قراءة في أبرز الإحاطات الإعلامية لترامب ( 2)

مع إعلان تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المُتحدة بدأت موجات متلاحقة من الصخب السياسي والإعلامي وانكشفت تحالفات تقليدية أمام واقع جديد ،

وبما أن ترامب يهوى الخروج عن المألوف فقد شهد حفل التنصيب كسراً للتقاليد بدعوته قادة أجانب إلى الحفل ، علماً بأنها كانت المرة الأولى التي لم تعقد فيها مراسم التنصيب في الهواء الطلق على درجات الكابيتول نظراً للبرد القارس .

قام ترامب بالتوقيع على 100 أمراً تنفيذياً ، وأطلق خلال حفل التنصيب حالة الطوارئ على الحدود ، ثم انهال بفيض من التصريحات الجدلية في مسائل داخلية ( التعليم ..) وقضايا خارجية منها "ريفييرا غزة " على سبيل المثال وليس الحصر . ثم تسببت تصريحات ترامب المتوالية وتوجهاته نحو فرض تعريفات جمركية وسياساته التجارية إلى تنامي حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الإقتصاد العالمي خاصة وأن التعريفات الجديدة التي تفاخر بها ترامب تتعارض مع منهج التجارة العالمي الحالي الذي تقوده واشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية . وصدر عن الأنكتاد تقريراً يحمل عنوان " توقعات التجارة والتنمية لعام 2025 : حالة عدم اليقين تُعيد تشكيل التوقعات الإقتصادية العالمية " ، وخلُص التقرير إلى أنه من المُرجح أن يتباطأ النمو الإقتصادي العالمي في عام 2025 ليصل إلى 2.3 % مقارنةً بـ2.8 % في عام 2024 ، علماً بأن قرارات الرئيس الأمريكي قد أعقبها إنخفاضات حادة في البورصات العالمية.
سبق أن تناولنا في هذا المنبر الإعلامي تأثيرات المزاج الثوري لترامب على المحددات التقليدية للسياسة الخارجية الأمريكية ، إذ تكشف قرارات ترامب عن اعتقاده بأنَّ واشنطن خاسرة من رعاية النظام الليبرالي الدولي، وأنَّ رعاية الحرية الاقتصادية والتجارية أدَّت في النهاية إلى إغناء الدول الأخرى وأفقرت الولايات المتحدة. وأشارت مراكز فكر تعكف على تقييم سياساته أنه يحاول العودة إلى نظام قديم يُعرف بالمركنتالية ( سياسة إقتصادية سادت أوروبا في القرن السادس عشر ) ، إذ يسعى ترامب إلى جمع أكبر قدر من الثروات في الداخل وتحقيق سطوة أمريكية مطلقة على الإقتصاد العالمي . كما تناولت تقارير إعلامية وقوف بيتر نافارو ' المستشار الإقتصادي في إدارة ترامب ' وراء السياسات التجارية المثيرة للجدل وهو معروف بكتاباته العدائية تجاه بكين ولديه كتاب يحذر فيه مما أسماه ' الخطر الصيني '.
وعلى الرغم من التفاهمات التي أبرمتها بكين مع ترامب في ولايته الأولى ، إلا أنها أصبحت أكثر تشدداً تجاه السياسات التجارية وتصريحات ترامب في الولاية الثانية . ويبدو أن الرئيس الصيني يتعامل برصانة مع التهديدات والقرارات التي تصدر عن ترامب وإدارته وربما لدى التنين الصيني قناعات أن المنهج الترامبي لا يستند إلى منطق ولا يكترث بالتوافقات السياسية بقدر الاهتمام بعقد الصفقات، ويلاحظ أن التعاطي الصيني مع زيادة التعريفات الجمركية الأمريكية يعكس حرصا على إتباع مواقف متوازنة تراعي بين مصالح ومكانة الإقتصاد الصيني على المستوي الدولي، وأن بكين تدرك أن واشنطن تمارس منهج الضغوط القصوى لدفع الدول إلى القبول بشروط وتسويات تخدم الإقتصاد الأمريكي بالأساس . لذلك فالصين تتعامل من مركز قوة، الأمر الذي دفعها لإتخاذ عدد من الإجراءات التصعيدية من أجل تعزيز موقعها في السجال التجاري والإعلامي مع واشنطن . وقد وصفت Foreign Affairs في مقال لها في 14 افريل أن قرارات ترامب تعني ممارسة الضغوط القصوى على دول آسيوية ( كمبوديا ، الفلبين ، ماليزيا ، فيتنام ) لدفعها للاختيار بين الولايات المتحدة والصين . وتتمحور وجهة نظر ترامب أن الإقتصاد الأمريكي لم يحقق نجاحات بسبب الصين والنمور الأسيوية التي يتوفر لديها العمالة الرخيصة.
هذا، ولم تقتصر المناكفات الترامبية على دولة أو قارة بعينها، بل إمتدت إلى دوائر جغرافية مختلفة ، وإن كان الاستهداف يركز بالأساس على الصين والدول التي ترتبط معها بتنسيق وتوافق إستراتيجي وفي مقدمتها بلاد فارس . وعقب الإعلان عن عودة ترامب للبيت الأبيض وصفت الصحافة الإيرانية الأجواء المصاحبة لذلك الحدث عما أسمته ' أثر ترامب ' ومن أبرز التصريحات التي تحمل صيغة الترهيب والترغيب ما ذكره ترامب بإنه "يريد لإيران أن تكون عظيمة"، لكنه "لن يسمح لها بامتلاك أسلحة نووية"، وأن الولايات المتحدة "ستتخذ إجراءً عسكريًا إذا لزم الأمر".

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115