التي كثيرا ما تتشابه وتتقارب وتكرر نفسها ... في المقابل القليل منها فقط يكون متميزا ومختلفا وطريفا في وفاء لهوية خاصة وفي تشبث بخصوصية متفردة على غرار المهرجان الدولي "24 ساعة مسرح دون انقطاع بالكاف"...
في بشرى إلى أحباء الفن الرابع وأوفياء مهرجان 24 ساعة مسرح دون انقطاع بالكاف، من المنتظر أن ينتظم قريبا هذا المهرجان في دورته الثانية والعشرين التي كادت أن تلغى بسبب تعذر تنظيمها في موعدها المعتاد في شهر مارس .
24 ساعة مسرح دون انقطاع لن ينقطع !
منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن، يصر مهرجان 24 ساعة مسرح دون انقطاع بالكاف على الصمود والشموخ كجبال الكاف العالية بالرغم من عواصف الأنواء والأهواء. ويبدو أنّ "خطة إنقاذ" قد انتصرت إلى هذا المهرجان الكبير في تاريخه وفي قاعدة جمهوره وذلك بتنظيم نسخة استثنائية أواخر شهر جوان 2024. كما يبدو أنّ الاستياء الواسع الذي رافق خبر الإعلان عن استحالة تنظيم مهرجان 24 ساعة مسرح دون انقطاع بالكاف في سنة 2024 لأسباب هيكلية وقانونية، قد وجد آذان صاغية لدى سلطة الإشراف التي تفاعلت إيجابيا مع هذا المعطى فحرصت وزارة الشؤون الثقافية على تذليل الصعوبات وتسهيل الإجراءات من أجل تنظيم مهرجان 24 ساعة مسرح دون انقطاع بالكاف في دورته 22 في أواخر شهر جوان المقبل. وأمام تعطل نشاط مراكز الفنون الدرامية والركحية بسبب انتهاء العمل بالتفاويض بالنسبة للمعاملات المالية لهذه المراكز منذ نهاية ديسمبر 2023، فقد مكنّت الوزارة مؤخرا المديرين المشرفين هذه المراكز من تفويض مالي يسمح لهم بالتصرف في الميزانيات المرصودة. وبالتالي استئناف العمل والفعل، والعودة إلى سالف الأنشطة والحيوية.
ولا شك أنّ مركز الكاف باعتباره "شيخ" مراكز الفنون الدرامية والركحية يمتلك تقاليد عريقة وتجارب رائدة في الإنتاج المسرحي وفي حسن التصرف تكيفا مع السياق العام ومع إكراهات الوقت والميزانية...
هوية وتفرد وخصوصية
من المأمول أن تكون الدورة 22 لمهرجان 24 ساعة مسرح دون انقطاع بالكاف أرضية خصبة وفرصة أخرى لتدعيم التعاون المثمر والشراكة الفنية بين مؤسسة المسرح الوطني التي يديرها معز المرابط ومركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف الذي يديره عماد المديوني. وسبق إن اجتمعت المؤسستين العريقتين في إنتاج مشترك وبالشراكة مع المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية بزغوان بعنوان رقصة سماء" للمخرج الطاهر عيسى بن العربي.
وقد نجح المهرجان الدولي 24 ساعة مسرح دون انقطاع بالكاف في حجز مكانة فريدة من نوعها في المشهد الثقافي التونسي والعالمي تتأكد من دورة إلى أخرى. وتتعدد العوامل المساعدة أو نقاط القوة التي صنعت ربيع مهرجان الكاف انطلاقا من الحرص على التجذر في المحيط والتجدد بالانفتاح على مستجدات الفنون في العالم، مرورا بالإيمان بضرورة تثمين التراث الثقافي والذاكرة الجماعية من خلال لعب دور الوسيط في التعريف بالتراث المادي واللامادي لجهة الكاف من معالم تاريخية ومواقع أثرية وتقاليد وعادات في المأكل والملبس والاحتفالات... وصولا إلى مبدأ التشاركية الثقافية من خلال الانفتاح على الأماكن والفضاءات الاجتماعية من شوارع ومقاه ومؤسسات وعلى الفئات المهمشة والمحرومة من الفنون في المدارس الحدودية ودور المسنّين والقرى النائية..
باختصار، يمكن القول إنّ مهرجان 24 ساعة دون انقطاع في الكاف قد استطاع الجمع بين ثلاثية الفن والتاريخ والجغرافيا من خلال إعادة تشكيل علاقة الفرد بالمكان وبالزمان عبر وساطة الثقافة والمسرح والفنون ... لذلك بقي منذ أكثر من 20 عاما نموذجا لمهرجان استطاع أن يحلّق بأجنحة المحلية ليكون له صبغة دولية تستحوذ على الأضواء و الإعجاب وتثير الاهتمام والفضول لاكتشاف سر هذا المهرجان العصي عن التقليد !