لا يطاق ولا حل في أي أفق زمني من الآفاق. والكل عارف بأن المسألة ليست في غياب الحل وإنما في «البحث عن الحل لانعدام الحل». لأن المسألة ليست أزمة سنة او سنتين أو أربعة أو ستة وإنما عشر سنوات بأكملها. والعائق ليس في طول مدة الانتظار وإنما في مزيد الابتعاد المتواصل عن الهدف، بشكل يجعل الأمل أفضل في الرجوع إلى موقع السنة السابقة، خير من اللاحقة. كما أن المعضلة ليست في معالجة وضع غير مستقيم وإنما في «توفير العلاج لما أصبح نوعيا وهيكليا في خصومة مع كل أنواع العلاج». وفي هذه الأجواء تأتي مبادرات، وإن أقرت بالمشاكل وعمقها واستفحالها، فإنها تقترح خلط الجميع، في إطار «لمة وطنية جامعة مانعة»، تتمخض بالتئامها عن الحل المنشود. كأن تضع مع بعضها مكونات
غير متجانسة فإذا بها تعاني منه من تنافر وجفاء يتحول بقدرة قادر إلى شفاء وعفاء وصلاح وفلاح. وهي طبعا محاولات محترمة لأنها تشبه الابتهالات إلى السماء لعلها ترزق التونسيين غيثا نافعا، لكنها تخطط من حيث لا تشعر للخيبة، باستجدائها لنوع من المستحيل السحري. في حين أن العقل والعقلانية والتعقل يدعوان إلى النظر إلى أمورنا بأكثر ما يمكن من التجرد، للاكتشاف بأننا منقسمون على أنفسنا، بينما مشاكلنا منظومة واحدة، متماسكة ومرصوصة البناء لا يقدر عليها إلا من يهتدي أولا وقبل كل شيء إلى تفكيكها لفهم علاقاتها ببعضها وكيف تتغذى من تلاحمها فيما بينها إلى حد ينجح فيه كل مشكل في إحالتنا على بقية المشاكل المتضامنة معه والتي تسخر منا لأننا نداعبها «على الطفوف» ولا نضربها في
الصميم. والصميم هو أننا أضعنا الخيط الرابط وأصبحنا لا نفقه ما نريد بل الأدهى من ذلك أننا أصبحنا نتعامل بمفهوم العداوات وليس الخصوم والحل في العداوة هو قتل الخصم وليس الانتصار عليه سياسيا واخلاقيا وحضاريا. وأصبحنا نتابع استطلاعات الرأي التي تعطينا شهريا الفائزين والخاسرين دون أن نعرف فازوا بماذا وخسروا ماذا، مع العلم أن لا أحد يلفت انتباهنا إلى أن ثلثي المستجوبين من التونسيين يصرحون بأنه لا يوجد معنى لأية انتخابات، لا رئاسية ولا تشريعية، أي نحن نخيط ونفصل في حدود الثلث من الرأي العام و«نرئسن» و«نبرلم» من نشاء في بلاد الشاق الواق. أي إذا لم نفهم أن ما حصل يوم 14 جانفي لم يكن لأسلمة المسلمين التونسيين ولا لتواصل نفس حكم الذي استنفذ كل امكانياته وأصبحت
عيوبه أكثر من فوائده، وإنما في العودة إلى تونس الكرامة والعزة والاستقلال والتحرر، للتقدم بها خطوة تاريخية جديدة، على طريق استكمال الاستقلال الوطني والإصلاح الحضاري بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية والتكافؤ الجهوي. إذا لم نتوفق في فهم من أين يأتون وإلى اين يذهبون سنواصل وجود أنفسنا في حالة تعطل وتعكر وتقهقر.
أما لو نتفق على الحد الأدنى كما تقدم والذي من المفروض أن يجمع الأغلبية الساحقة من التونسيين ستهون الصعوبات وتعود الثقة وسنتوصل بسرعة عجيبة إلى الحل الوطني المنشود للمشاكل القائمة وسننظر إلى المستقبل بتفاؤل وبإرادة مشتركة وسنتغلب على نقاط الضعف فينا وسنبعث برسائل إيجابية إلى شركائنا وسنتمكن من وضع الخطة العملية الناجحة
المبنية على التكافؤ والتضامن الناتج عن التفاوض الجدي القارئ لمختلف المصالح وغير القافز عليها وعلى رأس تلك المصالح المصلحة المشتركة، مصلحة تونس في الحفاظ على سيادتها واحترامها بين الدول والرغبة في التعامل معها لأنها حاملة لقيم كونية يرتاح لها الشركاء ويسعون إلى تطوير العلاقات معنا على أساس الفوائد المشتركة ولا على أساس من هو مباع لتركيا أو لفرنسا في سوق الخساسة. وقد أصدرنا كتيبا صغير الحجم وواضح المحتوى عنوناه بـ»الوثيقة»/»لإنجاح تونس»، يحتوي على تمش متكامل من المفروض أن يمثل مدخلا مناسبا لعملية تأليفية وطنية. ولو، ولا ندري بأي معجزة، يرتقي الحوار إلى المستوى المطلوب، سنكون من جنود العمل على إنجاحه، وفيما عدى ذلك ملتزمون بضرورات «التباعد الاجتماعي» ليس توقيا من «الفيروس» فحسب وإنما أيضا لأن داء تعطيل العقل «تفرس» عندنا وأصبح يحول دوننا ودون المحاولات الجدية للتحكم المجدي في المصير المشترك.