في الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة: وجهة نظر

بقلم د. عزّام محجوب، أستاذ تعليم عالي فخري
من الواضح ان بلادنا تمر بمنطقة اضطرابات سياسيّة وإيديولوجية قويّة في سياق وضع اقتصادي حرج لم تتمّ السيطرة عليه إلى حدّ الآن.

وإذ تشكل الانتخابات دوما لحظة رئيسيّة في كل الديمقراطيات فإنها تكتسي صبغة فارقة في ديمقراطية فتيّه لا تزال هشّة وغير مستوفاة مثل حالتنا. انها نُشكّل دائما لحظةُ حقيقةٍ، تكشف إلى حدّ ما، عن كَمَّ الغضب والاستياء والإحباطات، وكذلك الآمال الجديدة والطموحات التي لم تتحقق بعدُ.

التصويت العقابي
إنّ التصويت في الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية تصويت احتجاجي كلاسيكي يعبّر عن غضب العديد من التونسيين واستيائهم، وبصفة أخصّ، أولئك الذين يعيشون بشكل حادّ العنف الاقتصادي المسلط عليهم في حياتهم اليومية باستمرار. إنها عقوبة سياسية، بدرجات متفاوتة، للحكومات المتعاقبة، وخاصه للحكومة الحالية بأكملها. ففي الواقع، إن هذا العقاب الجماعي لا يشمل السياسيين فحسب، بل يطال بالخصوص سياساتهم وأسلوبهم في الحكم. فالفشل يُدفع ثمنه في النظم الديمقراطية وفقا لمبدأي المساءلة والقابلية لسحب الثقة في نهاية فترة الولاية (redevabilité et révocabilité). وخلافا لما يتمّ في الأنظمة الاستبدادية، فهذا النوع من العقاب ليس غريبا ولا يشكل حادثا استثنائيا في كلّ الديمقراطيات العريقة. إنه، في حد ذاته، جزء من اللعبة الديمقراطية التي نحن بصدد تعلمها، بكل فخر، ولكن أيضا، بصعوبات علينا ان نتكيّف معها بطول المدّة. فعبارات زلزال أو «تسونامي» تبدو في غير محلّها.

إنّ الأغلبيات السياسية المتعاقبة، ولا سيما الأغلبية الحالية، تشكل جزءا لا يتجزأ من الرفض والعقاب الشعبيّيْن. والنكسات التي يعاني منها الحكام وأغلبياتهم البرلمانية تعكس ببساطة السأم والتطلّع إلى التجديد، بل الحاجة إلى التغيير حيث أن الاستياء والغضب شديدان، وأن الرغبة جامحة في بديل قادر على تحقيق الانتظارات.
والآن، يجب التساؤل عن ماهية العرض السياسي الذي كان من المرجح أن يلبّي الرغبة في تغيير القادة والسياسات المرتبطة بهم؟

التصويت ضدّ المنظومة
بداية، وسعيا إلى مزيد من الوضوح سنحدد مفهوم المنظومة (système) بالاعتماد على بُعد وحيد ومحدّد يتعلق بنطاق دائرة السلطة السياسية التي تضم جميع الفاعلين السياسيين الذين ينخرطون ويشاركون في السلطة والسلطة المضادّة المحكومتين بالمعايير القانونية والدستورية المحترمة من الجميع. ومن هذه الزاوية فكل المترشحين، بدون استثناء، ليسوا من خارج المنظومة. غير أنه لا بد من الإشارة إلى أنّ لكل نظامٍ مركز(centre) ومحيط (périphérie)، وذلك اعتمادا على المسافة التي تفصل كلا منهما عن الممارسة الفعلية للحكم. وبالتالي، فانه من الأدقّ أن نتحدث الآن عن النجاح النسبي للجهات الفاعلة السياسية الهامشية (acteurs périphériques) مقارنة بتلك التي توجد في المركز، والتي تشمل المعارضة البرلمانية أيضا، حتى وان كانت مسؤوليتها في اتخاذ القرار ضعيفة. وهنا يجب أن نشير إلى أن هذه الأخيرة تعاني من أضرار جانبيّة كبيرة ألقت بضلالها على المنظومة البرلمانيّة ككلّ. وهي ناجمة عن تصوّر المواطنين لمدى فعاليتها، وأيضا عن عروضها الخطابيّة الهجومية التي غالبا ما كانت عنيفة جدا وذات تأثير متدنّ، فضلا عن التغيّب، والسياحة الحزبيّة والشكوك في الفساد والإثراء غير المشروع، والتي لم تشوّه نُبل مهمتها فحسب، بل وأكثر من ذلك، أدت إلى الرغبة في رفتها، بكل ما تحمله، من قِبل عديد التونسيين الذين أدركوا ومازالوا ينظرون إلى هذه الأطراف الفاعلة على أنها تحريف لنظام التمثيل الحزبي. ومن الواضح أن هؤلاء الفاعلين، سواء من الأغلبية أو من المعارضة، يشتركون بدرجات مختلفة في هذا العقاب الشعبي حتى وإن مسّهم بشدّة متفاوتة.

وقد قدم بعض المترشحين المنتمين لتيارات تطرح نفسها كبديل خطابات معارضة ومزدوجة راديكاليّة أو «ثورجيّة» ومحافظة في نفس الوقت. والقاسم المشترك بينها هو الاستفراد بالثورة ومعاداة النخب والمحافظة في مجال المسائل المجتمعيّة. وبالتالي فهي تلتقي مع الحركات الشعبويّة السائدة عالميّا. هذا التيار العالمي الجديد الذي يتزايد انتشاره بمهاجمة مراكز الأنظمة وباقتناص الفرص التي تتيحها القوانين، لوصمها، وتشويه سمعتها أو حتى الإجهاز عليها، وإعادة النظر في أسسها، والدعوة إلى المحافظة على السيادة والهوية الوطنيّة، والانطواء والتركيز على المسلمات والقيم المحافظة أو المحافظة الجديدة. وستتفاوت تأثيراتها حسب درجه الاستياء ومدى الضرر الذي تشعر به الفئات المهمشة وكذلك حسب الثقافة الاجتماعية والايديولوجية الخاصة لهذه الفئات. «فالأزمات بجميع أنواعها هي المجرى التاريخي لهذه التيارات». وتونس لا تشذّ عن هذا المسار العميق أو العابر، والمستقبل هو الكفيل بتأكيد ذلك أو نفيه.

فما من شك أننا نعيش تغييرا هاما في مضمون الخطاب السياسي، حيث كان التركيز إبان الثورة على مفهوم الانتقال الديمقراطي وتثبيت مساره، وأصبح اليوم يتمحور حول تصحيح المسار الثوري باعتبار أنه تمّ الزيغ عنه وأنه تمّ الركوب على الثورة من قبل العديد من الأطراف: فنحن اليوم في صلب الصراع الإيديولوجي الجديد.
هذا، وتفيد التجارب المقارنة أنه يصعب التقييم الآني لخيارات الشعوب فحيث أن احتمال الصواب كان دائما أرجح، فإن الخطأ يبقى واردا إلى حدّ ما، وعندها تكون التكلفة باهظة.

ولكن قبل الانتقال إلى النقطة التالية أود أن أقدم ملاحظتين. أولا يجب علينا تنسيب هذا النهج من التصويت المناهض للمنظومة (antisystème). فمن ناحية، يُعتبر المرشح الذي أحرز على المرتبة الثانية أي نبيل القروي، نتاج بامتياز للمكونات السياسية والإعلاميّة للمنظومة. فهو يجسد بالنسبة للكثيرين، بغض النظر عن انتصاره للفقراء، أحد الأشكال المنحرفة للمنظومة المذكورة. وعلاوة على ذلك يجب علينا ان نعترف بأن الشرخ الكبير داخل الطبقة الحاكمة هو الذي كسّر بنفسه المنظومة التي تجسدها هذه الطبقة. ولو نتخيل للحظة انه حصل اتفاق بينها بدلا من الانقسام فلا أحد كان سيذكر اليوم التصويت المضاد للمنظومة. وبالتالي يمكننا أن نتكلم عن عقوبة ذاتية إلى حدّ بعيد.

ثانيا، يجب ان لا نقلّل ولا نهوّل من قيمة التيارات التي تقدّم كمضادة للمنظومة. فخطر الانزلاق موجود بكل تأكيد ولكن يمكن حصره إلى حدّ ما، من خلال الواقيات المؤسساتية المناسبة. فالمحكمة الدستورية تصبح ضرورة مستعجلة. (انظر دور مؤسسات الحماية في الولايات الأمريكية والمملكة المتحدة في مواجهه الشعبوية). كما أنه على قوى الحركة الموالية للديمقراطية التي تدافع عن الحريات والقيم الاجتماعية والإنسانية بالخصوص، أن تشكل الحصن الملائم ضد الانزلاقات على اختلاف أصنافها، بما في ذلك تلك المتعلقة بالمساواة الحقيقية، وليست المساواة الشكليّة، والتي تعتبر من نفس الطبيعة وتتأسس على نفس الروح والقيم (consubstantielle) مع الإنصاف.

وأود ان أن أنهي التطرق إلى مسألة العقاب بسرعة لاستحضار النظام الفرعي (sous-système) المستهدف كذلك وهو قطاع الاعلام. ولست أرغب في ان أثير غضب الفاعلين في هذا القطاع، ولكني أدعوهم إلى ان يأخذوا تعليقاتي بروح رياضية لا يقصد بها وصمهم خاصة وأن مهمتهم جد صعبة.

نعم، يجب على وسائل الاعلام مساءلة أنفسها لأنها يجب ان تدرك أنها شهدت نكسة كذلك. أولا، لا بد من الاتفاق على أن جزءا من هذه النكسة يرجع إلى انعدام الأمن السيبراني المتنامي في كل مكان، والتلاعب المتزايد بالرأي العام عن طريق الشبكات الاجتماعية وهي حقيقة هيكلية تؤثر الآن على جميع الدول؛ ولئن كانت للبعض منها قدرة قوية على الصمود وتحاول حماية أنفسها خاصة خلال المواعيد الانتخابيّة، فإن البعض الآخر منها، مثلنا، ديمقراطيتها لا تزال هشّة ولكن، بالإضافة إلى ذلك، فإن قدرتها على الصمود تكاد تكون منعدمة.

وبالتالي فان المنظومة الفرعية الإعلامية تجد نفسها مهزوزة الأسس وتأثيرها يتناقص شيئا فشيئا. ولكن وعلاوة على ذلك، أصبحت وسائل الاعلام تفتقد إلى الكثير من المصداقية؛ ولا أتحدث هنا عن وسائل الاعلام المارقة عن القانون أو التي تستمر في التّعنت رغم العقوبات المالية المسلطة عليها، ولكني أتحدث عن الأخرى التي تقدم لنا عروضا أخذ الانتقام والعنف اللفظي فيها، غالبا، مكان المجادلات والمحاججة، من قبل محللين، يتصدرون المشهد دائما، اكتسبوا سمعتهم بالعصاميّة، ويتصفون، أحيانا، بالرضا المغلوط عن النفس والغطرسة ظانين أنهم غير مدينين لأحد. إن حكمي قاسي بالتأكيد وينبغي أن يتمّ تنسيبه وتجنّب تعميمه على العديد من الصحفيين المحترمين وذوي المصداقيّة. ولكني أدعو أهل هذه المهنة إلى مساءلة النفس والنظر في استراتيجيات بناء المزيد من المصداقية والمهنية اللازمتين، في خضم هذه الاضطرابات التي لا تزال قائمة. إنها تحتاج إلى التفكير في آلية للمساءلة الداخلية بهيئة مستقلة للإعلام تقوم على هيكلية مؤسساتية ملائمة وتحظى بمزيد من المصداقية من أجل نجاعة أكبر. (وأغلق قوس وسائل الاعلام).

الانتخابات التشريعية
لقد شاءت الأقدار أن يقع تصادم مؤسف بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية بما من شأنه أن يزعزع استقرار الأحزاب وخلط الأوراق. وقد عانى الناخبون من هذه الضبابيّة وهذا التداخل الذي أعطي أسبقية للانتخابات الرئاسية في نظام سياسي هجين يكون فيه الجانب البرلماني، عادةً، هو الأبرز. فالترسيخ التاريخي لرجاحة الرئاسة في اللاوعي لدى التونسيين قد زاد من اختلاط السبل ووقع التركيز على رئيس الجمهوريّة الذي أعطيت له كل الصلاحيات في تأويلٍ واسع وخيالي للدستور. وهكذا، فبعد الاستماع إلى أغلب المترشحين، أصبح مفهوم الأمن القومي يغطي كل المجالات، مما جعل دور الحكومة يصبح تافها أو غير ذي جدوى. وهذا الانزلاق يعكس ما نتسم به من بدائيّة في تعلّم قواعد سير المؤسسات، وقلّة النضج السياسي للعديد من المترشحين الذين يبيعون الأوهام، أو انعدام الواقعية التي غالبا ما تمتزج بالأحلام.

وسنرى، في الواقع، أن هامش مجال المناورة للرئيس المقبل يبقى ضعيفا نسبيّا. إنه سوف يكون، بالتأكيد، قادرا - إن كان في تناغم مع البرلمان (إذا كان لديه حزام سياسي جيّد) وخاصة مع رئيس الحكومة - على المبادرة بإجراءات في بعض الميادين. فكل ما يُراد من الرئيس المقبل أن يتقيّد بصلاحياته الدستورية وذلك بالسهر على ضمان وحدة الشعب والوطن وسيادته وأمن حدوده وعلى حسن الجوار والتفاهم دون الانحياز إلى أيّ حلف إقليميا ودوليا.

وإذ يبقى خطر المغامرة والمواجهة المؤسسية قائمين، فإننا نأمل ان يجنبنا الرئيس المقبل عدم الاستقرار وانعدام الأمن الذي قد يغرقاننا جميعا. إن الانتخابات التشريعية تنطلق بحقّ في أجواء سيئة. فالحملة الانتخابية تبدو باهتة ومازالت متأثرة سلبيا بالانتخابات الرئاسية، ونرى أن المترشحين ما فتئوا يركزون على مناطقهم، وهو أمر له ما يبرره، ولكنهم يغفلون، في الواقع عن أن النواب سيمثلون الامة برمتها. فنحن بحاجة ماسّة إلى أن ينيرنا هؤلاء المترشحون بآرائهم ومواقفهم حول عديد القضايا الأساسيّة. فما هي القوانين التي سيقترحونها؟ وما هي أولوياتهم؟ وما هي الحكومة التي ينوون تكوينها؟ وما هي البرامج للخروج من الازمة؟ وما هي الإصلاحات؟ وما هي تكلفتها؟ وأي نوع من التحالف أو أي شكل من أشكال المشاركة مع الآخرين؟ وماهي البرامج المشتركة للحكم وما هي ملامحها؟ هل كلّ هذه الأسئلة متأخرة جدا الآن لتتطلب منهم الحصول على أجوبة عنها قبل التصويت؟ فهل فات الأوان؟

إنه من المحتمل أن نشهد تعزيز موقع التيارات البديلة مع تفكك التمثيل النيابي مع اللجوء لاحقا إلى المساومة، وتوزيع المناصب والاتفاقات الوهمية التي لا تستند إلى برامج حكم حقيقية. وللأسف فإن هذه الأخيرة لا تحتمل الارتجال وخطر الوقوع مرة أخرى في نفس الممارسات لتوزيع الوظائف والمحاصصة الحزبيّة المقيتة بما يترك الباب مفتوحا للّاحكم وبالتالي إلى عدم الاستقرار القاتل لاقتصاد البلاد الذي هو على حافة الهاوية. نعم، نحن بحاجه إلى إعادة التركيز على الاقتصاد. إنه يتعين علينا دعوة المتنافسين لتقديم برامجهم بوضوح والرفق بنا ببيان مع من؟ وكيف سيحكمون؟ وليفعلوا ماذا؟ إن التشريعيّة هي الأساسيّة، وأخطارها تبدو لي أشدّ.

فهناك، في الوقت الحاضر، تساؤلات يجب أن تطرح بشأن المستقبل، على الأقل في الأجل المتوسط، في علاقة بالانتخابات الرئاسيّة منها والتشريعيّة. هل هناك خطر جدي لعودة الانقسامات الأيديولوجية الجديدة المزعزعة للاستقرار: معسكر الثورة والآخرون، أو المعسكر الثورجي ومعسكر الثورة. لقد دفعنا ثمنا باهظا للانقسامات الإيديولوجية من سنة 2011 إلى سنة 2014. فهل سندفع مجدّدا ثمنا آخر؟ هذا الخطر حقيقي ومقدماته بدأت بالفعل في البروز، وهوما ينذر بفترة من الشّك وعدم اليقين التي قد تلقي بالمسالة الاقتصادية في غياهب النسيان في حين أنها تبقي العقدة المفصليّة لنجاح انتقالنا. هذه هي تخميناتي ولكنه بالإمكان، وأتمنّى، أن تكون خاطئة، رأفة ببلدي.

بالنسبة للدّورة الثانية للانتخابات الرئاسيّة
نظرا لشبهات غسل الأموال والتهرب الضريبي الموجهة إلى المترشح نبيل القروي والملاحقات القضائية التي ستستمر في الرزح بثقلها عليه في صورة انتخابه المحتمل، فإنّ مصداقيته ستبقى مهزوزة عند جزء غير ضئيل من التونسيين بالخارج. فحتى وإن تم انتخابه بصفة قانونية لا تقبل الطّعن فيها، فالمشروعيّة الأخلاقيّة التي على أساسها تُبنى المصداقيّة الداخليّة والخارجيّة تبقى منقوصة. فهل بإمكانه أن يَعِد بشكل علني واضح أنه في صورة انتخابه سيُخْضِع قناته للتطبيق الكامل للقانون؟ لأن المخالف للقانون لا يمكن بالمعقول ان يُؤتمن على حماية القانون بعد ذلك. فالمطلوب أن يكون رئيس الجمهوريّة المقبل فوق كلّ الشبهات ومحترما للقانون والعدالة وبالطبع للدستور.

بالنسبة للمترشح قيس سعيّد، فقد عبّر عن التزامه باحترام الدستور باعتبار أنه رجل قانون. نسجل ذلك، ولكننا نسجل كذلك أنه محافظ في وجدانه، وهذه مسالة شخصيّة تتعلق بحريّة الضمير التي يكفلها الدستور. غير أن الحجج التي يقدمها لتبرير مواقفه بشأن القضايا الاجتماعية لا تصمد أمام النقاش الفكري. خاصة منها تلك التي تتّصل بعلاقة العدالة والمساواة في قضيّة المساواة في الميراث. أما بخصوص مواقفه بشأن المسائل المجتمعيّة فهو في تناغم مع أنصار الشعبوية العالمية المحافظة. وتبقى، كذلك، عديد التساؤلات التي تتطلب إجابات واضحة:
ماذا عن مشروعه الكبير للتغيير المؤسساتي الذي يحمل، وفق أقواله، أنفاس الثورة المتجدّدة والذي سيمكن من إعادة تصميم المؤسسات؟ هل يمكن ان ينقذنا من مخاطر إعادة إحياء المزيد من الانقسامات الإيديولوجية وتجنب المشاجرات غير الضرورية؟ سيكون من الحكمة إقامة، في الوقت المناسب، نقاش واسع وكبير حول هذه المسالة لإتاحة الوقت الكافي للزمن لكي يقوم بدوره من أجل استكمال دستورنا وتعزيز أركانه قبل التفكيك وإعادة البناء. فنحن نعلم جميعا أن الإصلاحات المؤسسية الكبيرة والمستعجلة، على خلفيّة أزمة اقتصاديّة خطيرة، غير ملائمة وتؤدي إلى نتائج عكسية قد تكون كارثيّة؛ والتجارب العالمية تثبت ذلك باستفاضة.

فالرجاء كل الرجاء أن تجنبونا الانقسامات الإيديولوجية العقيمة وعمليات التفكيك وإعادة البناء في زمن الإجهاد الاقتصادي الشديد. فهلّا بإمكاننا أن نتنفس جميعا نفس الثورة؟ فالثورة كانت عملا مشتركا ولا يمكن لأحد ان يتفرّد بامتلاكها. فإنني أدعو ألا نقع في هذا الفخ وأن نفكر معا في مواصلة توطيد ديمقراطيتنا وتسريع الإقلاع الاقتصادي الضروري والذي لا يزال في متناولنا. وأدعو ألاّ نضيع خمس سنوات أخرى قيمتها لا تقدّر بثمن.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115