتوصل إلى تسوية سلمية شاملة، بات رفع العقوبات الغربية جزءا من الحل المحتمل لإنقاذ الاقتصاد السوري، الذي يعاني من أزمات متعددة. وخلال سنوات الحرب، فرضت الدول الغربية عقوبات شديدة على النظام السوري، شملت العديد من القطاعات الحيوية مثل البنوك، الشركات، وقطاع النفط، مما جعل الاقتصاد السوري محاصراً. ومن أبرز تداعيات هذه العقوبات تجميد أصول البلاد في الخارج، عرقلة حركة التجارة، وعدم قدرة الشركات السورية على التفاعل مع أسواق العالم، فضلاً عن تراجع قدرات الحكومة على تصدير النفط، الذي كان يشكل أحد أعمدة الاقتصاد السوري قبل الحرب.
وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ودول أخرى قد فرضت عقوبات شديدة على سوريا بعد حملة الأسد على احتجاجات شعبية تطالب بالحرية عام 2011 التي تحولت إلى صراع عسكري مع النظام.لكن الواقع الجديد في سوريا أصبح أكثر تعقيدا بسبب العقوبات المفروضة على هيئة تحرير الشام وبعض قادتها.
ووفق تقارير دولية في الوقت الراهن، تُظهر الأرقام أن الاقتصاد السوري يعاني من انخفاض حاد في النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، إضافة إلى تدهور قيمة العملة المحلية "الليرة السورية"، وارتفاع معدلات التضخم. لذا، فإن التوجه نحو رفع العقوبات الغربية بات مطلبًا ملحًا من أجل إعطاء دفعة قوية للانتعاش الاقتصادي.
ويرى مراقبون أن رفع العقوبات عن سوريا يمكن أن يفتح أمامها أبوابا عدة نحو التعافي الاقتصادي. فإلغاء القيود المفروضة على البنوك والشركات السورية، سيسمح لها بالتعامل بشكل طبيعي مع المؤسسات المالية العالمية، بما يسهل عمليات التحويلات المالية والتجارة الدولية. هذه الخطوة ستساعد في تدفق الاستثمارات الأجنبية، التي تشتدّ الحاجة إليها لإعادة بناء القطاعات الاقتصادية الرئيسية، مثل الطاقة، الصناعة، والزراعة.من جانب آخر، سيكون لرفع العقوبات تأثير مباشر في تعزيز قدرة الحكومة السورية على توفير السيولة اللازمة لدعم الاقتصاد. كما أن ذلك سيسهم في تحسين القدرة على استيراد السلع الأساسية وتصدير المنتجات السورية إلى الخارج، مما سيخفف الضغط على الأسواق المحلية ويعيد تنشيط القطاع الصناعي والتجاري وفق تقارير اقتصادية وإعلامية في الغرض.
فالعقوبات الحالية تمنع وصول رؤوس الأموال وتعرقل مشاريع البناء الكبرى، من إعادة بناء المدن المدمرة إلى تجديد البنية التحتية المتداعية.إضافة إلى ذلك، سيمكّن رفع العقوبات من توفير تمويل للمشاريع الكبرى لإعادة الاعمار، التي تشتد الحاجة إليها في ظلّ الدمار الهائل الذي لحق بالبلاد. هذه العملية تتطلب استثمارات ضخمة من أجل إعادة بناء المدارس والمستشفيات، وإصلاح شبكات الكهرباء والمياه، إلى جانب تطوير القطاع الصناعي والخدمات العامة.كما أنّ تخفيف القيود على التجارة الخارجية وفتح أسواق جديدة سيؤدي إلى توفير منتجات وسلع بأسعار تنافسية، مما يعزز القدرة الشرائية للمواطنين ويوفر لهم احتياجاتهم اليومية بأسعار معقولة.
مع ذلك، يبقى رفع العقوبات رهين تحقيق تقدم فعلي في العملية السياسية، خصوصًا في ظل المطالب الغربية بضرورة التزام الحكومة السورية بتنفيذ التزاماتها في ما يتعلق بالمرحلة الانتقالية، وضمان حقوق جميع السوريين. إذ أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لن يرفع العقوبات ما لم يرَ أفعالًا ملموسة تؤكد جدية النظام في التوصل إلى حل سياسي شامل، يعالج قضايا الحكم والانتقال الديمقراطي في سوريا.
اجتماع أمريكي - أوروبي
وتحت شعار "تعزيز الاستقرار السياسي في سوريا"، اجتمع وزراء خارجية كل من إيطاليا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إضافة إلى مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، في العاصمة الإيطالية روما، لمناقشة آخر التطورات في الوضع السوري. الاجتماع الذي عقد في ظل أجواء متوترة في سوريا، كان يهدف إلى تقييم الأوضاع في البلاد بعد سنوات طويلة من النزاع المستمر الذي فاق الـ13 عامًا.
وكان وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني قد أعلن في وقت سابق عن زيارة مرتقبة له إلى دمشق، والتي من المقرر أن تتم يوم الجمعة المقبل. وتعتبر هذه الزيارة هي خطوة أولى نحو استعادة العلاقات مع الحكومة السورية، في إطار جهود إيطاليا لتعزيز الاستقرار السياسي في المنطقة والمساهمة في الجهود الدولية لدعم حقوق الإنسان في سوريا.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد الاجتماع في روما، أكد تاياني على أن إيطاليا ستعلن عن "حزمة أولى من المساعدات التنموية" لسوريا خلال زيارته المرتقبة إلى دمشق. وقال تاياني: "سأتوجه الجمعة في مهمة إلى دمشق، وسنعلن حزمة من المساعدات التي تركز على التعاون التنموي في سوريا، التي تضررت بشدة من الحرب الطويلة".
وأضاف الوزير الإيطالي أن بلاده ستواصل دعم الشعب السوري من خلال تعزيز الاستقرار السياسي وضمان حماية حقوق الإنسان. وأكد على أهمية الحفاظ على "سلامة الأراضي السورية" والتصدي لاستغلال الأراضي من قبل الجماعات الإرهابية، في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها الشعب السوري بعد سنوات من النزاع.
آفاق المرحلة المقبلة
من بين المواضيع التي تم مناقشتها في الاجتماع، كانت الحكومة الانتقالية في سوريا والعملية السياسية التي سترافقها. وتناقش الدول المعنية سبل دعم المسار السياسي للوصول إلى حل سلمي وشامل للأزمة السورية، بما في ذلك تنظيم مؤتمر الحوار الوطني المقبل الذي يهدف إلى تسوية النزاع وصياغة دستور جديد يضمن حقوق جميع الأطراف في سوريا.
يأتي هذا الاجتماع في وقت حساس بالنسبة لسوريا، إذ أنّ البلاد بحاجة ماسة إلى إعادة الإعمار بعد الدمار الذي ألحقه النزاع، إضافة إلى استعادة الاستقرار الاقتصادي وتحقيق السلام الاجتماعي. في هذا السياق، يسعى المجتمع الدولي إلى العمل مع الحكومة السورية والشعب السوري من أجل تحريك عجلة الاقتصاد وإعادة بناء ما دمرته الحرب.
لكن التحديات أمام هذا المسار السياسي تبقى عديدة. ففي حين تتبنى بعض الدول الغربية سياسة الحوار مع الحكومة السورية، تظل هناك اختلافات بشأن كيفية التعامل مع نظام الأسد وسبل تحقيق مصالحة شاملة في سوريا. وتبقى القضية السورية شائكة ومعقدة، خاصة مع وجود الجماعات الإرهابية والتدخلات الإقليمية والدولية التي تؤثر بشكل كبير على الوضع الميداني والسياسي.
في الختام، يبقى السؤال الأهم هو: هل يمكن أن تؤدي هذه المحادثات إلى تحقيق نتائج ملموسة في إعادة الاستقرار إلى سوريا وتخفيف معاناة الشعب السوري بعد أكثر من عقد من الحرب؟ .
الاتحاد الأوروبي يسعى إلى رفع بعض العقوبات
وقال ثلاثة دبلوماسيين ، إن الاتحاد الأوروبي سيسعى إلى الموافقة على رفع بعض العقوبات بحلول الوقت الذي يجتمع فيه وزراء خارجية الاتحاد في بروكسل في 27 جانفي.
وأوضح اثنان من الدبلوماسيين أن أحد الأهداف هو تسهيل المعاملات المالية للسماح بعودة الأموال إلى البلاد وتسهيل النقل الجوي وتخفيف العقوبات التي تستهدف قطاع الطاقة لتحسين الإمدادات. وقال الثالث إن ألمانيا قدمت ورقة موقف بشأن العقوبات المحتملة التي يتعين رفعها وفق فرانس براس.
وقال المتحدث باسم الخارجية الألمانية كريستيان فانر، "بسبب الوضع الجديد، تخضع العقوبات الحالية للتدقيق، وقد طرحت ألمانيا أفكاراً حول هذه القضية".وأضاف "التركيز ينصب على المسائل الاقتصادية وإعادة أموال المغتربين السوريين".من جهته، قال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن أمام مجلس الأمن، إن الإعفاء من العقوبات الأمريكية للمعاملات مع المؤسسات الحاكمة في سوريا محل ترحيب لكن "عملاً أكبر بكثير… سيكون ضرورة حتمية" .وقالت دوروثي كاميل شيا، نائبة السفير الأمريكي في الأمم المتحدة، لمجلس الأمن "الولايات المتحدة ترحب بالرسائل الإيجابية من هيئة تحرير الشام، لكنها في نهاية المطاف ستنظر إلى التقدم في الأفعال لا بالأقوال".
وانتقد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أخرى على سوريا، وأضاف "نتيجة لذلك، يتعرض الاقتصاد السوري لضغوط شديدة ولا يستطيع الصمود أمام التحديات التي تواجه البلاد"، وكانت روسيا حليفة للأسد طوال الحرب.
وبعد 13 عاماً من الحرب الأهلية، أُطيح بالرئيس السوري بشار الأسد في هجوم خاطف شنته قوات المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام الإسلامية قبل شهر.وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ودول أخرى قد فرضت عقوبات شديدة على سوريا بعد حملة الأسد على الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية في عام 2011 والتي تحولت إلى حرب أهلية.لكن الواقع الجديد في سوريا أصبح أكثر تعقيداً بسبب العقوبات المفروضة على هيئة تحرير الشام وبعض قادتها لأن الجماعة كانت ذات يوم فرعاً لتنظيم القاعدة.
وتعاني سوريا نقصاً حاداً في الطاقة إذ لا تتوفر إمدادات الدولة من الكهرباء إلا لساعتين أو ثلاث ساعات يومياً في معظم المناطق.وتقول الإدارة السورية الجديدة إنها تسعى إلى توفير الكهرباء لثماني ساعات يوميا في غضون شهرين.ويسمح الإعفاء الأمريكي ببعض المعاملات الخاصة بالطاقة وبعض الحوالات الشخصية إلى سوريا حتى السابع من جويلية، غير أن الإجراء لم يرفع أي عقوبات.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في وقت سابق أمس إن العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا والتي تعرقل توصيل المساعدات الإنسانية وتعوق تعافي البلاد قد تُرفع سريعا.وانتقد السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أخرى على سوريا.وأضاف "نتيجة لذلك، يتعرض الاقتصاد السوري لضغوط شديدة ولا يستطيع الصمود أمام التحديات التي تواجه البلاد". وكانت روسيا حليفة للأسد طوال الحرب.وقال سفير سوريا في الأمم المتحدة قصي الضحاك، في كلمة بمجلس الأمن أمس، لقد "عانى السوريون لسنوات طويلة وآن الوقت كي يتنفسوا الصعداء ويعيشوا حياة كريمة في وطنهم أسوة بغيرهم من شعوب العالم".
وأضاف "تدعو سوريا الأمم المتحدة ودولها الأعضاء كافة للعمل على الرفع الفوري والكامل للتدابير القسرية الانفرادية وتوفير التمويل اللازم لتلبية الاحتياجات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية".
انتقادات متزايدة
من جهة أخرى، قال بيدرسون إن الهجمات على سيادة سوريا وسلامة أراضيها يتعين وقفها منتقدا ''إسرائيل'' تحديدا.ومع انهيار حكومة الأسد في نهاية العام الماضي، شنت إسرائيل سلسلة من الضربات ضد البنية التحتية العسكرية السورية ومواقع تصنيع الأسلحة.
كما أعلنت إسرائيل انهيار اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا لعام 1974، وانتشار جيشها في المنطقة العازلة منزوعة السلاح بهضبة الجولان السورية التي تحتل معظم مساحتها منذ عام 1967، في خطوة نددت بها الأمم المتحدة ودول عربية، كما توغلت بمناطق أخرى خارج المنطقة العازلة.وقال بيدرسون "أُعرب عن قلقي العميق إزاء استمرار النشاط العسكري الإسرائيلي، بما في ذلك خارج المنطقة العازلة، في انتهاك لاتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974".
وأضاف بيدرسون إن التقارير التي تتحدث عن استخدام إسرائيل للذخيرة الحية ضد المدنيين، وتهجيرهم وتدمير البنية الأساسية المدنية، تثير القلق الشديد أيضا.
وأشار إلى أن مثل هذه الانتهاكات، إلى جانب الغارات الجوية الإسرائيلية في أجزاء أخرى من سوريا، وهو ما تحدثت عنه تقارير حتى الأسبوع الماضي في حلب، قد تعرض احتمالات الانتقال السياسي المنظم لمزيد من الخطر.