وجهة نظر « مجـــلس الأمـــــن القـــــومي» قد يكـــــون الحـلّ !

أجمع مختلف الفرقاء دون استثناء - بمن فيهم من تفنّن في مزيد اشعال حريق الازمة - بان منظومة حكم 2011 فشلت فشلا ذريعا في إدارة البلاد وأنه بات من المستحيل الاستمرار في نفس النهج.
بناء على هذا الاعتراف المدوى للطبقة السياسية انطلق سيل يكاد لا ينتهى من المبادرات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان وتمحور أساسا حول ثلاث اليات:
- الأولى يدعو أنصارها إلى عقد حوار وطنى بين عدد من مكونات المجتمع السياسى والمدني عل غرار تجربة «الحوار الوطنى» لسنة 2013 ،
- وأخرى تنادى باسقاط المنظومة بآلية الاحتجاج السلمى والدعوة الى انتخابات مبكرة،
- أما الأخيرة فتغمز في اتجاه الإطاحة بالمنظومة عبر الدعوة إلى انقلاب عسكرى.
وبالتدقيق في الآليات المتداولة ومدى تناغمها مع مفردات الواقع التونسى الغارقة في الخصوصية يمكننا أن نخلص إلى الملاحظات التالية:
- ان الدعوة إلى «حوار وطنى» في ظل صمت بصيغة الرفض لرئيس الجمهورية لمبادرة «الاتحاد العام التونسى للشغل» وفي ظل وضع اقليمى وداخلى مختلف تماما عن سياقات 2013 حيث بلغ مستوى الاحتراب السياسى والنزاع المناطقى والقطاعى اليوم ذروته مما يجعل من فرص تحقيق هذه الفرضية تقارب الصفر .
- أما الدعوة إلى إسقاط المنظومة عبر الشارع بالأشكال الاحتجاجية السلمية دون تقديم بديل متأصّل في الدستور يعكس عدم تحرر أبرز شيوخ «اليسار السلفي» في بلادنا من القوالب البروليتارية المتكلسة ومن شأنه أن يغرق البلاد في أتون «شريعة الشارع الغريزية» .
- أما المراهنة على انقلاب عسكرى فتعكس مدى الجهل المطبق لأنصار هذا الرأى للكيمياء الحقيقية للجيش التونسى الذى لا علاقة لبنيته العقائدية بالجيوش المشرقية المعروفة بهوسها المفرط بـ«البيان رقم واحد» .
في ذات السياق العام الموبوء سياسيا والمنفلت اجتماعيا - خاصة ونحن على أبواب شهر جانفي الاحتجاجى بامتياز- ، واحساسا منا بالمسؤولية نتقدم للنخب السياسية والمدنية بتصوّر مواطنى يستند الى احدى الاليات الدستورية المٌغيّبة تماما عن جميع المبادرات علّها تحقق الاختراق المنشود واستعادة الأمل من جديد.
1- على مستوى التصوّر العام:
أمسى في حكم المٌسلّم به لدى الجميع - نخبنا وعامة على حد السواء - بأننا حيال أزمة مجتمعية مٌركّبة في علاقة مباشرة بالأمن القومي بأبعاده الشاملة (الامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الخ) تستوجب البحث عن مقاربات جديدة بديلة عن دعوات الحوار المقترحة أو تلك التي تحيلنا على الفصل 80 من الدستور لاستحالة تفعيله بحكم غياب المحكمة الدستورية.
في نفس النسق وعملا بمقتضيات الباب الرابع من الدستور وبالتحديد الفصل 77 المتعلق باختصاصات رئيس الجمهورية خاصة تلك المتصلة بصلاحياته في مجال الامن القومي، والامر الحكومى عدد 70 المؤرخ في 19 جانفي 2017 المتعلق بمجلس الأمن القومي والقرار الرئاسى المؤرخ في 30 اكتوبر 2017 المنظم لسير عمل لجان «مجلس الأمن القومي» فانه من الممكن والمتاح دستوريا الاستفادة القصوى من هذه المؤسسة باعتمادها كآلية وعنوانا بارزا للخروج من المأزق المجتمعى الذى وقعنا فيه جميعا.
وبالتدقيق في مهام «مجلس الأمن القومي» المضمنة بالفصل 1 من القسم الاول من الأمر الحكومى المذكور فانه «يسهر على حماية المصالح الحيوية للدولة في اطار تصور استراتيجى يهدف الى صون سيادة الدولة واستقلالها وضمان وحدة ترابها وسلامة شعبها وحماية ثرواتها الطبيعية...»، والفصل 2 من القسم الثانى لنفس الأمر الحكومى المعنية بتركيبة مجلس الأمن القومي الواردة كالاتى : «رئيس الجمهورية بصفته رئيسا للمجلس – رئيس الحكومة – رئيس مجلس نواب الشعب – الوزراء المكلفون بالعدل والدفاع والأمن والشؤون الخارجية والمالية – رئيس المركز الوطنى للاستخبارات – أعضاء كما يمكن للوزراء المشار اليهم أعلاه طلب حضور القادة أو المديرين العامين أو رؤساء الهياكل المختصة ذات العلاقة بمهام المجلس للمشاركة في أعماله...ولرئيس الجمهورية أن يدعو من يرى فائدة في حضوره أعمال المجلس».
وبالنظر للنطاق الواسع للجان القارة التابعة «لمجلس الأمن القومي» التي وردت بالفصل الاول من القرار الرئاسى المؤرخ في 30 أكتوبر 2017 المٌؤلفة من 14 لجنة قارة ( لجنة الاستخبارات – لجنة شؤون الدفاع والأمن والدفاع المدنى– لجنة الشؤون الخارجية – لجنة تأمين الحياة السياسية والحياة العامة – لجنة أمن المنشات الحساسة – لجنة الامن الاقتصادى والمالى – لجنة البيئة – لجنة التربية والثقافة والتعليم العالى والبحث العلمى – لجنة الامن المجتمعى – لجنة الامن الغذائى والمياه – لجنة الصحة – لجنة امن النقل – لجنة أمن الطاقة والثروات الطبيعية – لجنة الاتصالات والمعلومات حيث يتولى رئاسة كل لجنة وزير الاختصاص الراجعة له بالنظر) يمكننا التوقف عند عدد من النقاط الجوهرية :
- انّ مؤسسة « مجلس الأمن القومي» يترأسها ويدعو الى عقدها رئيس الجمهورية.
- ان توقيع رئيس الجمهورية على القرارات أوالتوصيات المنبثقة عن أعمال هذه المؤسسة يكون بصفته المزدوجة كرئيس للجمهورية ورئيس لمجلس الأمن القومي،
- ان رئيس الحكومة ورئيس البرلمان يشكلان عضوين محورين دونهما مبدئيا تبطل أعمال اللجنة،
- انّ «اللّجان القارة» التابعة «لمجلس الأمن القومي» تتكون من وزراء مباشرين كل في حدود اختصاصه،
- ان «مجلس الأمن القومي» بتركيبته الموسّعة يٌشكّل هيكل تواصل وتنسيق دائمين في المسائل المتعلقة بالأمن القومي بين ثلاثى الحكم : قرطاج – القصبة – باردو،
- ان «مجلس الأمن القومي» بتركيبته الأصلية والفرعية (اللجان) تٌعدّ مؤسّسة/مرجع بين مختلف السلط في الاوضاع التي من شأنها ارباك عمل المؤسسات أو تعريض السلم الاهلى للخطر،
- ان «مجلس الأمن القومي» بالاختصاصات الواسعة التي تعود له بالنظر يمكن أن يلعب دور المؤسسة-الحكم institution d’arbitrage بين مختلف السلط (السلطة التنفيذية والتشريعية تحديدا ).
2- على مستوى الاجراءات التي ينبغى التداول في شأنها
على ضوء الوضع الامنى المخيف الذى طال مواقع الإنتاج الحيوية للبلاد عبر انتهاج استراتيجية «غلق الفانات الانتحارية» ، واستئناسا بتجربة ما بعد 14 جانفي 2011 في إدارة الأزمات حيث أثبتت المؤسسة العسكرية تعففها الكامل عن مغريات الحكم من خلال تأمينها لعملية الانتقال السلمى للسلطة التي تٌوّجت بانتخابات أكتوبر 2011 الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، وعملا بمقتضيات الدستور والقوانين المنظمة لعمل «مجلس الأمن القومي»، يٌخوّل لرئيس الجمهورية أن يأذن بدعوة «مجلس الأمن القومي» للانعقاد بشكل عاجل في دورة استثنائية ودائمة على معنى الفصل 4 من الأمر الحكومى لسنة 2017 الذى ينص صراحة « وعند وجود خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو امن البلاد أو استقلالها أو تعرضها لأزمات، ينعقد المجلس حالا ويبقى في حالة انعقاد الى زوال الموجب» وذلك بغرض اتخاذ حزمة من القرارات والمراسيم التي من شأنها نزع فتيل الاحتراب المناطقى والقطاعى التي تلوح في الأفق، منها على وجه الخصوص:
I- في المنظور العاجل
- وضع آليات لإنفاذ القوانين ذات العلاقة بحماية مواقع الإنتاج المنصوص عليها بالأمر الرئاسى عدد 90 المؤرخ في 3 جويلية 2017 (الفصل الرابع منه على جه الخصوص) وبالتسخير الواردة بقانون الطوارىء لسنة 1978 ومجلة الشغل (الفصل 389) والمجلة الجنائية (الفصل 107) وذلك بتوصية من لجنة «شؤون الدفاع والأمن» ولجنة «أمن المنشات الحساسة».
- إيجاد صيغ تفاهم مع المنظمة الشغيلة لإرساء هدنة إجتماعية لمدة محددة عبر لجنة «الأمن الاجتماعى» التابعة لمجلس الأمن القومي.
II- في المنظور القريب
- الإسراع بتحديد سقف زمنى لا يتجاوز الستة أشهر بخصوص : احداث محكمة دستورية، تنقيح قانون الأحزاب والجمعيات وتعديل المجلة الانتخابية وتنقيح النظام الداخلى لمجلس نواب الشعب بتوصية من لجنة «تامين الحياة السياسية والحياة العامة» ،
- الاسراع بعرض مشروع القانون المتعلق بمكافحة «جرائم انظمة المعلومات والاتصال» أمام أنظار مجلس نواب الشعب بتوصية من لجنة «الاتصالات والمعلومات»،
- الاذن بتنظيم استفتاء عام وفق مقتضيات الدستور حول امكانية تغيير النظام السياسى من عدمه.
- الاسراع بوضع اليات وقائية وقوانين جديدة تؤدى الى تشديد العقوبات في قضايا الفساد المالى التي استفحلت نظرا لعقلية الافلات من العقاب المستشرية اليوم وذلك بالتنسيق مع لجنة «الأمن الاقتصادى والمالى»:
وبما أن الطبيعة تأبى الفراغ فانه في صورة تواصل حالة الجمود السياسى الراهنة فان الفعاليات الشبابية المهمشة ستكثف من عمليات فرض طوقها الاحتجاجى الخانق في جميع الجهات تحت مسمى «تنسيقيات محلية» لا مكان فيها للدولة الموحدة على معنى الفصل 14 من دستور 27 جانفي 2014.
حذار ثم حذار من اهدار مزيدا من الوقت !