لأن فيها مصالح متنوعة، متجانسة ومتناقضة، لكنها تبحث لها دوما على التعايش لإعادة إنتاج نفسها، دون أن يعني ذلك انغلاقها تجاه ضرورات التطور الداخلي أو بالتفاعل مع المحيط. والمنظومة تراعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي و الجهوي، وتنبني على الإدارة الذكية والواقعية لموازين القوى. وحسب الظروف تتبوب هذه الفئة أو تلك من المجتمع صدارة المنظومة، على أساس ضرورات المرحلة. حيث مثلا تتبوب فئة النخبة المثقفة مراحل التقلبات الكبرى، ذات الطابع الإنبعاثي والتأسيسي، مثل فترة مقاومة الاستعمار ودور النخب ضمن الأحزاب والنقابات في تلك الفترة وما تلاها من حقبة بناء الدولة الوطنية الجديدة. لكن عادة ما تتلو مثل تلك المراحل فترة اقتصادية اجتماعية، يتقدم فيها دور أصحاب المؤسسات ونقابات الأجراء، مثل تونس سبعينات وثمانينات القرن الماضي. كما أن دور
الشباب يكون أكثر فاعلية في مراحل التأسيس، وقد ربح بورقيبة ورقة الشباب في مرحلة المقاومة وبدايات بناء الدولة، لكنه خسرها إلى حد كبير فيما بعد، على إثر الصعود العالمي القوي للأفكار الاشتراكية واليسارية والمعادية للاستعمار والامبريالية، والتي لم يواكبها الحزب الدستوري آنذاك، فالتجأ إلى إقحام الإسلام السياسي في الجامعة لمقاومة اليسار، وهو خيار ضللنا نعاني منه طويلا. وكان من المفروض أن يعود الدور الطلائعي للشباب بعد ثورة 14 – 17، لكن المناخ الجامعي تدمر وأصبح غير ملائم لمثل هذا البناء. و بالعودة للمنظومة، فهي تحتاج إلى ‹رجل مرحلة›. كما كان الأمر زمن بورقيبة وكما آل إليه أحببنا أم كرهنا زمن بن علي، على الأقل في البداية قبل التدهور. والحاجة إلى ‹رجل مرحلة› تكون أقوى عندما تكون المؤسسات أضعف لسبب من الأسباب، إما لأنها في طور البناء أو لأنها لم تبن على قواعد سليمة أو لأنها تهرأت. والرجل الذي تلتف حوله ‹المنظومة› اليوم هو الباجي قائد السبسي. وهو أمر ايجابي لأن منظومة بلا قيادة تتحول إلى مصدر فوضى. أي أن شرعية الباجي قائد السبسي ليست انتخابية فحسب، بل لها صبغة وطنية،
كعنصر قادر على التأليف، في انتظار تمكن المؤسسات من لعب ذلك الدور. لكن السؤال الذي يطرح في كل مرة، وفي كل زمان ومكان، و بنفس....