على الجرعة الأولى سوى 130 ألف مواطن أي بمعدل يقارب 4000 تلقيح في اليوم. أما الذين تحصلوا على الجرعة الثانية فلم يتجاوز عددهم بضعة ألاف علما بان التلقيح لا يكون ناجعا بالنسبة لعديد التلاقيح إلا بتناول الجرعة الثانية. و إذا اتفقنا مع وزارة الصحة بأن الهدف الإستراتيجي لبلادنا يتمثل في تلقيح 3 ملايين مواطن تونسي في موفى جوان القادم فهذا يفترض إسداء 6 ملايين تلقيح في ظرف 3 أشهر. و لكن و بالخطة المتبعة حاليا من طرف وزارة الصحة يبدو هذا الطموح صعب التحقيق و سيكون مجرد أمنية جميلة. فإذا واصلنا بهذا النسق فهذا قد يتطلب سنتين أو أكثر.
لقد تبين على أرض الواقع بأن تعويل وزارة الصحة على 26 مركز جهوي في مراكز الولايات كخيار وحيد أوحد كان خيارا خاطئا. ذلك أن بعد المراكز على المواطنين أدى إلى عدم استجابة ما يقارب نصف المواطنين الذين تتم دعوتهم عبر منظومة evax. قد يكون ذلك ناتجا عن اختيار شخصي للمواطن الذي يتخوف من التلقيح ولكن بعد المراكز على مقر إقامة المواطنين يمثل عائقا كبيرا. فعديد المعتمديات تبعد عشرات الكيلموترات عن مراكز المدن مع ما يتطلبه ذلك من توفير وسائل النقل و الإمكانيات المالية و وجود أوقات فراغ. فالتنقل للتلقيح بالنسبة للمواطنين الذي يبعدون عن مراكز الولايات تتطلب يوما كاملا من التنقل و الانتظار و التلقيح. فحملات التلقيح تاريخيا و كما تقوم بها وزارة الصحة منذ سنوات تعتمد القرب la proximité. فالمواطن يتحصل عادة على التلقيح في مركز الصحة الأساسية القريب منه و المتواجد في كل القرى و الأحياء و أيضا في الصيدليات الخاصة المنتشرة في كل مناطق الجمهورية. و لا أحد يتفهم كيف أن وزارة الصحة تخطط لأكبر حملة تلقيح في تاريخ البلاد بالنكوص عن الإستراتيجيا المتبعة منذ سنوات و بمركزة أو «بقرطة» عملية التلقيح و وضعها تحت مسؤولية مراكز جهوية بعيدة كل البعد عن المواطن.
علاوة على ذلك فقد بدأ الإكتظاط و مظاهر الفوضى يعمان المراكز الجهوية خاصة مع بداية الحصول على الجرعة الثانية حيث يتضاعف عدد المواطنين المقبلين على المراكز و تتجاوز تلك المراكز قدراتها كما حدث في مركز سوسة يوم الأحد الماضي و في مراكز أخرى.
و بالمقارنة مع بلدان أوروبية مثل فرنسا على سبيل المثال فإنه تم اللجوء إلى أشكال مختلفة مثل الصيدليات الخاصة و عيادات الطب العام المنتشرة في كل أنحاء فرنسا و الفرق المتنقلة و الفضاءات و الملاعب الكبرى في حين التجأت بلدان أخرى إلى قوات الجيش و الحماية المدنية لتلقيح المواطنين
لقد أصبح من الضروري أن تراجع وزارة الصحة خطة الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس «كورونا» في أقرب وقت و إلا فإننا سنتجه إلى الفشل الذريع مع نتائجه الكارثية على الصعيد الصحي و الإقتصادي.
و نعتبر أنه من الضروري أن تتجاوز وزارة الصحة التوجه البيروقراطي المركزي الذي انتهجته إلى حد الآن في حملة التلقيح. و عليها الإعتماد على ما يقارب 100 مستشفى محلي و 2000 مركز للصحة الأساسية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد من أجل تسريع و تكثيف حملة التلقيح و تقريبها من المواطن. و الحال أنها تؤمن منذ سنوات ألاف التلاقيح الموسمية بكل نجاح و لها من الخبرة و الحرفية ما يمكنها من تامين تلقيح ملايين المواطنين. و لا يمكن أن يكون نقص التلاقيح مبررا لعدم تغيير الخطة و الالتجاء لمراكز الصحة الأساسية. فمن الضروري تجهيزها وإعدادها حتى إذا توفر اللقاح بالكميات الكافية تقوم بعملها في أحسن الظروف. ويمكن لهذه الخطة أن تتم على مراحل بمساعدة المنظومات الإعلامية ل EVAX و غيرها من التطبيقات.
كما يتعين على وزارة الصحة تنويع أشكال الحملة و عدم الاقتصار على طريقة واحدة. ففي مرحلة أخرى من الضروري الاعتماد على شبكة الصيدليات الخاصة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد و على عيادات الطب العام التي تعد بالآلاف و على الفرق المتنقلة من أجل التسريع بعمليات التلقيح.
قد تكون هذه الفرصة الأخيرة للفربق الحالي بوزارة الصحة لتدارك الأمر و الحال أنه ما فتئ يراكم الأخطاء و العثرات منذ الموجة الثانية لوباء كوفيد 19. فقد كان عدد الوفيات الذي جاوز 8000 مرتفعا جدا مقارنة بالبلدان الشبيهة. كما أن ظروف التكفل بالمرضى في المستشفيات العمومية كانت صعبة جدا و دون المأمول رغم مجهودات الأطباء و الممرضين. في حين التجأ ألاف التونسيين للعلاج بالقطاع الخاص دون تعويض لا من طرف الصندوق الوطني للتأمين على المرض و لا من طرف الدولة. و قد تأخرت بلادنا في الحصول على التلاقيح بصورة غير مبررة. و ها أن الحملة الوطنية للتلقيح تسير ببطء شديد و خطى متعثرة. فمتى تكون الإستفاقة؟؟
بقلم: د. عبد المجيد المسلمي
عضو بحركة تحيا تونس