القاضي الاداري كقاضي إنتخابي : خصوصيات الطعن الانتخابي

لئن اختارت بعض النظم التي تبنت الرقابة القضائية على الانتخابات إحداث محاكم انتخابية مختصة بالنزاعات الانتخابية ( المكسيك مثلا )

إختارت نظم أخرى إعتماد نظام النزاع الانتخابي وإسناده للقضاء القائم في الدولة على غرار تونس .

والمقصود بالنزاع الانتخابي طرق الطعن القضائي التي ضبطها القانون الانتخابي وحدّد مجالاتها وصورها ونظم إجراءاتها ورتّب الآثار المنجرة عن الاحكام الصادرة بخصوصها.
وقد حدّد القانون الانتخابي التونسي (الصادر بموجب القانون الاساسي عدد 16 لسنة 2014)اصناف الانتخابات المعنيّة برقابة القضاء :(وهي التشريعية والرئاسية والبلدية والاستفتاء) كما حدّد العمليات المعنيّة بالطعون الانتخابية لدى القضاء وهي: نزاعات الترسيم بالسجل الانتخابي و نزاعات الترشح للانتخابات و نزاعات النتائج الانتخابية.
وفي هذا الخصوص اختار المشرّع قاعدة توزيع النزاع الانتخابي بين مختلف أصناف القضاء:

ففي حين أسند النزاع المتعلق بالترسيم في السجل الانتخابي للقضاء العدلي على درجتين و أبقى من أنظاره نزاع الترشحات للانتخابات التشريعية في الطور الاول , فقد أسند المشرع البت في المخالفات المتعلقة بتمويل الحملات الانتخابية إلى محكمة المحاسبات ولها في هذا المجال سلطة توقيع عقوبات مالية وحتى اسقاط عضوية بالقائمات المترشحة واسند القانون الانتخابي للقضاء الاداري اختصاص البت في النزاعات المتعلّقة بالترشح و بالنتائج الانتخابية في مختلف اصناف الانتخابات .
وتعدّ قاعدة توزيع النزاع الانتخابي آلية وقتية إلى حين تركيز الهيكلة المكتملة للقضاء الاداري وذلك لتلافي تشتت القضاء الانتخابي.
وبالنظر إلى أهمّية الاستحقاقات الانتخابية فقد أضفى المشرّع على الطعون الانتخابية خصوصيّة تحقق الضمانات الاجرائية للمحاكمة العادلة و في الآن نفسه أسند للأحكام الصادرة من الحجية ما يؤثر مباشرة في مختلف المسارات الانتخابية ويعدّلها على ضوء مآلااتها.

-خصوصية على مستوى النظام الاجرائي.
-خصوصية على مستوى السلطات المسندة للقضاء الانتخابي.

الفقرة الاولى :
الخصوصية الاجرائية للطعون الانتخابية:
ما يميّز النظام الاجرائي للطعون الانتخابية ما يلي:
1/ الدور الموكول لصاحب المصلحة في تهيئة الطعن للفصل.
2/ خضوعها لآجال ومواقيت مضبوطة ومختصرة.
3/اعتمادها على نظام تقاض على درجتين.

1/ الدور الرئيسي للطاعن في استكمال اجراءات الطعن الانتخابي:
على خلاف الاجراءات العادية للقيام أمام القاضي الاداري التي يقوم فيها القاضي بدور توجيهي وتحقيقي لتصحيح الطعن و تهيئة الطعن للفصل من خلال التمييز بين اطوار الدعوى : النشر و التحقيق والمرافعة والحكم.فإنّ القانون الانتخابي من خلال تفصيل المشرع لموجبات تقديم العريضة وشكلياتها ومرفقاتها إنما إختار أن يتمّ استنفاذ اجراءات تهيئة الطعن للفصل من خلال :الحرص على الاعلام بالطعن و ضمان المواجهة بأسانيده للطرف المقابل قبل ايداع العريضة بالمحكمة.على نحو تكتفي فيه المحكمة بالبتّ في الطعن بعد استدعاء الاطراف لجلسة المرافعة.
و تأكيدا لهذا التمشي فقد تشدّد المشرّع في فرض جزاء عن عدم احترام موجبات القيام بالطعن و تحرير العريضة و اعلام الطرف المقابل وذلك بترتيب رفض الطعن شكلا.
وقد تبنت الجلسة العامة القضائية للمحكمة الادارية في قراءة لاجراءات الطعن الانتخابي مبدأ استقرار الطعن الانتخابي عند إيداع العريضة من خلال احترام قاعدتين مستمدتين من مراعاة حقوق الدفاع ( القرار الصادر في مادة النزاعات الانتخابية البلدية تحت عدد 317411 بتاريخ 30 أكتوبر 2018 ) وهما:
-قاعدة إعلام الاطراف المعنية بالقيام بالطعن القضائي.
- قاعدة المواجهة بين الاطراف المعنية بالطعن بعرض أسانيد الطعن ومؤيداته الدفوعات.
وهو موقف يخالف المرونة التي يتعامل معها القاضي الاداري عموما مع إجراءات القيام في دعاوى تجاوز السلطة.
وقد كان لهذا التشدد الاجرائي أثره المباشر على مستوى قبول الطعون في مختلف المحطات الانتخابية إذ بلغ عدد الطعون المرفوضة شكلا نسبا وصلت إلى حدّ 40% في نزاعات الترشح للانتخابات البلدية (ماي 2018).

2/ خضوع الطعن الانتخابي لاجال ومواقيت مضبوطة ومختصرة:
اختار المشرّع التونسي أن لا يكون القرار الانتخابي المؤثر في الوضعيات القانونية للمشاركين والمعنيين بالمسار الانتخابي حكرا على الادارة الانتخابية ممثلة في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وإنّما خوّل للقضاء سلطة تعديل تلك القرارات و حتى إبطالها بل وأسند للقرارات القضائية المذكورة حجية مطلقة وتنفيذية مباشرة تعتمدها الادارة في الترسيم بالسجل الانتخابي وفي البت في الترشحات وكذلك في الاعلان عن النتائج. لذلك و بالنظر كذلك إلى إرتباطه برزنامة انتخابية سابقة الوضع فقد تدخل المشرّع لتنظيم الزمن القضائي في التعهد والبت في الطعون الا نتخابية وحصره في آجال مختصرة.
وقد ضبط المشرع الاجال لمختلف أطوار النزاع الانتخابي وأصنافه بأمد زمني يتراوح ما بين أجل أدنى للبت النهائي فيه ب15 يوم إلى 30 يوما .
وفي هذا السياق نجحت مختلف الدوائر القضائية للمحكمة الادارية الابتدائية في مختلف المحطات الانتخابية لسنوات 2011 و2014 و 2018 في احترام المواقيت المضبوطة للبت في الطعون المذكورة من دون أن يؤثر ذلك الضغط الزمني على حسن القضاء في الطعون المذكورة وأرست المحكمة رغم ذلك فقه قضاء ثري في المادة الانتخابية .

3/اعتماد مبدإ التقاضي على درجتين:
من المعلوم ان مبدأ التقاضي على درجتين من المبادئ الدستورية ومن الحقوق القضائية التي تكرس مضامين المحاكمة العادلة. فالحق في مراجعة الاحكام من هيئة قضائية اعلى درجة فيه توفير أكثر ضمانات النجاعة في الفصل في الطعون .
وما يلاحظ في النزاع الانتخابي أنّ المشرع وإن اعتمد هلى هذا التوجه فقد نوّع في تحديد الجهة الاستئنافية باختلاف صنف الانتخابات:
ففي نزاعات الترشح للانتخابات التشريعية :اسند للقضاء العدلي النظر الابتدائي وللدوائر الاستئنافية للمحكمة الادارية النظر الاستئنافي (محاكم الاستئناف الادارية).
وفي نزاعات الترشح للانتخابات البلدية: اسند النظر للدوائر الابتدائية والجهوية للمحكمة الادارية وفي الطور الثاني للجلسة العامة القضائية( كمحكمة استئناف).

وفي نزاعات الترشح للانتخابات الرئاسية : أسند النظر في الطور الاول للدوائر الاستئنافية بالمحكمة الادارية ( لمحاكم الاستئناف الادارية) و في الطور الثاني للجلسة العامة القضائية( المحكمة الادارية العليا).
أما بالنسبة لنزاعات نتائج الانتخابات بمختلف أصنافها وكذلك الاستفتاء فقد تم اسنادها ابتدائيا للدوائر الاستئنافية بالمحكمة الادارية( المحاكم الادارية الاستئنافية) وللجلسة العامة القضائــية ( المحكمة الادارية العليا )كمحكمة درجة ثانية.

*وما يلاحظ بخصوص اخضاع الطعون إلى الحق في الاستئناف فإنّ المشرّع إعتمد نفس التمشي الاجرائي المتشدد بخصوصه تحت طائلة الرفض شكلا من خلال:
-قاعدة استقرار الطعن قبل ايداع العريضة(بتحميل القائم بالطعن واجب الاعلام به و إطلاع الاطراف المشمولين به باسانيده + وتنبيههم إلى ضرورة أن تكون ردودهم مبلغة ).
-تحميل الاطراف المشمولين به عبء تكليف محام لدى التعقيب+ والتبليغ بواسطة عدل تنفيذ خاصة بالنسبة للعريضة.
ورغم اختيار المشرع مبدأ التقاضي على درجتين في الطعون الانتخابية إلا أنّه خيّر كذلك عدم إخضاعه للطعن بالتعقيب. ولعلّ ذلك راجع إلى سببين على الاقل :
- الأول : أن اللجوء للتعقيب فد يطيل في أجال الفصل في الطعون.
- الثاني:الاستحالة الهيكلية :على اعتبار اسنادّ الجلسة العامة القضائية للمحكمة الادارية النظر الاستئنافي في جل الانتخابات وهي اعلى هيئة قضائية بالمحكمة فلا يجوز أن تكون موضوع تعقيب لدى الدوائر التعقيبية.
إضافة إلى الخصوصية على مستوى النظام الاجرائي هنالك تميّز على مستوى السلطات المخولة للقضاء الانتخابي.

الفقرة الثانية:
خصوصية على مستوى السلطات المخولة للقضاء الانتخابي:
إن جعل القضاء حلقة أساسية في ضمان الحقوق المرتبطة بالانتخاب ( الحق في المشاركة السياسية + الحق في اختيار المسؤولين السياسيين +الحق في الترشح للوظائف النيابية ...) لايكتفي فيه القضاء بالرقابة على المسار الانتخابي انما بالتأثير فيه وفي القرار الانتخابي.
فهذه المكانة اكتسبها القاضي الانتخابي من خلال السلطات الواسعة التي يتمتع بها في الرقابة على المسار الانتخابي من جهة ومن خلال النفوذ التي تتمتع بهاالاحكام الصادرة عنه في المادة الانتخابية.

1/ سلطات القاضي الانتخابي:
على خلاف الصلاحيات التي يتمتع بها القاضي الاداري كقاضي شرعية و التي تتوقف عند معاينة مدى تطابق القرارات الادارية للقانون وإلغائها في صورة عدم الشرعية فإنّ القاضي الانتخابي يتمتع بسلطات واسعة يعبّر عنها بسلطات القضاء الكامل إذ لا يتوقف عند تفحص مدى احترام القانون بل ويذهب إلى حدّ إلزام الادارة بفعل أو بالامتناع عن فعل ( سلطة توجيه الاوامر للادارة ) وكذلك إلى الحلول محل جهة الادارة في مباشرة بعض الصلاحيات.
-فالقاضي الانتخابي له أن يأذن بالتسجيل في سجل الناخبين كما أن له سلطة تعديل قائمة المترشحين للانتخابات بالاضافة أو بالحذف أو بارجاع قائمة او مرشح للسباق الانتخابي بعد رفضه من قبل إدارة الانتخابات كما أنّ له سلطة إعادة احتساب الاصوات و إعادة توزيع المقاعد المتحصل عليها كما أنّ له صلاحية التصريح بفوز قائمات انتخابية تمّ اسقاطها من هيئة

الانتخابات .

وما يؤكد هذه السلطات الواسعة الموكولة للقاضي الانتخابي في التأثير على كامل المسار الانتخابي هو أن المشرع يعتبر القرارات الصادرة بخصوص مختلف مراحل العملية الانتخابية وقتية إلى حين البت فيها من القضاء او انقضاء آجال البت فيها.
إضافة إلى هذه السلطات التي يتمتع بها القاضي الانتخابي فإنّ للقاضي الانتخابي دور تحقيقي و استقصائي واسع في التثبت في سلامة المسار الانتخابي وهو ما أكده في العديد من أحكامه إذ يعتبر أنّ قاضي النتائج مستأمن على اصوات الناخبين و لايقضي بالغائها لمجرد شكوك أو إشاعات أو وقائع بسيطة او مجردة أو متفرقة وأن الغاء النتائج لا يكون ضروريا إلا متى كانت الحجج المقدمة قوية وثابتة بشأن الاخلالات المحتج بها التأثير بصورة حاسمة في النتائج.( قرار الجلسةالعامة القضائية عدد 201450018 بتاريخ 20 نوفمبر 2014.)
وقد دعّم القانون الانتخابي سلطات قاضي الانتخابات بالنفوذ الذي تتمتع به أحكامه.

2/ النفوذ الذي تتمتع به الاحكام الصادرة في الطعون الانتخابية:
أكسى القانون الانتخابي الاحكام الباتة الصادرة بخصوص الطعون الانتخابية حجية مطلقة وتنفيذية مباشرة من دون ان تملك الهيئة المستقلة للانتخابات أي وسيلة لمعارضة تلك الاحكام .بل ألزمها المشرع بالانصياع لمضامين الاحكام وترتيب الاثار القانونية اللازمة على ضوء ما انتهت إليه.
* وقد ذهب المشرع إلى إكساء الاحكام الصادرة في الطعون الانتخابية بالنفاذ العاجل.

الخلاصـة
*ما يمكن قوله أن القضاء الاداري أثبت في فترة الانتقال الديمقراطي جدارته في الرقابة على المسار الانتخابي . وأنّ الرصيد العقائدي الذي اكتسبه على امتداد ما يقارب عن ال50سنة من العمل القضائي القائم على ترسيخ مبادئ حقوق الانسان من جهة و مبادئ الحوكمة الادارية الرشيدة من جهة أخرى يبقيه في منزلة صمام الامان و الحارس الامين على إحترام الارادة الشعبية في نظام ديمقراطي فتيّ.

*وتبقى هذه المنزلة رهينة استكمال بناء هرم القضاء الاداري مثلما جاء به دستور 2014 أي تركيز محاكم ادارية ابتدائية جهوية ومحاكم ادارية استئنافية ممتدة على كامل الاقليم الوطني إلى جانب المحكمة الادارية العليا.كما أنه آن الاوان إلى إصدار الاطار التشريعي والترتيبي لتنفيذ أحكام القضاء الاداري.

عماد غابري

قاضي إداري

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115