ويمكن القول بأن لنا ثلاث مسائل مترابطة بما فيه الكفاية لكن لا بد من محاولة الفصل بينها بقدر الإمكان ليتيسر التقدم ولو نسبيا وبشكل ضعيف، في البداية، في أمرها، وذلك بتناول كل مسألة على حدة في الأول، ثم مجموعة ومتربطة ببعضها في نهاية الأمر. والمسائل الثلاث هي التنموي والمؤسساتي والسياسي. وكم من مرة سمعنا التأكيد تلو التأكيد بأن التنموي هو الأولوي أو المؤسساتي هو الأولوي أو السياسي هو الأولوي، ثم لا يؤدي أي تصنيف ترتيبي من هذه التصنيفات الثلاث إلى أي نتيجة. وهو ما يحتم الاستعداد إلى ضرورة تناولها مترابطة ومتشابكة دون التسبيق المصطنع للواحدة منها على الآخرتين، لكن بحد أدنى من الاستقلالية في التناول، من النوع الذي لا يمنع أي تقدم بخصوص إحدى المسائل بينما الآخرتين بصدد المعالجة. وإذا لخصنا بشكل مفرط قصد التقدم في الموضوع يمكن إحالة التنموي أساسا على الحكومة والأطراف الاجتماعية لكن مع مشاركة الأحزاب والجمعيات وأهل الاختصاص، وإحالة المؤسساتي أساسا على الرئاسة نظرا لمكانتها دستوريا من المسألة المؤسساتية لكن بمشاركة الجميع نظرا للبعد الهيكلي والمصيري للمؤسساتي، وإحالة السياسي على القوى السياسية المتواجدة على اختلاف مشاربها بما فيه ما أصبحت مؤسسات سبر الآراء والاعلام تسميه حزب قيس سعيد. وبالرغم من أن الكثير يؤكد صباحا مساء بأن التنموي لا قبله ولا بعده فإننا نلاحظ أن تونس تعيش مرحلة مؤسساتية بامتياز نتيجة 25 جويلية و22 سبتمبر. وهو ما يفيد أن هذين البعدين الاثنين، التنموي والمؤسساتي، يتطلبان صغة من «المعالجة المزدوجة» رغم التعقيد الكبير لمثل تلك الازدواجية، التي نجد في موقع التقاطع بينها مسألة الفساد والطرح الذي يعتبر أنه لا تنمية عادلة بدون مقاومة فساد ولا مقاومة فساد بدون القضاء على منظومته ولا قضاء على تلك المنظومة إلا بالتغيير المؤسساتي الراديكالي. وهنا تتنزل المرونة الضرورية والتي لا خيار عنها والمبنية على أن المطروح ليس الآن تحقيق الحكم التنموي العادل مطلقا والمطهر كليا من الفساد وإنما فقط إنقاذ الاقتصاد والفئات الاجتماعية المعرضة للمخاطر أكثر من غيرها من مزيد التقهقر والحرمان والبطالة والفوضى والأفق المسدود. أي أن الهدف التنموي الآجل هو إعادة تحريك ماكينة الإنتاج بالحد الأدنى الذي يسمح بإيقاف النزيف والتدهور من خلال جملة من العمليات المتفق عليه وطنيا والممكنة والمجدية. وهو ما يتطلب مرة أخرى حدا أدنى من المرونة في التعامل، يسمح للحكومة بالدخول في مشاورات ومفاوضات مفتوحة ومتنوعة ومتفاعلة، مبنية على البرجماتية والتدرج لبداية الخروج من الكابوس المالي والاقتصادي والاجتماعي الذي يضرب المعنويات في الصميم ويعرقل مجمل المسارات التنموية. لكن في نفس الوقت فإن أي تقدم في خصوص البعد المؤسساتي قادر على تحسين الأفق بالنسبة للتنموي، لأنه يحول دون أن تبقى البلاد في حالة غموض فيما يتعلق بالحكم، مما لا يسمح، لو تجاوز ذلك حدودا معينة، للعملية التنموية من الانطلاق بشكل جدي ومراكم. وهو ما يحتم التقدم الأدنى في خصوص المسألة المؤسساتية كرافد لحلحلة التنموي. بما يعني أن المطلوب ليس الحل المؤسساتي الكامل والشامل الذي ينتقل بتونس من نمط الديمقراطية التمثيلية إلى نمط مغاير تماما، بقطع النظر عن كونه أفضل أو أقل أفضلية، لأن تونس غير قادرة اليوم على فتح جملة من الحضائر الثقيلة قد نعلم متى تبدأ لكن قطعا لا متى تنتهي. والحل الممكن والوحيد هو القيام بتغيير للقانون الانتخابي عن طريق التشارك الواسع، والدعوة إلى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها تنجز قبل موفى 2022، مع إرجاء تنقيح الدستور والانتخابات الرئاسية إلى مرحلة ثانية. وبذلك تبقى سنة كاملة لإعادة ترتيب البيت السياسي التونسي، تكون انطلاقتها تغيير جذري لقانون الأحزاب، بما فيه المراقبة المالية واعتماد مبدأ التمويل العمومي، يكون قادرا على تجاوز الثغرات الكبرى في خصوص تكوين وتركيب وتمويل وتسيير الأحزاب. كما لا بد أن تشمل العملية إصلاح الاعلام ومؤسسات سبر الآراء وهيئة الانتخابات. لكن المؤمل في خصوص المسألة السياسية يتمثل في قيام حوارات وطنية صميمة، غير مغشوشة، شفافة وحرة ونزيهة، لتقييم التجارب والوقوف على الثغرات الفكرية والسياسية والحزبية، بما من شأنه أولا أن يتقدم بعملية إعادة التأسيس السياسي التونسي وثانيا أن يمكن المواطنين من الاختيار الواعي على أساس الأفكار والتصورات والبرامج ولا على أساس الشعوذة أو الشعبوية أو شراء الذمم أو تحريك النعرات السلبية أو توظيف الدين ودور العبادة أو كل هذه المصائب مجتمعة.
أي أنه من الممكن توفير خارطة طريق موصلة إلى شاطئ السلامة لتونس، بما يتحتم من العقلانية والحكمة والتبصر وبالخصوص من الروح الوطنية والإخلاص لهذا البلد العزيز.
الحل موجود ! لا يتطلب إلا التوجه التشاركي نحوه
- بقلم بوجمعة الرميلي
- 10:59 26/10/2021
- 703 عدد المشاهدات
تواجه بلادنا جملة من الصعوبات في حين أن الحل ممكن ويمتثل في اعتماد الكثير من العقلانية والموضوعية للخروج من التعطل الشامل.